حتى لحظة كتابة هذه السّطور، لا دواء (لا نتكلّم عن اللقاحات) يعالج فيروس كورونا المستجد ويقضي عليه، بل هناك ما يُعرف بالبروتوكول العلاجي، أي مجموعة من الأدوية القديمة والمعروفة التأثير التي تُعطى للمريض، حسب العوارض التي يعانيها.
وكلّ دولة على هذا الكوكب، تحتكم إلى جهة صحيّة عليا تقرّر ماهية العلاج وطريقة إعطائه وكميته، سواء كانت هذه الجهة وزارة صحة أو هيئات علمية أو لجنة طوارئ، وذلك بناءً على تجارب خاصة أو دراسات عالمية، ويكون رأي هذه الجهة ملزمًا لكلّ من يمارس مهنة الطب على أراضي هذه الدولة، فلا يمكن عندها تجاوز هذه المحدّدات لأنّ أي خطأ يحمّل صاحبه مسؤولية حياة أو موت.
ولما كانت البشرية تعاني منذ حوالي السّنة من فيروس كورونا المستجد، ظهرت العديد من البروتوكولات العلاجية التي اعتمدت بعد التجربة على شرائح معتبرة من الناس، إلّا في لبنان. بقيت هذه الأمور عندنا متروكة للأهواء فلا بروتوكول علاجياً واحداً مُلزماً، بل نرى الناس تركض نحو الصيدليات كلّما تكلّم أحدهم عن دواء فعال للحماية من الفيروس. ففي بداية الأزمة، خزّنت الناس “الهيدروكسي كلوروكوين” في بيوتها، في حال الإصابة تأخذه، فتبيّن لاحقًا أنّ هذا الدواء تحديدًا قد يؤدي للوفاة بمضاعفات لا علاقة للفيروس بها.
فوضى لبنان
في ما بعد، تصاعدت نغمة جديدة. “الريمديسيفير” (Remdesivir) هو العلاج السحري، فتبناه بعض الأطباء وكذا فعلت وزارة الصحة التي بدلًا من القيام بدور توعوي صارت تنظّم طريقة توزيعه (عبر الوكيل حصرًا) وعلى عكس “الهيدروكسي كلوروكوين”، كان هذا الدواء باهظ الثمن، وتسبّب كذلك ببعض الوفيات إلى أن أثبتت الدراسات عدم فعاليته ضد فيروس كورونا المستجد.
ثمّ أفردت إحدى القنوات التلفزيونية حلقة مطوّلة عن تركيية “الإيفرمكتين” (Ivermectin) مستضيفة أطباء وعاملين في الشأن البحثي الصحي للتكلم عن “الخرق الكبير” في علاج المصابين بفيروس كورونا بهذا الدواء، وهو دواء قديم للطفيليات وافقت وكالة الأدوية الأميركية على تجربته مخبريًا، لا بشريًا، فأثبت أنّه يستطيع إيقاف تكاثر الفيروس داخل الخلايا، وهو ما يزال حتى الآن تحت التجربة في العديد من الدول ولم يرخص استعماله حتى في لبنان، وللمفارقة يصرّح العديد من الأطباء أنّهم يجرّبونه على المرضى، وهذا يعود لأمر واحد وهو غياب البروتوكول العلاجي المفروض من قبل وزارة الصحة. وبكلّ الأحوال، هذا الدواء لم يكن موجودًا قبل هذه الجائحة في لبنان بشكل رسمي ولكنّه يدخل الآن من كلّ حدب وصوب قبل ترخيصه حتى.
لا علاج للفيروس حاليًا، ووظيفة الأدوية هي التخفيف من العوارض، وهنا يجب الفصل بين الأدوية العادية المساعدة على التخفيف من الآلام كخافضات الحرارة أو المسكنات مثلًا والمضادات الحيوية التي تتوجه بشكل واحد نحو البكتيريا ولا أثر لها أبدًا على الفيروسات بكلّ أنواعها
المضاد الحيوي وسوء الاستخدام
أمّا اليوم، فلا شيء سوى الصراخ من عداد الإصابات دون أن نتصرف على أنّنا في حالة طوارئ فعليّة، فلا إرشادات توجه للمواطنين ولا كلام مسؤولا ً يطمئنهم أقله بالإمتثال إلى الإجراء البسيط المتمثل بلبس الكمامة فقط. الإصابات كثيرة، نعم كثيرة نتيجة لتفلتنا، ولكن هذا لا يستوجب أن يشعر المصاب بالفيروس بالخوف إلى حدّ الهلع وطلب كل أنواع الوصفات والإستشارات الطبية.
