وإذا كانت النقطة الأولى غير خلافية بين طهران والوكالة، فإن القضية التي أثارها الإسرائيليون ستكون محور حوار بين الجانبين الإيراني والدولي، لسببين رئيسيين:
أولاً، تستند الوكالة الدولية في طلبها تفتيش الموقعين الإيرانيين اللذين يقع أحدهما في مدينة شهرضا في محافظة أصفهان والآخر بالقرب من طهران، إلى معلومات استخباراتية مصدرها اسرائيل وليس إلى تحقيقات وأدلة فنية من قبل الوكالة الدولية. لذلك، طالبت طهران وكالة الطاقة بتقديم معلومات أكثر دقة حول الأمور التي تريد البحث عنها، ولكن الوكالة ردّت بأنه لا يمكنها أن تفصح عن أهدافها بشكل واضح لأن جهاز “الموساد” الإسرائيلي هو مصدر هذه المعلومات، ولكنه لن يقدم أية معلومات دقيقة للوكالة، وهذا يعني أن الوكالة ليس لديها ما تقوله في هذا المجال، من خارج السياق الإسرائيلي.
ثانياً، ربما كان هدف اسرائيل هو محاولة التلاعب بالوكالة الدولية ومحاولة دق إسفين في العلاقة بين طهران والوكالة، وما يؤكد هذا المنحى قناعة المسؤولين الإيرانيين أن إسرائيل تعرف أنه لا وجود لأية نشاطات نووية ايرانية داخل هذين الموقعين، ولكنها وبالتعاون مع أمريكا، تفرض ضغوطاً على الوكالة الدولية من أجل تفتيش هذين الموقعين، وذلك بهدف الحصول على معلومات حول برنامج ايران الصاروخي أو المنظومة الدفاعية الايرانية. بمعنى آخر يحاول الأميركيون والإسرائيليون إستخدام الوكالة الدولية بهدف التجسس على البرنامج العسكري الايراني.
لهذين السببين، أعلنت ايران سابقاً أنها لن توافق على أي موقف أو طلب من قبل الوكالة الدولية إذا كان هذا الطلب يستند إلى مصادر أمنية واستخباراتية معادية كأجهزة الاستخبارات الأمريكية والاسرائيلية.
هل يعني ذلك أن فرصة زيارة (تفتيش) الموقعين من قبل المفتشين الدوليين واردة في ظل معطيات مختلفة؟
نعم هذا الإحتمال موجود وقابل للتحقيق، لكن شرط أن تتعهد الوكالة الدولية أنها لن تستند مرة أخرى في خطواتها على أية تقارير إستخباراتية أمريكية أو اسرائيلية وأنها لن تعتمد بالضرورة على هكذا تقارير في تقييم البرنامج النووي الإيراني مستقبلاً.
يعكس هذا الموقف الإيراني، رغبة طهران بإبقاء أبواب التعاون والتنسيق مفتوحة بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا سيما في ضوء الموقف الأوروبي والروسي والصيني السلبي إزاء الطلب الأمريكي المتعلق بتفعيل آلية الزناد في الإتفاق النووي وكذلك موقف هذا الثلاثي الدولي في ما يتعلق بطلب أمريكا تمديد حظر السلاح على ايران في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وهذان الموقفان يصبان في مصلحة ايران ويجعلها أكثر متشجعة على التعاون مع الوكالة الدولية، بدعم وتشجيع روسي واضح في هذا المجال.
هل يمكن أن تتطرق المباحثات إلى الإنفجار في موقع نطنز النووي؟
رسمياً، أعلنت ايران أن الإنفجار الذي وقع في منشأة نطنز ناتج عن عملية تخريبية، ولكنها لم تكشف كيفية تنفيذ التفجير ولا هوية الجهة المنفذة، ولكن المصادر غير الرسمية في إيران تقول إن الإنفجار “ناتج عن زرع قنبلة قوية وشديدة الإنفجار وذلك خارج الأراضي الايرانية”. كيف حصل ذلك؟ تجيب المصادر أن ايران ومن أجل إجراء الفحوص الفنية على أجهزة الطرد المركزي المتطورة IR6 وIR8 استوردت أجهزة مخصصة لهذا الغرض من الخارج، وقد تم زرع القنبلة داخل هذه الأجهزة.
