القمة الخليجية: قطر تخترق التحالف الرباعي المتداعي  
Truck drivers have an afternoon coffee as they celebrate the launching of the common Gulf common market in the center of the Saudi capital Riyadh, 01 January 2008. The six oil-rich Gulf monarchies ushered in the new year today by setting up a common market with a combined economy of 715 billion dollars. In addition to allowing the free flow of capital, the common market should give Gulf Cooperation Council (GCC) nationals freedom of movement, residency and employment -- in both the private and public sectors -- in any of the six countries. AFP PHOTO/STR (Photo credit should read -/AFP via Getty Images)

تستضيف مدينة العلا السعودية التاريخية الدورة الـ 41 للقمة الخليجية في الخامس من كانون الثاني/يناير المقبل، وسط مشهد خليجي متنافر ومتوتر بدليل ما حصل في مطار عدن في الساعات الأخيرة، خصوصاً في ظل تعقيدات المشهد اليمني ومفاجآته.

تنعقد القمة الخليجية تحت عنوان “المصالحة الخليجية”، ولمناسبة مرور أربعين عاماً على نشوء مجلس التعاون الخليجي. يسبق الإنعقاد مساع كويتية وأميركية لإنهاء أزمة محاصرة قطر الممتدة منذ منتصف عام 2017 عندما شنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً برياً وبحرياً وجوياً بلا هوادة، ضد الدوحة المتمردة او المتفردة في سياساتها الخارجية، برأي المحاصرين، لا سيما في علاقاتها مع إيران وتركيا وتنظيم الأخوان المسلمين، فضلاً عن الهوامش التي تتمتع بها قناة الجزيرة وعموم الإعلام الممول قطرياً والمزعج لتلك الدول (لا سيما السعودية والإمارات) التي ضاقت ذرعاً بمنصات تقض المضاجع وتقلب المواجع تبعاً لسياسة قطرية أخذت بالتمايز السياسي والاعلامي الحاد منذ انطلاقة “الجزيرة” في أواخر العام 1996 قياساً بالإعلام الخليجي.

وجرت العادة منذ ثلاث سنوات، أنه مع كل موسم للقمة الخليجية، يصار إلى تعميم مناخ إيجابي، وما أن تنتهي القمة، حتى تعود الأمور إلى ما هي عليه، لذلك، لم يكن مفاجئاً أن تتجدد موجة التفاؤل بقرب حل الأزمة الخليجية لكن من دون تسجيل خرق حقيقي يشي بأن قطر ستدخل قفص التدجين المرغوب من التحالف الرباعي المنعقد ضدها. فالدوحة التي تماسكت طيلة ثلاث سنوات ونصف وصدت هجمة “شقيقاتها” عليها، لم تستجب حتى الآن إلا لرغبة سعودية بحوار تنشده الرياض لتلميع صورتها على غير صعيد، بعدما خسر دونالد ترامب انتخابات الولاية الثانية وفاز جو بايدن المقترب سريعاً من تسلم مقاليد البيت الأبيض بسياسات خارجية متمايزة نسبياً عن سلفه. فما كان ممكناً لولي العهد محمد بن سلمان في زمن ترامب ليس أكيداً الإستمرار به مع بايدن، لذا هناك انعطافة قد تتحول الى استدارة، ولا سيما في قضايا حقوق الإنسان (قضية إغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، قضية لجين الهذلول وغيرها من معتقلي الرأي في السعودية، حرب اليمن، إلخ..).

ومن غير المستبعد أن تكون هذه العودة السعودية عن فكرة الحصار متصلة بمحاولة تجميع أوراق خليجية بوجه “عدوين أساسيين” هما إيران و”الإخوان”، وقد أظهر الإلحاح على تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، إستعداد دول الحصار للذهاب إلى أي خيار بمواجهة هذين “العدوين”.

ومن الواضح أن قطر إستفادت من نقطة الضعف السعودية إزاء الإدارة الأميركية الجديدة، ووافقت على فتح قنوات تواصل مع الرياض دون غيرها من باقي دول الحلف الرباعي المعادي (الإمارات والبحرين ومصر). وقال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني “ان الحوار مفتوح مع السعودية فقط”، مع اشارة بالغة الأهمية الى ان السعودية برأي الدوحة “تمثل بقية الأطراف”، ما يعني انها لا تقيم وزناً كبيراً لمطالب القاهرة وابوظبي والمنامة، او انها تجرب ضرب اسفين بين تلك العواصم من جهة والرياض من جهة أخرى. ففي الوقت الذي خفّفت قناة “الجزيرة” نبرتها إزاء السعودية، بقيت على حدتها في الملفات البحرينية والاماراتية وبعض المصرية، ما دفع بوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش الاسبوع الماضي الى القول إن “المنصات الإعلامية القطرية تبدو مصممة على تقويض أي اتفاق لإنهاء الأزمة الخليجية”، مشيرا إلى أنها “ظاهرة غريبة وصعبة التفسير”. وهذا الاتهام أتى غداة إعلان شبكة “الجزيرة” عن تعرض عدد من هواتف صحافييها لاختراق من قبل جهات إقليمية، في اشارة الى دور ما للإمارات بتقنيات اسرائيلية في ذلك الاختراق. وشهدت الايام الاخيرة ايضا اتهامات متبادلة بين المنامة والدوحة على خلفية اختراق مقاتلات جوية بحرينية الأجواء القطرية ومناوشات في المياه الاقليمية المخصصة للصيد بين البلدين، فردت الدوحة بتقرير صادم بثته “الجزيرة” عن مراكز التعذيب البحرينية!