90% من الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد لا تشعر بعوارض تذكر بعد الإصابة، ومن يعاني يمكن أن يعالج منزليًا من دون التوجه إلى المستشفى والتسبب بالضغط على الأطقم الطبية والتمريضية، فإن شعرنا بآلام في الرأس وإن كانت حادة، أو حرارة عالية أو سعال، فهذا لا يستدعي لا الانتقال من المنزل ولا طلب العلاجات الدوائية التي قد تضر بالجسم مستقبلًا. عليك أن تلتزم منزلك وأن تحجر نفسك تحسباً لإنتقال العدوى لمن هم معك. إذا كنت تسكن وحدك، يمكنك أن تنظم أمورك بنفسك إلا في حال شعرت بعوارض معينة (إرتفاع حرارة دائم أو ضيق تنفس) تستدعي مراجعة الطبيب المختص.
بالأساس، وكما أسلفنا سابقًا، لا علاج للفيروس حاليًا، ووظيفة الأدوية هي التخفيف من العوارض، وهنا يجب الفصل بين الأدوية العادية المساعدة على التخفيف من الآلام كخافضات الحرارة أو المسكنات مثلًا والمضادات الحيوية التي تتوجه بشكل واحد نحو البكتيريا ولا أثر لها أبدًا على الفيروسات بكلّ أنواعها، مع الإشارة إلى أن أخذها، في حال عدم وجود عدوى بكتيرية، إنما يؤدي إلى سلبيات لا تحمد عقباها، فهي ستسبب بظهور سلالات بكتيرية جديدة أشد في أجسامنا.
وهنا لا بدّ من التأكيد أنّ وصف الأطباء للمضادات الحيوية في حال وجود عدوى فيروسية هدفه مساعدة الجسم في المعركة ضد العدوى البكتيرية الجانبية التي تكون أخطر عليه في حال كان منشغلًا بقتال فيروس ما، وهم ـ أي الأطباء ـ لا يصفون المضادات الحيوية إلّا إذا دلّت العوارض على تطور بكتيري، ذلك أن مرضى فيروس كورونا المستجد الذين يأخذون دواء يحتوي مادة “الأزيتروميسين” (azithromycin) بوصفة طبية تكون البكتيريا في الشعب الهوائية قد تكاثرت وفتحت جبهة أخرى مع خلايا المناعة، أما الفيروس فلا شغل للمضاد الحيوي معه أبدًا.
بالتالي، أي مريض سواء أكان مصابًا بفيروس كورونا أو غيره من الفيروسات التنفسية، وهي كثيرة، لا يجب أن يأخذ بأيّ حال من الأحوال مضادًا حيويًا لأنّ المردود لاحقًا سيكون سلبيًا للغاية. معظمنا يعلم أنه قبل الجائحة التي نعيش اليوم، كان الهمّ الأكبر للجهات الصحيّة في العالم هو تخفيف سوء إستخدام المضادات الحيوية لأنّها تؤدّي إلى ظهور سلالات بكتيرية أشدّ خطورة من الموجودة حاليًا ولا تنفع الأدوية معها، وتُعرف بالـ”سوبر بكتيريا”.
الأهم هو أن نتسلح بالكمامة، وهي السلاح الأمضى والأفعل في مواجهة هذا الفيروس الذي لن يغادرنا في المدى الزمني القريب
أصبت، كيف سأتصرف؟
وعليه، فأيّ مريض اليوم في لبنان يشعر بعوارض من صداع، التهاب في الحلق، حرارة، آلام في الأطراف، عليه أن يتصرّف على أنّه مصاب بفيروس كورونا حتى يثبت العكس، برغم أنّ ما ذكر من عوارض تتشابه بشكل كبير مع عوارض الرشح الموسمي، وما يجب فعله هو الآتي:
- عدم التوجه نحو المستشفيات والمراكز الطبية، فهذه الأماكن الآن قد تنقل العدوى للأصحاء بسبب كثافة طالبي الدخول إليها.
- أن يحجر نفسه كي لا ينقل العدوى لغيره، إلى حين تحديد ما إذا كانت الإصابة بفيروس كورونا أو سواه.
- أن يدرك تمامًا أنّ الفيروس لا يتسبب بالوفاة بنسبة عالية، فنسبة النجاة تصل إلى 99%، ولكن الخوف هو من نقل العدوى مجتمعيًا لمن هم أضعف (أمراض مزمنة، كبار السن إلخ).
- عدم أخذ الأدوية من دون استشارة الطبيب أو الصيدلي، وخاصة منها المضادات الحيوية.
- الحفاظ على معنويات عالية، والتيقن أنّ هذا الوقت سيمضي، فالضرر النفسي أشدّ وأمضى وكثرة التفكير بالاختناق قد تؤدي إلى نوبات قلق لا داعي لها أبدًا.
- البقاء على تواصل مع الطبيب المختص، وفي حال طرأ أي تطور تؤخذ النصيحة منه.
في النهاية، تبقى النقطة الأهم عند وقوع أي مشكلة هي عدم الهلع، والتفكير بعقل بارد كيف يجب التصرف من دون خوف والتعامل مع الجميع على أنّهم مصابون وبالتالي الحفاظ على المسافة الآمنة.. والأهم هو أن نتسلح بالكمامة، وهي السلاح الأمضى والأفعل في مواجهة هذا الفيروس الذي لن يغادرنا في المدى الزمني القريب.