لمن توجه طهران أصابع الإتهام؟
تجيب المصادر غير الرسمية أن أصابع الإتهام موجهة إلى أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية وبالتعاون مع جواسيس ايرانيين على الأرض الإيرانية ممن شاركوا في العملية.
وماذا عن رفع المحافظين الإيرانيين سقف مطالب إيران أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟
من الملاحظ أنه بالتزامن مع زيارة رافائيل غروسي، ارتفعت أصوات في الداخل الايراني تطالب الحكومة الايرانية بتعديل وتغيير نمط تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فقد عرضت وكالة أنباء “تسنيم” المقربة من الحرس الثوري نموذجاً من هذه الأصوات، إذ أنها إقترحت على حكومة الرئيس حسن روحاني أن ترد على تبني الوكالة الدولية للطاقة معلومات تجسسية مصدرها الإستخبارات الأمريكية والاسرائيلية، بإلغاء عمليات تفتيش يقوم بها مفتشو الوكالة الدولية أثناء زيارة غروسي إلى طهران، كما طالبت الحكومة أيضاً بتعطيل بعض كاميرات المراقبة التي تم نصبها في المواقع النووية الايرانية، وذلك بهدف إثبات صمود ايران ليس في مواجهة الوكالة أولاً وأمريكا واسرائيل ثانياً، لا سيما وأن ما تقوم به الوكالة غير قانوني ولا يمت بصلة إلى روحية الإتفاق النووي.
هل يمكن أن تقبل حكومة روحاني باقتراح المحافظين؟
من الواضح أن ايران تحيك بدقة متناهية سجادة حرير موقفها في هذه اللحظة، بغية عدم حدوث أية دعسة ناقصة بالمعنى الفني والاستراتيجي، وفي الوقت نفسه، عدم تقديم أية أوراق سياسية مجانية لإدارة الرئيس دونالد ترامب يمكن أن يستثمرها في الإنتخابات الأمريكية في الثالث من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
من جهة أخرى، تريد ايران الحفاظ على الإجماع السياسي الروسي والصيني والأوروبي ولدى باقي الدول الأعضاء في مجلس الأمن ضد المشروع الأمريكي، لا سيما وأن هذا الإجماع أثمر حتى الآن عن هزيمتين لأمريكا؛ الأولى، في رفض مشروع تمديد حظر السلاح على ايران، والثاني، في رفض الطلب الأمريكي بتفعيل آلية الزناد في الإتفاق النووي.
ما الذي يمكن أن تجيزه إيران للوكالة الدولية في هذه اللحظة؟
في حال موافقة الوكالة الدولية على التعهد بعدم الإعتماد مرة ثانية على تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، يمكن لإيران أن تسمح للمفتشين في الوكالة الدولية بتفتيش هذين الموقعين وإثبات أنهما ليسا كما تدعي أمريكا واسرائيل، وهذا الإحتمال يبدو الأقرب إلى التحقق ومن شأنه أن يمنح ايران نقطة قوة في تعاملها المستقبلي مع الوكالة الدولية وفي إستثمار المناخ الدولي المتضامن مع إيران في مجلس الأمن الدولي. ونقلت قناة “العالم” ليل اليوم (الإثنين) عن المتحدث بإسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي قوله إن إيران وفرت إمكانية وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواقع المزعومة “من أجل سد الطريق على أي استغلال من جانب الأعداء”.
وطالما أن رافائيل غروسي يزور طهران بدعوة رسمية إيرانية، فإن الحكومة الإيرانية معروفة بحسن ضيافتها، كما الشعب الإيراني، ولذلك، سترحب بضيفها الدولي ولن تتعمد رش الرماد في عيونه. يقود ذلك للإستنتاج أن الأصوات المتشددة لن تحقق مطالبها والحكومة الايرانية لن تستجيب لها.