هل لإسرائيل مصلحة في إستكشاف لبنان للبلوك 9؟

علي نورعلي نور29/04/2020
طُوي السجال حول نتائج الحفر الإستكشافي في البلوك رقم 4، مع إعلان شركة توتال، رسمياً عدم العثور على مكامن غازية في مكان الحفر. وهكذا، تذهب الأنظار تلقائيّا نحو البلوك رقم 9 جنوباً، ومستقبل عمليّات الإستكشاف فيه، مع كل ما يحيط بمستقبل هذه العمليّات من تساؤلات حول أثر الخلاف الحدودي عليها، وأثر تطوّرات سوق النفط الدوليّة.

البئر الإستكشافيّة الأولى (بيبلوس 16/1) في البلوك رقم 4 جافّة ولا وجود لمكامن غازية، بل مجرد “آثار للغاز”، حسب شركة توتال الفرنسية المشغلة. حاول القيمون على وزارة الطاقة إلزام توتال ببيان مختلف يتحدث عن العثور على “كميات غير تجارية”، لكن الشركة رفضت التدخل في عملها، فكان المؤتمر الأخير لوزير الطاقة والمياه ريمون غجر، بمثابة نهاية للمسلسل، وذلك بعد أيام من التكهّنات والتسريبات والردود التي حفلت بها وسائل الإعلام ومنصات وسائل التواصل الإجتماعي.

في الواقع، لم يكن من المفترض أن تكون النتيجة مفاجئة بالنسبة للعارفين بتفاصيل الملف، فقيمة البئر الإستكشافيّة الأولى في أي منطقة لا تكمن في إحتمال العثور على كميّات تجاريّة من الغاز من المرّة الأولى، خصوصاً أن هذا الإحتمال لا يتجاوز في العادة نسبة الـ30%. فالقيمة الفعليّة لنتائج الحفر التي حصلت، ستكمن فعليّاً في البيانات التي نتجت عن هذه الأعمال، والتي يمكن الإستفادة منها في المستقبل القريب أو البعيد.

مستقبل البلوك رقم 4

عمليّاً، سينتج عن أعمال الحفر التي حصلت، مجموعة كبيرة من البيانات التي يُفترض أن يعمل المهندسون في شركة توتال على تحليلها، وحصرها في تقرير يجب أن يُسلّم خلال مهلة شهرين كحد أقصى لوزارة الطاقة. وبالتوازي مع ذلك، يُفترض أن يُنجز المهندسون عمليّة إقفال البئر، وفقاً للشروط البيئيّة المحددة في العقد الذي وقّعته الدولة اللبنانيّة مع شركة توتال.

أهم ما في المعلومات التي ظهرت حتّى الآن من أعمال الحفر هو تأكيد وجود آثار غازيّة، ولو أنها لا ترقى إلى مستوى مكامن غازية، وهو ما يؤكّد وجود نظام هيدروكربوني كفيل بتكوين الغاز الطبيعي في تلك المنطقة. وبحسب العقود الموقّعة من قبل إئتلاف الشركات الحائزة على رخصة الإستكشاف، سيحق لهذه الشركات مباشرة العمل على آبار إستكشافيّة أخرى، إذا ظهر من تحاليل المعلومات الناتجة عن حفر البئر إستنتاجات واعدة. لكنّ هذه المسألة قد تكون مستبعدة في الوقت الراهن، أو على الأقل يمكن القول أن الشركات ستتشدّد كثيراً قبل إتخاذ قرار من هذا النوع، بالنظر إلى الضغوط الشديدة التي تشهدها ميزانيّات هذه الشركات جرّاء أزمة أسواق النفط الحاصلة اليوم.

وعلى أي حال، من المفترض أن تنتهي الفترة الإستكشافيّة الأولى في شهر أيار/مايو من العام القادم. وإذا إفترضنا السيناريو الأكثر ترجيحاً، أي تغاضي الشركات عن حفر بئر إستكشافيّة أخرى في البلوك رقم 4 حتّى ذلك الوقت، سيحق لهذه الشركات الطلب من الدولة تمديد الترخيص الممنوح لها لمدة سنتين لحفر آبار إستكشافيّة أخرى. وفي هذه الحالة، ستملك الشركات مهلة حتّى أيار/مايو 2023 لإنجاز أعمال الإستكشاف وتسليم البلوك للدولة في حال عدم العثور على كميات تجاريّة من الغاز.

