رأينا في الجزء الأوّل أنّ "إعدام" الألم (أو الوجع) من حياتنا: وهمٌ خطير. لكن، من - أو ما - وراء هذا الوهم؟ ما هي جذوره برأينا، ومن يغذّيه منذ غابر الزّمان وfرغم اختلاف المَكان؟
رأينا في الجزء الأوّل أنّ "إعدام" الألم (أو الوجع) من حياتنا: وهمٌ خطير. لكن، من - أو ما - وراء هذا الوهم؟ ما هي جذوره برأينا، ومن يغذّيه منذ غابر الزّمان وfرغم اختلاف المَكان؟
يسيرُ بعضُ المدرّبين الشّخصيّين والمعالجين النّفسيّين، بالإضافة إلى بعض المدارس الفكريّة "الشّعبيّة" الحديثة: يسيرون في اتّجاهٍ خاطئٍ وخطيرٍ جدّاً برأيي. أقصد أنّهم: يسيرون في اتّجاه إفهام أو إيهام النّاس، لا سيّما منهم الشّباب، أنّه بالإمكان الوصول – "يوماً ما" من حياتهم – إلى عيشٍ بلا ألَم. أي: كأنّما يمكن الوصول، يوماً ما، إلى حياةٍ تكادُ تكون خاليةً من الألم.
ناقشنا في الجزء الأوّل محوريّة ما سمّيناه بـ"الشّعور الفردي" وتأثيرَهُ على الحضارة الغربيّة وعلى تفوّق هذه الأخيرة ضمن العالم الرّاهن. كما تحدّثنا عن الدّور الذي يلعبه هذا المفهوم العام في لعبة تحكّم النّخب الغربيّة بمختلف أنواع جماعاتها، كما في لعبة تحكّمها – أقلّه: ثقافيّاً وفكريّاً ونفسيّاً - بغالب جماعات العالم المعاصر.
في زمان الضّجّة السّنيمائيّة والإعلاميّة حول قصّة تصنيع القنبلة النّوويّة الغربيّة "الظّاهريّة".. لا بدّ من البحث عن القنبلة النّوويّة الغربيّة "الباطنيّة" الكُبرى. إنّها بالتّأكيد، وبرأيي: الفلسفة أو العقيدة الفرديّة، التي أحاولُ في هذا المقال إعادة توصيفها وبنائها من خلال مصطلح "الشّعور الفردي (ضمن الحضارة الغربيّة ذات الهيمنة الأميركيّة)".
في إحدى الجلسات المعدودة التي تشرّفت بالمشاركة فيها، مساء الخميس من كلّ أسبوع في مبنى "السّفير" في منطقة الحمرا، طلب منّي الأستاذ طلال سلمان أن أقترب منه قليلاً ليهمس لي بأمر. كان يطلبُ أن أجلسَ بالقرب من المقعد الخاصّ به في صالون مكتبه، برغم أنّه كان قد تعرّف عليّ منذ فترة وجيزة جدّاً حينَها.
قد تقتلُ جيوشُ المستعمرين بعضَ الأنفس الجسمانيّة. ولكنّها في الغالب لا تقتلُ إنسانيّتك أو وعيَك بشكل مباشر. وقد تحتلّ جحافلُ جيوشهم بعض الأراضي هنا وهناك، ولكنّها نادراً ما تحتلّ بشكل مباشر: إدراكَك، وآليّةَ تكوينك لرأيك الخاصّ والحرّ.
رأينا في ما سبق من هذا المقال، كيف أنّ التّبنّي المتطرّف لـCogito الفيلسوف الفرنسي الكبير رينيه ديكارت ("أنا أفكّر، إذن أنا موجود")، إلى جانب الإطار الفلسفي المرتبط بهذا التّبنّي المتطرّف عينِه، أدّى ويؤدّي في الأغلب: إلى نتائج سلبيّة عميقة التّأثير على الفرد ـ الإنسان وعلى مجتمعه في عالمنا المعاصر. وقد تساءلنا في ختام الجزء السّابق: إلى أيّ حدّ، وبعد مرور كلّ هذه القرون منذ بدايات عصر الأنوار الأوروبي، أصبح الـCogito ـ في الأعمّ الأغلب أيضاً ـ فلسفةَ المبالغة في التّفكّر (وما يعنيه ذلك من مبالغة في التّحليل Analyse والحُكم Jugement الذّهنيَّين، مع الاستعانة بالأفكار Idées وبالمفاهيم Concepts).
بيّنّا، في الجزء السّابق، كيف أنّ موجة الذّكاء الاصطناعي الموعودة هي بنظرنا: موجة ذكاء من النّوع الذّهني (أو "التّفكّري"). وهي، في الوقت عينه، موجة ذكاءٍ من النّوع التّقني بامتياز. وقد ناقشنا بعض تبعات التّصنيف المذكور وآثاره، مشدّدين على أهمّيّة ما سوف تجلبه هذه الموجة - أو الثّورة – الموعودة؛ لكن، أيضاً، على خطورة ما اعتبرناه احتمالاً عالياً لغرق إضافيّ للإنسانيّة في قعر ظاهرة الابتعاد عن طرح الأسئلة الأهمّ، لا سيّما منها الوجوديّة الطّابع.
حتّى الآن، وفي الخطوط العريضة والغالبة، تُقدّم إلينا موجة الذّكاء الاصطناعي على أنّها موجةٌ تقنيّةٌ كبرى وجديدة. لست خبيراً تقنيّاً في مجال الذّكاء الاصطناعي طبعاً، ولكنّني أُدرك أنّ الموجة هذه سوف تؤثّر بالتّأكيد على كيفيّة ممارستي لمهنتي، وعلى كيفيّة إدارتي لجوانب كثيرة من حياتي اليوميّة غير المهنيّة أيضاً.