في الشطر الأول، ثمة شعور بالحبور تغلغل في طبقات وعينا السياسي الرافض لمواقف الإدارة الأميركية السياسية تاريخياً، وخاصة في مسألة الصراع العربي- الإسرائيلي (ما بقي من العرب). شعور إختلط بالحيرة بين الشماتة والابتهاج إزاء ما تناقلته مباشرة كاميرات التلفزة.. كنا أمام فيلم هوليوودي حقيقي هذه المرة وليس من صنع مخيلات عباقرة صُنعة السينما الأميركية التي لطالما كانت عنصر إبهار عالمي لأجيال عديدة.
ولأن رقائق الذاكرة في طبقات أدمغتنا مليئة بالنفور من ذاك الانحياز الأميركي ضد قضايانا، لا بل من استعمارهم الفعلي لأعمارنا ولقمة عيشنا، ولأحلامنا ولمستقبلنا الماضي تباعاً (والمتمادي)، فقد لامست أجواء الانشراح بضع ساعات من سهرنا في تلك اللحظات. ليس خافياً ولا مخفياً هذا الشعور. كيف لا، والأمر يتعلق باقتحام “كعبة” الديموقراطية الأميركية!
تحملقت عيوننا على مداها، وتصاعدت الضحكات الماكرة في نفوسنا، ولهجت الصدور بالأمنيات بأن يكون لذاك المشهد تتمة من حلقات يحملها إلينا مسلسل أميركي.. من بطولة أميركيين وعلى أرضهم!
هكذا مسلسلات لطالما خبرناها بأسلحتهم على أرضنا، وبأجساد بني أقوامنا في النسب وفي الخلق، وليس فقط على شاشات تصارع فيها “الشريف” والسارق، كما في أدبياتهم التصويرية تلك التي أنتجوها وأخرجوها وقدموها إلى شعوب العالم بكل رسولية كاذبة!
في الشطر الثاني، ثمة اعتراف أخلاقي تفرضه أدبياتنا وأخلاقياتنا السياسية أيضاً، ويتعلق بتلك المسؤولية المترفعة التي مارستها الطبقة السياسية الأميركية القائمة على حزبين متصارعين تواجها في انتخابات حادة وشرسة إلى حدود الانقسام المجتمعي العميق. لكن في لحظة المساس بـ”قدسية” مبادئهم وقيمهم، رأيناهم ينحازون إلى أميركا أولاً. إلى وطنهم. مصالحهم. وقيمهم. رموا تناقضاتهم جانباً وركّزوا على لملمة شارعهم وجرحهم السياسي. لم ينساقوا خلف اتهامات واتهامات مضادة، ولم يفسحوا المجال للطارئ من ذاك الاقتحام وجنون رئيسه أن يوقف عجلة سير مؤسسات الدولة. طبقة سياسية أميركية قدّمت بكل جرأة نموذجاً في “المسؤولية”، والالتزام بـ”الوطنية”، وبإعطاء دروس في كيفية إعلاء شأن الوطن والدولة والمجتمع على شؤون وأنانيات ذاتية أتقنها ويتقنها كثر – للأسف – من مسؤولين تبؤوا رئاسات وأزقة في أوطان/نا وصادروها لحساباتهم الشخصية، وتاجروا بالغث من الألفاظ المغشوشة عن حب الأوطان والشعوب، فكنا وما نزال ندفع أثمانها يومياً.
أما في الشطر الثالث، فثمة قراءة واقعية ومن خلال وعينا السياسي أيضاً، ومفادها أن شواهد مصائر الدول القوية، والمجتمعات القائمة على زيف الحضارة غير المتجذرة في بنية تلك المجتمعات، لا بد قائمة على هشاشة.. هشاشة ستطفو مظاهرها إن آجلاً أو..
في لحظة الاقتحام تلك تعاكست المرايا، وتشظّت صورها إلى أمكنة بعيدة، ما يُنبئ بأفلام وأوسكارات.. وقطع تذاكر بلا رجعة.