فلسفة Archives - 180Post

1-3.jpg

في الجزء السّابق، بدأنا نرى كيف أنّ مُشكلة أساسيّة في ما يخصّ النّظرة السّبينوزيّة العامّة، لا سيّما من زاوية حرّيّة الإرادة أو الإرادة الحُرّة (Free Will): تكمن، ضمنيّاً ربّما، وعمليّاً بالتّأكيد.. في مفهوم سبينوزا حول "الإله" (أو "الكون"، أو "الوجود"). فإله سبينوزا نفسه، في الظّاهر من بعض خطاب الفيلسوف الكبير (لا كلّ خطابه برأيي): هو ذو إرادة خاضعة للضّرورة عمليّاً، أو بالأحرى، هو ذو ارادة خاضعة للقوانين المنطقيّة والعقلانيّة الضّروريّة الطّابع والتي تحدّثنا عنها في ما سبق.

sghdv.jpg

لا شكّ في أنّ فرضيّة الإرادة الحُرّة (Free Will) هي في أحسن الأحوال صعبة التّرجيح و/أو الاثبات منطقيّاً وعقلانّياً وتجريبيّاً[1]. وفي أسوأ الأحوال، إن جاز التّعبير أيضاً، كما رأينا مع سبينوزا: فهي تُشكّل وهماً كبيراً من بين الأوهام التي يرزحُ الإنسان تحت حُكمها منذ بلغَ هذا الحدّ من اكتمال وَعيِه - على الأقلّ - في هذا العالم الظّاهر أمامنا وفي هذه الحياة الدّنيا العجيبة.

983.jpg

رأينا في الجزء السّابق لماذا تؤدّي نظرةُ الفيلسوف البرتغاليّ-الهولنديّ المولود ضمن عائلة يهوديّة، باروخ سبينوزا: كيف تؤدّي نظرةٌ كونيّة كهذه، في المبدأ، إلى استبعاد فرضيّة وجود "إرادة حرّة" أو "خيار حُرّ" (Free Will) لدى الإنسان في حقيقة الأمور.

f.jpg

بالفعل، عندما تتنقّل بين أبواب كتاب بولوريه وبوناسييس الذي بدأنا الحديث حوله في الجزء السّابق: تشعر وكأنّ "الإله" قد قام، وما يزال، منذ ما يقارب النصف قرن بانقلاب حقيقيّ وكبير وعميق، داخل الجامعات والمختبرات ومراكز الأبحاث الخاصّة بالعلوم الطّبيعيّة، ولا سيّما في الدّول الغربيّة.

1c63aa54a40dd29d80ee9f586ae03aa9.jpg

نحن في عام ٢٠٢٤ للميلاد: هل لدينا اليوم، كبشر، أدلّة علميّة – بالمعنى الحديث المتعارف عليه عموماً في هذا الزّمان – على وجود "الإله" (أو على وجود "الله")؟ عندما نقول أدلّة "علميّة"، فذلك لا يتوقّف بطبيعة الحال على البراهين والأدلّة والحجج والقرائن العقلانيّة-المنطقيّة-الفلسفيّة المُعتادة، بل نتحدّث هنا فعلاً وبالذّات عن أدلّة من النّوع الاستقرائيّ-التّجريبيّ أو الأمبيريقيّ (Empirique) كما يُعبَّر عادةً في هذا الزّمان.

slider-6.jpg

في خضمّ الأزمة السّياسيّة والثّقافيّة والهويّاتيّة والاجتماعيّة (والانعزاليّة) الحاليّة.. قد يعتقد البعض أنّ بلداً كفرنسا، وأنّ ثقافةً كالثّقافة الفرنسيّة: لا يمكن أن يكونا قد حافظا على بُعدٍ روحيّ أو "روحانيّ" ذي عُمق أو ذي فعاليّة حقيقيّة في الواقع المُعاش بعد كلّ هذا التّاريخ الظّاهريّ أو المادّيّ أو اللّاييكيّ-العلمانيّ المُبين (إن صحّت هذه التّعابير كلّها وما يشبهها مقصداً، ضمن الاطار العامّ نفسه).

POLLUTION_1.jpg

ليست الحضارة في تطاول البنيان وتعاظم الإستهلاك، ولا هي في إتساع الشوارع وإستضافة المسابقات والمؤتمرات الدولية أو اللهاث وراء الماركات العالمية من مأكل وملبس. ليس ذلك إلا نوعا من سحر الأعين الذي برع به سحرة فرعون ففتنوا عقول الناس بسحر أعينهم حتى لا يكشفوا زيف ما يقدمونه لهم.

think_about_it__trayko_popov.jpg

تخثر الوعي نتيجة تمكّن الاستبداد وانتشار الدين السياسي. صار لدى الناس حالة إنكار، وهي عدم تصديق ما يجري، وعدم اقتناع بأن أمة بهذا التاريخ العظيم يمكن أن تنحدر الى هذا الحضيض، وأن قادة ينزلون أفدح أنواع الظلم والاستبداد بشعوبهم، ويتبجحون بذلك، وأن المجتمع بعد ثورة 2011 قُمِع بما لم يسبق كي يحصل شلل للإرادة الشعبية، بحيث أن الواحد منا ما عاد يُصدّق ما يُقال، ويعتمد على ما هو أهون على المرء، أي الهروب من الواقع دون المشاركة فيه، بل أن ينكره ويمضي في عمله كأن شيئاً لم يكن.

35f094e10ad213250dca2320fb081035.jpg

تسعى هذه المقالة التي تستعيد الحديث عن أصول الفلسفة، إلى إعادة تسليط الإنارة على دور الفينيقيين في الإنتاج الفلسفي إبداعاً في البيئة اليونانية أو نقلاً إليها من بلاد الشرق، وهذا ما يوجب العودة إلى رأس الفلسفة في اليونان، أي طاليس الملطي الفينيقي، وهو أول الحكماء السبعة الذين مهّدوا للنضوج الفلسفي اليوناني المعروف عند الثلاثي الذهبي سقراط وأفلاطون وأرسطو.