ولولا استمرار الاعتداءات شبه اليومية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي، جواً وبحراً، مع تخفيف الهجمات البرية، لأثقالها الباهظة عليه، ولولا اطلالات سماحة السيد حسن نصر الله المتلفزة واستذكاره “الحروب السابقة” وتنبيهه، بل تحذيره من الغفلة والاستكانة إلى ما تحقق من انتصارات..
لولا ذلك لالتهم النظام اللبناني بمغرياته المعيشية وانفتاحه الأوسع مما يجب على الغرب بالعنوان الأميركي- الإسرائيلي، وقائع المعارك الجهادية الباسلة في جبل عامل والضاحية- النوارة وبيروت- الصمود، وسهل البقاع بمدنه وقراه من اليمونة حتى الهرمل، ومن مجدل عنجر حتى حاصبيا، ومن مرجعيون حتى عيترون، ومن بنت جبيل حتى صيدا مروراً بصور الصمود ومعها مخيمات الشهداء- الأحياء من ذرية أهل النكبة العربية في فلسطين.
لولا ذلك كله لما كان الصمود في مواجهة العدو، بأكلافه الثقيلة، ثم المواجهة المشرفة حتى التحرير، ثم المواجهة الأعظم كلفة حتى التحرير الثاني في تموز/يوليو 2006.
لولا ذلك كله لكانت مؤامرات النظام العربي ومناوراته قد التهمت التحرير، بعدما كانت قد أسقطت “الوطن” لتمجد “الكيان” مفترضة أن نموذج الكيان الصهيوني العنصري والفاشي هو الأجدر بالحياة والبقاء في هذه المنطقة التي كاد تآمر أنظمتها عليها يفقدها هويتها الوطنية وانتماءها القومي وكرامة انتمائها إلى أمة كانت من صناع التاريخ طوال عقود.
لكن النظام الذي يريد المواطنين “رعايا لطوائفهم”، كما الإسرائيليين والصهيونية، يحب أن ينسى المقاومة وانتصاراتها ويكاد يعتذر عن رفضها الهزيمة والانصراف إلى ترف العيش بالسمسرة والاندفاع نحو الخليج أصفر وابيض وأخضر وليس من أهمية للهوية وإن كان التفضيل للهوية ذات الخمسين نجمة، أو للهوية ذات النجمتين المتقاطعتين.
إن النظام الذي لا يستلطف التعابير الخشنة كالحرية والتحرير وطرد الاحتلال وإلحاق الهزيمة بجحافله، يتمنى لو أن المقاومة تختصر دورها بحماية “النظام”
وعلى هذا كاد التحرير يتحول إلى “وقف ذري” لأهله، يحب “الآخرون” أن ينسوه حتى لا يضطرهم الإستذكار إلى المشاركة في دفع ضريبته الباهظة، وقد يحرمهم من التفرد في السلطة الشوهاء، أو قد يؤدي إلى مقاومة النظام بقدر مقاومة العدو الإسرائيلي، لأن كليهما عنصري معاد للوطنية والهوية القومية، والتطلع إلى مستقبل أفضل في ظل الحرية والعروبة والوحدة القومية التي تحصن هذه الدول – المِزَق في وجه المطامع الإسرائيلية المعززة بالدعم الأميركي المفتوح وتخاذل أهل النظام العربي المستعد للاستسلام من دون قتال.
إن التحرير مكلف بالدماء، رجالاً ونساءً وأطفالاً، بيوتاً ومكاتب ومستشفيات ومسارح ودور سينما وصحفاً ومحطات تلفزيون وأنماط الثقافة التي تغذي التباهي بالهوية القومية وتاريخ الفتوحات والمكتبات الفريدة في بابها والتي أحرقها المغول أو نهبها الأوروبيون بعد هزيمة العرب وارتدادهم عن الأندلس.
إن النظام الذي لا يستلطف التعابير الخشنة كالحرية والتحرير وطرد الاحتلال وإلحاق الهزيمة بجحافله، يتمنى لو أن المقاومة تختصر دورها بحماية “النظام”، اعتماداً على النظام الإسرائيلي حيث مجلس النواب هو الكنيست، وحيث يبدأ أو يتجلى الإيمان عبر اهتزاز الأجساد أمام جدار المعبد المهدم والمقدس في انتظار إعادة بنائه فوق أجداث الشهداء العرب، أصحاب الأرض والتاريخ ومجد الفتوحات.
إن النظام في لبنان يلتهم التحرير بعد الوطن، ويعيد أهله رعايا لمن غلب!
على أن الواضح أن أبناء الشهداء ومن تبقى من أهلهم، وما جددوا من بيوتهم التي هدمها العدو الإسرائيلي، لن يتخلوا عن هذا الوطن الذي ازداد قداسة بعدما ضم ترابه أجداث أهاليهم وتعطر بدمائهم الطاهرة.
إن الوطن لأهله وبأهله،
والنظام زائل وآخر الشهادات على قرب سقوطه رفضه تحويل الأرض إلى وطن والرعايا إلى شعب وإسرائيل إلى “العدو” كما هي حقيقتها الأولى والأخيرة.