قبيل وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، كانت إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، قد أبلغت مسؤولين إسرائيليين أنها بدأت اتصالات سريّة وهادئة مع مسؤولين إيرانيين للعودة إلى الاتفاق النووي، بحسب ما ذكر المراسل الأمني للقناة 12 نير دفوري. وهو الأمر الذي كان قد أشار إليه في وقت سابق أيضاً موقع “واللا” الإسرائيلي، ولو أنه تحدث عن مفاوضات غير مباشرة. تزامنت التسريبات مع وجود رئيس الموساد يوسي كوهين، في العاصمة الأميركية، واشنطن، في نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي حيث التقى مسؤولين في إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، وأبرزهم وزير الخارجية مايك بومبيو. وتنصّ الأعراف الدبلوماسية على ألا يجري كوهين مباحثات مع الإدارة المنتخبة حديثًا قبل تسلّمها الحكم رسميًا، إلا أن القناة 12 ذكرت أن كوهين أجرى مباحثات مع الطاقم الأمني لبايدن.
وتزامن ذلك أيضاً مع تشكيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طاقمًا لبلورة الإستراتيجية الإسرائيلية في المحادثات الأولية مع إدارة بايدن حول البرنامج النووي الإيراني.
ونقل موقع “واللا” الإلكتروني، عن مسؤولين في مكتب نتنياهو قولهم إن الطاقم سيشمل مندوبين عن مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الأمن والجيش الإسرائيلي والموساد ولجنة الطاقة الذرية.
ويرغب نتنياهو بتعيين مسؤولٍ رفيعٍ من قبله ليرأس الطاقم ويكون مبعوثا خاصا إلى المحادثات مع الإدارة الأميركية الجديدة قبل عودة الولايات المحتملة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
ويرجّح خبراء أمنيون أن يعيّن نتنياهو رئيس الموساد يوسي كوهين، الذي تنتهي ولايته في حزيران/يونيو المقبل، رئيسًا لهذا الطاقم، أو السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر، وهو أحد أكثر المستشارين المقربين لنتنياهو، ولا سيما بعد إنتهاء مهامه وعودته إلى تل أبيب حيث حلّ محله جلعاد اردان مسؤول البعثة الإسرائيلية في الأمم المتحدة.
والجدير ذكره أن بايدن لم يسم حتى الآن سفيراً له في إسرائيل محل ديفيد فريدمان الذي إنتهت ولايته في 20 الجاري، في ظل تقديرات بتسمية دان شابيرو سفير الولايات المتحدة السابق في تل أبيب في عهد باراك أوباما أو شخصية يهودية أميركية بمواصفاته.
ويقول مستشارون لنتنياهو إنهم “قلقون” من أن طاقم مستشاري بايدن في سياسة الخارجية والأمن مؤلف من “مستشاري الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما”، وأن قسما منهم هم مهندسو الاتفاق النووي. وقال نتنياهو خلال استقباله وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين (في عهد ترامب)، مطلع شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، إن العودة إلى الاتفاق النووي سيؤدي إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، “وهذا كابوس وغباء ويحظر أن يحدث”.
تخلص “جيروزاليم بوست” إلى أنه إذا استمرت إدارة بايدن في إبرام صفقة مع إيران، وهو أمر خارج عن سيطرة كوهين، فإن مدير الموساد “سيواصل بذل قصارى جهده لحماية إسرائيل ويطرح أفكارًا بناءة لاستخدام كل أداة تحت تصرفه
وبالنظر إلى العودة المرتقبة لإدارة جو بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران، هل نجح رئيس الموساد يوسي كوهين في تحقيق هدفه الخاص بوقف البرنامج النووي الإيراني؟
هذا السؤال طرحه ونا جيريمي بوب، محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، وهذه بعض إجابته.
يرى جهاز الموساد أن التحدي الذي يواجه يوسي كوهين هو تقديم الأدلة إلى إدارة بايدن من أجل جعلها تستوعب المعلومات الاستخباراتية الجديدة التي انتزعتها إسرائيل من تحت أنظار إيران في كانون الثاني/ يناير 2018، والتي لم يرها مسؤولو عهد باراك أوباما في 2015- 2016.
لكن هل ستتغير آراء المسؤولين الأميركيين الجدد بمجرد أن يروا كل المعلومات الاستخبارية الأولية حول الأسلحة النووية ومواقع التجارب النووية تحت الأرض؟
إن سماع التقارير الإخبارية الأخيرة حول تخصيب إيران لليورانيوم إلى مستوى 20% شيء، والحصول على تفاصيل دقيقة حول مدى قربهم من سلاح نووي، كما سيوفر لهم الموساد، شيء آخر تمامًا.
وعلى الرغم من وجود مخاوف كبيرة بشأن قفزة إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، إلا أن النبرة الإسرائيلية لم تصل بعد إلى مستوى الحاجة للاستعداد إلى ضربة استباقية.