لقطر مصلحة أكيدة في احداث خرق ما خصوصاً مع السعودية لإبعاد محمد بن سلمان عن تأثيرات محمد بن زايد الرافض اي تقارب مع أمير قطر لاعتبارات شخصية أحياناً. ومع مصر هناك مصلحة ايضاً وفق اجندة منسقة مع تركيا التي إنفتحت على السعودية وبدأت تخفف هجومها على السيسي

مصرياً، ترفض القاهرة مبدأ حصر النقاش بين الدوحة والرياض. وقرر الرئيس عبدالفتاح السيسي حضور القمة ليقول كلمته بشكل مباشر من دون وسطاء، لا سيما في ملف الاخوان المسلمين الذي يعتبر وجودياً بالنسبة لمصر وتستمر الدوحة في تجنب الحياد فيه برغم الحملة الخليجية والدولية لشيطنة ذلك التنظيم الاسلامي الذي وان مني بهزائم هنا وهناك لكنه يبقى تحت رعاية تركية وقطرية وربما دولية فاعلة.

على صعيد العلاقات مع ايران، اختلفت معايير المقاربة مع هزيمة دونالد ترامب ووعد جو بايدن بإعادة الحياة المشروطة الى الاتفاق النووي. وهنا سيسقط ما بيد الرياض وحلفائها الى حين تبيان الخيط الأبيض من الأسود في البيت الأبيض. وفي الأثناء، ستبقى الدوحة على علاقتها بطهران التي مدت يد العون للدوحة خلال الأيام الحالكة السواد للحصار. كما ستبقى حتماً على علاقتها بتركيا التي سارعت الى النجدة وأقامت قاعدة عسكرية في قطر.

إقرأ على موقع 180  تقرير يُوثّق جرائم "الهاغناه" و"البلماح" يُنشر بعد 73 عاماً!

وغداة تلقي أمير قطر دعوة من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز (لاحظت مواقع التواصل أن العاهل السعودي لم يستخدم فيها تعبير “أخيه”، وهو التعبير الذي إستخدمه مع باقي القادة المدعوين إلى القمة)، كان لافتاً للإنتباه الإتصال الذي أجراه وزير خارجية قطر بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وذلك غداة الإتصال الذي جرى بين الوزير القطري ونظيره الأميركي مايك بومبيو، وتم ربطه بأمر ما على خط واشنطن ـ طهران. وأكد ظريف، حسب وكالة الأنباء الإيرانية، موقف بلاده “بشأن ضرورة مشاركة جميع دول المنطقة في تأمين الاستقرار والأمن الشامل بعيداً عن تدخلات الأجانب وأي توتر”.

ماذا يبقى من الشروط الـ 13 التي وضعت امام قطر في 2013 لتطويعها والتي تم تكثيفها في 6 مبادئ في 2017 ابرزها الآتي: الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة صورهما ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة لهما؛ إيقاف أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف؛ الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو دعم الكيانات الخارجة عن القانون.

توافق قطر مبدئيا على الحوار العام حول تلك الشروط والمبادئ، لكنها ترفض التدخل في منظومة العلاقات الخارجية التي تعتبرها شأناً سيادياً خالصاً، وترفض مطلب تكميم فاه قناة الجزيرة وغيرها من المطالب التي تغالي في حدتها وتضع قطر عملياً تحت الوصاية السعودية والإماراتية.

في المقابل، لقطر مصلحة أكيدة في احداث خرق ما خصوصاً مع السعودية لإبعاد محمد بن سلمان عن تأثيرات محمد بن زايد الرافض اي تقارب مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لاعتبارات شخصية أحياناً. ومع مصر هناك مصلحة ايضاً وفق اجندة منسقة مع تركيا التي إنفتحت على السعودية وبدأت تخفف هجومها على السيسي، أما البحرين فهي “مجرد تابع للسعودية”، بنظر قطر صاحبة المصلحة بالتبريد مع السعودية لاعتبارات اقتصادية ورغبة منها بانجاح دورة العاب كأس العالم لكرة القدم التي ستقام على ارضها في 2022، فلأجل تلك الاستضافة بذلت الدوحة الغالي والرخيص، ولا بأس بتنازلات مرحلية خليجياً “ريثما يعود الغلاة الى رشدهم”.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  "داعش" يُبدّل معادلاته السورية: حرب إستنزاف طويلة!