إيجاد رد مناسب على التحدي الجديد يتطلب فهم صفاته الخاصة وسياقه الحالي، بالمقارنة مع تحدي الهجرة من شبه جزيرة سيناء في الماضي وأيضاً تهديدات الإرهاب من لبنان.
تسلل طالبي العمل من سيناء كان جزءاً من منظومة اقتصادية واسعة تضمنت ملايين المهاجرين الأفارقة في مصر وشبكات متشابكة للإتجار بالبشر، عملت من القاهرة، وصولاً إلى سيناء. في فترات الذروة، اجتاز حدود إسرائيل في سيناء آلاف المتسللين شهرياً، ووصلوا إلى عشرات الآلاف في السنة. رد إسرائيل جرى بناؤه بالتدريج، ومن خلال توظيف موارد كبيرة – في إسرائيل، جرى إنشاء عائق “الساعة الرملية” من كرم سالم وحتى إيلات، وشق طرق آمنة، وإقامة منظومة جمع معلومات، وتكثيف حجم القوات لتأمين المنطقة. هذا بالإضافة إلى منشآت للاعتقال، وترتيب قانوني، وإجراءات إبعاد، وموافقة على دخول طالبي اللجوء. في موازاة ذلك، جرى تحسين الاتصال والتنسيق مع الجيش المصري والشرطة والأمن المركزي في غربي الحدود. كل ذلك أدى مع مرور الوقت إلى كبح الظاهرة وتقليصها إلى أحجام ضئيلة. لا يمكن مقارنة حجم التسلل من لبنان واحتمال توسعه بما عرفته حدود سيناء في بداية الألفية، ونقطة الاستهلال للجيش الإسرائيلي في الدفاع عن الحدود الشمالية من خلال العائق، وجمع المعلومات وعدد القوات، أفضل بما لا يقاس بما كان عليه الحال على طول الحدود بين إسرائيل وسيناء، والتي يبلغ طولها نحو 250 كيلومتراً.
الاستنتاج الذي يساوي بين تسلل مهاجر طالب عمل وبين تسلل مخربين خطـأ. تقنياً أي عائق وأي منظومة دفاعية قابلة للاختراق، لكن تزداد الصعوبة العملانية للقيام بذلك من دون الانكشاف كلما كبر حجم التسلل ومدى خطورته، وبالتأكيد خلال الأوقات العادية. من الأسهل اكتشاف مجموعة كبيرة تجتاز الحدود من اكتشاف متسلل واحد. على المستوى العسكري، معقولية حدوث هجوم كبير مفاجىء من جانب حزب الله على إسرائيل، من دون إنذار مسبق، ليست كبيرة. بخلاف طالبي العمل الذين تحركهم اعتبارات شخصية ومصلحة عملية، تخضع عمليات حزب الله لمنطق عسكري استراتيجي، وتأخذ في الاعتبار رداً قوياً من الجيش الإسرائيلي على عمل حربي كهذا. على سبيل المثال، أظهر حزب الله في منتصف نيسان/أبريل قدرته العملانية على قطع السياج الحدودي، لكن في المناسبة عينها أعطى نموذجاً من القيود الاستراتيجية التي يفرضها على نفسه – الامتناع من التسلل إلى أراضي إسرائيل عبر الفتحات التي فتحها.
إشغال القيادة الشمالية وزيادة الجهد العملاني الذي تبذله، هو أمر مفيد لحزب الله، لذا، سيدعم استمرار التسلل، وربما يكون متورطاً فيه نظراً إلى سيطرته المُحكمة على منطقة الحدود مع إسرائيل، ولا يمكن للمتسللين العبور من دون موافقته
لا يمكن الاستخفاف بالتوقعات المحقة لسكان الشمال في ما يتعلق بالأمن والإحساس به، أو إعفاء الجيش الإسرائيلي من تحمّل مسؤولية الدفاع عن سكان إسرائيل وحدودها وسيادتها. كما في حدود سيناء، الرد على التحدي الجديد يفرض تضافر عملية مستقلة في أراضي إسرائيل وجهوداً في الجانب الثاني من الحدود. بخلاف مصر الموقّعة اتفاق سلام مع إسرائيل، لبنان هو دولة عدوة ينشط في أراضيه جيش وطني، وشرطة، وأيضاً قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة (اليونيفيل)، وقوة عسكرية أكثر أهمية – جيش حزب الله الذي يشكل نشاطه على طول الخط الأزرق التحدي الأمني الأساسي لقيادة الشمال.