كل الأنظار متجهة إلى إيران حول ما إذا كانت ستنفذ تهديدًا محتملاً في شباط/ فبراير بتقليص تعاونها مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي سينهي الرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني.
يُنسب إلى كوهين إدارته الاستيلاء الأسطوري على الملفات النووية السرية لإيران في كانون الثاني/ يناير 2018 من منطقة شيروباد، في قلب طهران نفسها، وهي المهمة التي إحتاجت إلى حوالي السنتين من التحضيرات.
ووفقًا لمصادر أجنبية، لصحيفة “جيروزاليم بوست”، كان الموساد أيضًا وراء اغتيال رئيس البرنامج النووي العسكري الإيراني محسن فخري زاده (حل محله قائد إيراني كبير يدعى فرحي من برنامج الفضاء) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، وتخريب منشأة نطنز في تموز/ يوليو 2020، بمساعدة الولايات المتحدة. وثمة جوانب استخبارية مختلفة لاغتيال الجنرال في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير 2020.
وقال مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون وخبراء نوويون للصحيفة إن انفجار نطنز في تموز/ يوليو 2020 أدى إلى انتكاس تطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة للجمهورية الإسلامية لمدة عام إلى عامين.
بالمقابل، كانت للإيرانيين موجتان مضادتان:
من أيار/ مايو 2019 إلى كانون الثاني/ يناير 2020، نفذت إيران مجموعة متنوعة من الانتهاكات للاتفاق النووي. والأهم من ذلك، أنها بدأت في بناء مخزونها من اليورانيوم المخصب لدرجة أنه – إذا تم تخصيبه إلى مستويات عالية ومُسلحة – يمكنها تطوير العديد من الأسلحة النووية.
بدا أن الموجة الثانية كانت ردًا على تدمير منشأة نطنز ومقتل فخري زاده.
ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بدأت إيران ببناء بديل لمنشأة نطنز القديمة، لكن هذه المرة تحت الأرض، مما يجعل الهجوم أكثر صعوبة.
في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أمر علي خامنئي بتخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20%، مما جعل البرنامج أقرب بكثير إلى المستوى الذي يمكن عنده تسليحها.
تضيف “جيروزاليم بوست”، أنه بعد كل ذلك، لا بد من العودة إلى سؤال المليون دولار حول ما إذا كان بايدن سوف:
1) ينضم إلى الاتفاق النووي من دون ملء ما تعتبره إسرائيل ثقوبًا خطيرة، 2) ملء بعض الثغرات، ولكن ليس كلها، 3) خيار جديد. التعامل الذي يملأ الثقوب.
وتقول مصادر أمنية إسرائيلية إن المضمون العسكري والاستثمارات الهائلة في البرنامج توضح أن إيران تسعى بالفعل لامتلاك أسلحة نووية لتعزيز الطموحات الأيديولوجية والهيمنة.
في ضوء ذلك، تقول المصادر الأمنية الإسرائيلية بوجود طريقتين فقط لوقف إيران:
الأولى، أن يتوحد العالم كله من دون استثناء، ويستخدم الإكراه الدبلوماسي والاقتصادي لإجبار طهران على إنهاء برنامجها.
الثانية، كما يقولون، هي استخدام القوة ضد المواقع والقدرات النووية العسكرية الإيرانية.
وبمجرد أن الاتفاق النووي “لم يمنع إيران من التقدم في مجال الصواريخ الباليستية وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة، ولم ينه إرهابها في المنطقة”، قالت المصادر الإسرائيلية إن كوهين ونتنياهو يعتقدان أنه لا يوجد خيار متبقي سوى قتال طهران. القوة من جانب واحد. لذلك قررا فعل ذلك بالضبط.
لقد فعل الموساد في عهد يوسي كوهين أكثر بكثير من مجرد الضغط على إيران لبضع سنوات حتى ظهر بايدن في الصورة. وعلى الرغم من قفزة إيران الأخيرة بالوصول إلى نسبة تخصيب لليورانيوم تقدر بنسبة 20%، فإن العمليات التي نُفِّذت منذ رئاسة كوهين للموساد ستُحد من قدرة إيران على التحول إلى امتلاك سلاح نووي على الأقل في المراحل الأولى من إدارة بايدن. وقد تقنع المعلومات الاستخباراتية الجديدة التي جُمعت المسؤولين الأميركيين الجدد بتبني مواقف أكثر تشددًا.
تخلص “جيروزاليم بوست” إلى أنه إذا استمرت إدارة بايدن في إبرام صفقة مع إيران، وهو أمر خارج عن سيطرة كوهين، فإن مدير الموساد “سيواصل بذل قصارى جهده لحماية إسرائيل ويطرح أفكارًا بناءة لاستخدام كل أداة تحت تصرفه” (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، مركز الناطور، ساسة بوست، عرب 48، عربي 21).