انفجار نطنز كان من الضخامة الأمنية والأهمية الاستراتيجية الى درجة كان من الصعب معها تقزيمه والتخفيف من أهميته وخطورته، فالموقع معروف جداً ودوره وأهميته حيويان ودقيقان وأساسيان في المشروع النووي الايراني، فضلاً عن انه لم يكن من الممكن اخفاء الأضرار التي لحقت به لان الخارجي الظاهر منها للأقمار الصناعية يوحي كثيرا بأضرار الداخلي منها. لذلك، بدا من الطبيعي حدوث “تسونامي” من الأسئلة حول هذا التفجير.
منذ اللحظة الاولى، تمحورت الأسئلة حول دور اسرائيل والولايات المتحدة في هذه العملية التخريبية في نطنز. ولا شك ان الحسم في توجيه الاتهام الرسمي علناً، بدا صعباً وربما خطيراً، ربطاً بمندرجاته وارتدادته، بما فيها إحتمال الرد على الفاعل وفي أي توقيت وبأية كيفية وأين سيكون مكان الرد، وبالتالي هل يمكن تحمل كلفة الرد على الرد، أي إحتمال التدحرج والدخول في مواجهة مكشوفة تصل الى حد الحرب، سواء المحدودة منها او الواسعة، وهو ما لا تريده طهران حكماً وكذلك واشنطن وتل أبيب.. حتى الآن.
الاخطر ان انفجار نطنز سبقته ورافقته وتلته سلسلة من الانفجارات والحرائق غير المحصورة في دائرة جغرافية محددة، وفي فترة زمنية لا تتعدى الخمسة عشر يوما، ويمكن سرد بعضها من دون ترتيب زمني او جغرافي:
- الانفجار في منطقة بارتشين العسكرية التي تحوي أنشطة لتصنيع الصواريخ البالستية وقد كشفت الصور الجوية آثاراً تدل على اتساع التفجير وقوة الحريق.
- الانفجار والحريق الضخم في مركز سينا اطهر الطبي في حي تجريش في شمالي طهران وسقط فيه ١٩ قتيلاً.
- انفجار في محطة زرقان في الاهواز نتج عن تسرب غاز الكلورين وتسبب بوقوع جرحى بسبب تنشق الغاز.
- انفجار في منطقة تقع بين طهران وكرج قال مدير الشوؤن العسكرية مسلم عادلي انه نتج عن اعمال حفر للطريق السريع.
- اندلاع النيران في منشأة للطاقة الكهربائية في شيراز انقطعت بسببه الكهرباء.
- انفجار غاز في قبو منزل في طهران.
- إندلاع حريق في مصنع عائم يقع جنوبي ميناء بوشهر أدى إلى إحتراق سبع سفن في الميناء.
ليس الإستهداف الإسرائيلي لإيران جديداً، فقد تم إغتيال عدد كبير من العلماء الإيرانيين العاملين في المشروع النووي. كذلك جرت محاولات للتخريب منذ سنوات عديدة، سواء عن طريق الأمن أو الإختراق السيبراني. الأساس عند الإسرائيليين تأخير مشروع تخصيب اليورانيوم الإيراني إذا كان من الصعب إستهدافه مباشرة.
ومنذ عملية إغتيال الجنرال قاسم سليماني في مطلع هذه السنة، كان لافتاً للإنتباه التركيز الإسرائيلي في أكثر من ساحة يتحرك فيها الإيرانيون على كل ما له علاقة بترسانة الصواريخ الدقيقة (العراق وسوريا واليمن وإيران).
خروج التنافس الخفي بين الجيش والحرس الى العلن وتحوله الى ما يشبه الصراع على الدور والموقع نتيجة تراكم الخلافات منذ بداية الثورة الإيرانية
بكل الأحوال، هذه الانفجارات والحرائق والحوادث لا تأتي من الفراغ. سبقها ورافقها رقص على “صفيح ساخن” لأزمات سياسية داخلية، تحمل في طياتها وقائع لم تكن تحصل في السنوات السابقة، خصوصا وان مسألة خلافة المرشد آية الله علي خامنئي اصبحت مطروحة على نار حامية، وهو نفسه منخرط فيها حتى يكون خليفته على مثاله والاهم ان لا يفتح ملفات بل عليه أن يبقيها على الرف واذا أمكن دفنها فيكون ذلك افضل. وثمة إشارة إلى ان مجتبى علي خامنئي، وبرغم إمساكه بالأمن، لن يكون خليفة والده حتى لا يقال أن الابن ورث ابيه، وهو ما رفضه الامام الخميني، وتحديداً توريث نجله احمد.
