مالك أبو حمدان, Author at 180Post - Page 4 of 8

سلايدر-3.jpg

قد تقتلُ جيوشُ المستعمرين بعضَ الأنفس الجسمانيّة. ولكنّها في الغالب لا تقتلُ إنسانيّتك أو وعيَك بشكل مباشر. وقد تحتلّ جحافلُ جيوشهم بعض الأراضي هنا وهناك، ولكنّها نادراً ما تحتلّ بشكل مباشر: إدراكَك، وآليّةَ تكوينك لرأيك الخاصّ والحرّ.

Artificial-intelligence-AI-cant-turn-it-off-again.jpg

رأينا في ما سبق من هذا المقال، كيف أنّ التّبنّي المتطرّف لـCogito الفيلسوف الفرنسي الكبير رينيه ديكارت ("أنا أفكّر، إذن أنا موجود")، إلى جانب الإطار الفلسفي المرتبط بهذا التّبنّي المتطرّف عينِه، أدّى ويؤدّي في الأغلب: إلى نتائج سلبيّة عميقة التّأثير على الفرد ـ الإنسان وعلى مجتمعه في عالمنا المعاصر. وقد تساءلنا في ختام الجزء السّابق: إلى أيّ حدّ، وبعد مرور كلّ هذه القرون منذ بدايات عصر الأنوار الأوروبي، أصبح الـCogito ـ في الأعمّ الأغلب أيضاً ـ فلسفةَ المبالغة في التّفكّر (وما يعنيه ذلك من مبالغة في التّحليل Analyse والحُكم Jugement الذّهنيَّين، مع الاستعانة بالأفكار Idées وبالمفاهيم Concepts).

AI_labour_day_CM.jpg

بيّنّا، في الجزء السّابق، كيف أنّ موجة الذّكاء الاصطناعي الموعودة هي بنظرنا: موجة ذكاء من النّوع الذّهني (أو "التّفكّري"). وهي، في الوقت عينه، موجة ذكاءٍ من النّوع التّقني بامتياز. وقد ناقشنا بعض تبعات التّصنيف المذكور وآثاره، مشدّدين على أهمّيّة ما سوف تجلبه هذه الموجة - أو الثّورة – الموعودة؛ لكن، أيضاً، على خطورة ما اعتبرناه احتمالاً عالياً لغرق إضافيّ للإنسانيّة في قعر ظاهرة الابتعاد عن طرح الأسئلة الأهمّ، لا سيّما منها الوجوديّة الطّابع.

artificial_intelligence___dino.jpeg

حتّى الآن، وفي الخطوط العريضة والغالبة، تُقدّم إلينا موجة الذّكاء الاصطناعي على أنّها موجةٌ تقنيّةٌ كبرى وجديدة. لست خبيراً تقنيّاً في مجال الذّكاء الاصطناعي طبعاً، ولكنّني أُدرك أنّ الموجة هذه سوف تؤثّر بالتّأكيد على كيفيّة ممارستي لمهنتي، وعلى كيفيّة إدارتي لجوانب كثيرة من حياتي اليوميّة غير المهنيّة أيضاً.

شششش.jpg

ممّا لا شكّ فيه أنّ موقف المطالبين بإصلاح و/أو بتغيير النّظام السّياسي اللّبناني الحالي ـ ولو من خلال مختلف الطّروحات الفيدراليّة واللّامركزيّة ـ هو أكثر واقعيّة، بل وأكثر أخلاقيّة حتّى، من موقف الذين لا يزالون مرابطين خلف هذا النّظام الطّائفي الفاشل.

The_speech_of_Imam_Musa_Sadr_in_the_people_of_Tyre_2.jpg

عندما أتأمّل في التّخبّط والتأزّم اللّذَين يعيشهما النّظام السّياسي والاقتصادي اللّبناني الحالي، بالإضافة إلى الموقع الأساسي - والاشكالي أيضاً، بالنّسبة إلى البعض - الذي تشغله البيئة الشّيعيّة ضمن هذه الأزمة وضمن هذا النّظام: تزدادُ قناعتي، أكثر فأكثر، بعمق وبصحّة وبذكاء الطّرح الذي أتى به الإمام السّيّد موسى الصّدر إلى شيعة لبنان، ومن خلالهم.. إلى جميع اللّبنانيّين.

slider.jpg

رأينا في ما سبقَ من هذا الحديث (بعنوان: "متى نخرجُ من هذه الحياة، ونرتاح؟") أنّ وضع الحياة الدّنيا هذه مذرٍ بلا أدنى شكّ، والشّرّ والظّلم والمعاناة في سدّة الحكم في كلّ مكان.. أقلّه في الظّاهر. الوضعُ في هذا العالم الظّاهر صعبٌ ومُظلمٌ، ولا بُدّ إذن من "الفرار" سريعاً، كما قلنا سابقاً: من الله.. إلى الله! (وهل يُمكن الفرار مِن-هُ إلّا إلي-هِ مولانا؟ وذلك ما سنعود إليه في الأجزاء اللّاحقة إن شاء الله).