وفي كل الحالات من المفترض أن تكون المعلومات الإستكشافيّة الجديدة ذات أهميّة خاصّة في ما يتعلّق بقرار الشركات بخصوص تمديد فترة الترخيص لاحقاً أو عدمه. وفي حال لم تقم هذه الشركات بالتمديد وإختارت الدولة إعادة عرض البلوك للتلزيم مرّة أخرى، أو في حال إختارت الدولة السير قدماً بدورة التراخيص الثانية للبلوكات المتبقية، سيكون لهذه المعلومات أهميّة خاصّة أيضاً، خصوصاً أنّها تقدّم بيانات مميّزة تخص طبيعة الطبقات الجيولوجيّة للمنطقة في حين تبعد أقرب بئر إستكشافيّة أخرى أكثر من 100 كلم.

بمعزل عن أهميّة ما تحقق من حفر البئر، إتسمت معظم ردود الفعل على نتيجة الفعل بالشعور بالخيبة. ولعلّ ذلك نتج تحديداً من طريقة تعامل السلطة والإعلام سابقاً مع حدث بدء الحفر نفسه، والذي رفع كثيراً من مستوى التوقّعات بشكل غير علمي. فعمليّة إطلاق الحفر، ترافقت مع خطاب لرئيس الجمهوريّة بشّر فيه بدخول لبنان “نادي الدول النفطيّة”، كما زار شخصيّاً برفقة رئيس الوزراء باخرة الإستكشاف، في يوم إنطلاق أعمالها، في مراسم إحتفاليّة نادرة. هذا الأداء، أدّى عمليّاً إلى شعور عام بالخيبة من نتائج عمليّات الحفر.

ثمة تقديرات بأن التحالف سيتريّث قدر الإمكان في بدء عمليّة حفر البئر الإستكشافيّة الأولى في البلوك 9، بتأثير من ظروف أسواق النفط الدوليّة والضغوط التي تركتها على ميزانيّات شركات النفط

البلوك 9: بين الخلاف الحدودي وخطط الشركات

إعتباراً من الآن، تتوجه الأنظار تلقائيّاً إلى البلوك رقم 9، وهو البلوك الثاني الذي جرى تلزيمه لتحالف الشركات نفسه (توتال 40% وإيني 40% ونوفاتيك 20%) في إطار دورة التراخيص الأولى. ثمة تقديرات بأن التحالف سيتريّث قدر الإمكان في بدء عمليّة حفر البئر الإستكشافيّة الأولى في البلوك 9، بتأثير من ظروف أسواق النفط الدوليّة والضغوط التي تركتها على ميزانيّات شركات النفط.

لكنّ هذه الشركات، وبموجب العقود الموقّعة مع الدولة اللبنانيّة، ملزمة بحفر بئر إستكشافيّة واحدة خلال المرحلة الأولى من أعمال الإستكشاف، والتي تنتهي في أيار/مايو 2021. وفي حال عدم حفر هذه البئر قبل هذا الموعد، ستضطر الشركات إلى تحمّل خسارة قيمة الكفالة المصرفيّة التي قدّمتها لنيل الترخيص، والتي تبلغ قيمتها 40 مليون دولار أميركي. وهكذا، ثمّة ما يكفي للإعتقاد بأنّ الشركات، وبرغم إتجاهها لتأجيل البدء بعمليّة الحفر قدر الإمكان، ستقوم في النهاية بحفر البئر الإستكشافيّة الأولى في البلوك 9 بحسب تعهّداتها المنصوص عنها في عقد التلزيم.

إقرأ على موقع 180  مرشَّحو الشعار إلى برلمان العار..!