وكان لافتاً للإنتباه هذا الصعود المتدرج لإبراهيم رئيسي على رأس السلطة القضائية وإبراز دوره وموقعه، ووصف المجلس التشريعي الحادي عشر بانه “المجلس الاكثر ثورية”، علما انه أشبه ما يكون بمجلس “الحزب الواحد” بعد تمكن المحافظين من ابعاد الاصلاحيين.
في هذا السياق، يمكن رصد خلافات تظهر للعلن في موقعين؛ الاول، ويمكن التقليل من أهميته، بين المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني. ظهر الخلاف الى العلن مع مغادرة روحاني الجامع قبل انتهاء الصلاة التي كان يؤمها خامنئي ثم تفرع عنه الكثير من الأحداث ومنها سجن شقيق روحاني ورفض اجراء مراجعة للأداء المالي للحرس الثوري.
أما الثاني، ويمثل مفاجأة كبيرة، ولا يجوز التقليل من أهميته، فيتمثل في خروج التنافس الخفي بين الجيش والحرس الى العلن وتحوله الى ما يشبه الصراع على الدور والموقع نتيجة تراكم الخلافات منذ بداية الثورة الإيرانية.
ويبدو ان اغراق بارجة الجيش الإيراني “كنّارك” بصاروخ من مدمرة للحرس الثوري في بحر خليج عُمان فتح جرحاً لم يندمل كما يجب. فقد أجرت وكالة “إرنا” مقابلة مع الاميرال حبيب الله سياري الذي كان قائدا للبحرية وعين نائبا لقائد الجيش الإيراني وسرعان ما تم محوها وحتى نفيها، لكن بعد ان كانت قد انتشرت، وأكدها الصحافي مهدي محموديان لتؤكد عمق الخلافات. في المقابلة، قال سياري: نحن (اي الجيش) نفهم السياسة جيداً ونحللها جيداً لكننا لا نتدخل في السياسة لان التسييس ضار للقوات المسلحة (في انتقاد واضح لانخراط الحرس في السياسة). البنية التحتية للجيش متهالكة والافراد لديهم مشاكل معيشية ذلك ان مخصصات الجندي ٢٥٠ الف تومان (اي ما يعادل اقل من ٣١٤ دولارا).
المواجهة الايرانية مع الولايات المتحدة وإسرائيل خرجت من الحالة الرمادية وأصبحت مكشوفة وصارت مزيجاً من الخنق الاقتصادي وعدم الاكتفاء بضرب الأذرع وانما توجيه ضربات إلى رأس النظام وفي العديد من الساحات
إستهداف أمني فاضح لإيران من جهة ومشاكل داخلية من جهة ثانية. لا شك ان الصيف الإيراني سيكون قاسياً جداً لانه يجري على وقع اوجاع كورونا وتفجيرات وحوادث وخلافات داخلية وأزمة إقتصادية متصاعدة ومتراكمة.
يقول يوني بن مناحيم المحلل الإسرائيلي في “مركز القدس للشؤون العامة والسياسة”، إنه ثمة تقديرات في الاستخبارات الأميركية وفي إسرائيل “أن الإيرانيين سيحاولون الرد من دون أن يتركوا أثراً واضحاً، قبل شهر تشرين الثاني/نوفمبر الذي ستجري فيه الانتخابات (الرئاسية) في الولايات المتحدة، فمن الأفضل بالنسبة إليهم الحؤول دون رد أميركي حاد من الرئيس دونالد ترامب، ورد إسرائيلي قوي بدعم أميركي”، ويعرض ما يسميها “سيناريوهات الرد الإيراني المحتمل على الشكل الآتي:
- هجوم سيبراني على منظومات بنى تحتية في إسرائيل.
- هجمات في الخارج ضد أهداف إسرائيلية أو يهودية.
- إطلاق صواريخ على سفارة الولايات المتحدة في بغداد، أو على القواعد العراقية التي تستضيف جنوداً أميركيين.
- إطلاق صواريخ من الأراضي السورية في اتجاه إسرائيل، أو إطلاق مسيّرات مفخخة بواسطة ميليشيات إيرانية، أو بواسطة حزب الله”.
الأكيد أن المواجهة الايرانية مع الولايات المتحدة وإسرائيل خرجت من الحالة الرمادية وأصبحت مكشوفة وصارت مزيجاً من الخنق الاقتصادي وعدم الاكتفاء بضرب الأذرع وانما توجيه ضربات إلى رأس النظام وفي العديد من الساحات. هل ينتظرنا صيف حار أم لا؟ لننتظر ونرَ.