الرد على تحدي المتسللين سيظل يعتمد على بنية تحتية وعائق حدودي ونشاطات الأمن الجاري لقيادة الشمال، المدعومة بجهد استخباراتي ملموس. بالاستناد إلى تقارير، اعتقل الجيش اللبناني متسللين اجتازوا الخط الأزرق، ربما حتى بعدد أكبر من تقدير الجيش الإسرائيلي، وأحياناً بمساعدة اليونيفيل. القوى الأمنية اللبنانية المسؤولة عن أمن الحدود والسيادة يمكنها بسهولة منع عبور المتسللين قبل وصولهم إلى الخط الأزرق.
بالنسبة إلى حزب الله، هناك من يعتقد أن إحراج إسرائيل، والتوترات بين الجيش وسكان الشمال، وإشغال القيادة الشمالية وزيادة الجهد العملاني الذي تبذله، هو أمر مفيد لحزب الله، لذا، سيدعم استمرار التسلل، وربما يكون متورطاً فيه نظراً إلى سيطرته المُحكمة على منطقة الحدود مع إسرائيل، ولا يمكن للمتسللين العبور من دون موافقته. في المقابل، السودانيون الموجودون من دون مراقبة في مناطق النشاط العملاني لحزب الله على طول الحدود، بما فيها المناطق المغلقة بواسطة نقاط مراقبة تعمل تحت غطاء المنظمة البيئية “أخضر من دون حدود”، يشكلون نقطة ضعف أمنية بالنسبة إلى حزب الله نفسه، لأنهم بعد اجتيازهم الحدود سيتعرضون للتحقيق في إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تحدي التسلل يزيد من اليقظة العملانية للجيش الإسرائيلي، ويساعد في تحديد الخروقات ونقاط الضعف في الدفاع، وكما في الحدود مع مصر، من المتوقع أن يؤدي تدريجياً إلى تعزيز كبير للجيش الإسرائيلي في المنطقة. يجري التعبير عن تصاعُد التوتر العملاني من خلال ازدياد نشاط الطائرات، والقوات، وطلقات إنارة يُشعر بها على جانبي الحدود، وفي ليال كهذه يتبدد الهدوء بالنسبة إلى سكان الشمال وأيضاً القرى الشيعية في الجنوب اللبناني، قاعدة تأييد حزب الله. في موازاة ذلك، تزداد معقولية وقوع حوادث إطلاق نار على الحدود، بما فيها من قوات حزب الله التي تعمل في المنطقة، وعلى رأسها “فرقة الرضوان”. بذلك تزداد مخاطر حدوث تصعيد غير مخطَّط له، وبحسب قادة حزب الله، لا يريدونه.
منع التصعيد هو مصلحة مشتركة للجيش الإسرائيلي وحزب الله، وللجيش اللبناني وقوات اليونيفيل التي يمكن ربط نشاطها بهذا الموضوع، قبل شهرين من تجديد تفويضها في مجلس الأمن. بالنسبة إلى جميع هذه الأطراف، المقصود جهد محدود مع مخاطرة منخفضة يرسم إطار حل محتمل. احتمال رد آخر هو من خلال مساعدة حكومة جنوب السودان، سواء عبر تأثيرها في مواطنيها الموجودين في لبنان، أو من خلال استيعاب طالبي عمل من لبنان.
في خلاصة الأمر، مفتاح الرد على المتسللين يكمن في تحليل واعٍ لخصائص التحدي الفعلي. ما يجري ليس غزواً لعشرات آلاف المتسللين من لبنان أو تسلل مخربين إلى البلد، وبالتأكيد ليس مخططات لهجوم يشنه حزب الله في حال نشوب حرب. بالإضافة إلى الرد العملاني الذي يدخل ضمن مسؤولية الجيش الإسرائيلي، تتحمل القيادة المدنية المسؤولية أيضاً عن حصانة السكان وإحساسهم بالأمن، وتصريحاتها تؤثر، سواء في الجمهور في الداخل، أو في العدو، نحو الأفضل أو الأسوأ.
بالإضافة إلى الرد من جنوبي الخط الأزرق، هناك إمكان لكبح المتسللين شمالي الخط من جانب لبنان، واليونيفيل، وحتى حزب الله، وذلك بمساعدة جهود سياسية وأدوات اقتصادية. في الخلاصة – التي يجب أن يسمعها ويراها لبنان – هي أن مسعى التسلل من لبنان إلى إسرائيل محكوم عليه بالفشل، ولا يحمل في نهايته حكاية نجاح وعمل ورفاه اقتصادي، بل فقط مخاطر ومصاعب ونفقات”. (نقلاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية: http://bit.ly/2uyMBZ1).