في هذا الإطار، ثمّة عامل آخر يدخل الخط، ويمكن تحديداً في الخلاف الحدودي بين لبنان وإسرائيل والذي يطال بعض أجزاء هذا البلوك (وإن بنسبة أقل بكثير من البلوك رقم 8). حتّى الآن، لا مؤشّرات توحي بوجود معالجة قريبة لمسألة الخلاف الحدودي، وهو ما يعني إتجاه الشركات للإبتعاد عن التنقيب في الجزء المتنازع عليه من البلوكين 8 و9.

لكن في الوقت نفسه، وبحسب المعطيات المتوفّرة، يبدو أنّ إسرائيل نفسها تملك مصلحة في إجراء أعمال الإستكشاف في الجزء اللبناني غير المتنازع عليه من البلوك 9. عند إجراء هذه الأعمال، يمكن لإسرائيل الإختيار بين التركيز على النزاع المتعلّق بالبلوك رقم 9 بشكل مُلح والضغط لمعالجته وفق مصالحها في حال العثور على كميات تجاريّة من الغاز، أو التريّث ونقل التركيز على الخلاف المتعلّق بالبلوك رقم 8، حيث تصبح المساحة المتنازع عليها أكبر وأقرب إلى مكامن الغاز المستكشفة سابقاً في المياه البحريّة التي تسيطر عليها.

في كل الحالات، من المبكر الجزم بالموعد الدقيق لبدء الشركات بالعمليّات الإستكشافيّة في البلوك رقم 9، لكن من المؤكّد أن هذه العمليات ستحتاج ـ بعد بدئها – وقتا أكثر من عمليّات الإستكشاف التي جرى العمل عليها في البلوك رقم 4. فالبلوك رقم 9 يتميّز بوجود طبقتين جيولوجيّتين، بينما عملت توتال على إختراق طبقة جيولوجيّة واحدة في البلوك رقم 4، وهو ما يعني أنّ عمليّة حفر البئر الإستكشافيّة في البلوك رقم 9 ستأخذ أكثر من شهرين.

أمّا الإشكاليّة الثانية التي قد تطيل مسار عمليّات الإستكشاف في البلوك، فتكمن في تغاضي شركة سبكتروم الإنكليزية سنة 2002 عن مسح أكثر من ثلث البلوك عند إجراء المسوحات الثلاثيّة الأبعاد، دون أن يتضّح حتّى اليوم السبب الذي دفع الشركة للقيام بذلك. وفي حال أراد تحالف الشركات إختيار موقع البئر الإستكشافي بالشكل الأنسب، فسيكون عليه إتمام عمليّة المسح الثلاثي الأبعاد في هذا البلوك.

بمعزل عن كل هذه السيناريوهات، يبقى من الأكيد أن الأسئلة الأكثر حساسيّة ستتعلّق مستقبلاً بالبلوك رقم 8 عند مثلث الحدود البحرية اللبنانية ـ القبرصــية ـ الفلسطينية. هناك، تتسع المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل، وتقترب مواقع الإستكشاف من حقول الغاز المستكشفة في المنطقة الإقتصاديّة الخالصة القبرصيّة والمساحة التي تسيطر عليها إسرائيل. كل هذا يجعل من تلزيم هذا البلوك مسألة ملحّة، خصوصاً مع إحتمال وجود مكامن مشتركة من الغاز. مسار تلزيم البلوك، يرتبط اليوم بدورة التراخيص الثانية، التي ترتبط بدورها بوضع الأسواق العالميّة وشهيّة الشركات البتروليّة للدخول في دورة التراخيص. هذا ما ستجيب عنه التطوّرات على المستوى العالمي، وعلى الأرجح، سنكون أمام إحتمال تأجيل جديد لهذه الدورة في حزيران/يونيو المقبل.

وكانت السلطة السياسية اللبنانية قد انتزعت عبر الموفدين الاميركيين وأولهم فريدريك هوف اعترافا بسيادتها على قرابة  620كلم2 من أصل مساحة ال850 كلم2، وظلت المساحة المتبقية (حوالي 230 كلم 2) هي العالقة في المفاوضات.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  تركيا: باباجان يخلط الاوراق.. ويطيح بـ"القواعد"!