“هآرتس”: في عالم الغاز.. لا يلعب الأغبياء!

Avatar18014/01/2021
في تقرير موسع، نشرته "هآرتس، يتطرق الكاتب الإسرائيلي آفي برئيلي إلى قضية التحكم بأسواق الغاز في الدولة العبرية، ملمحاً إلى محاولات واضحة للتحكم بالأسواق في ظل الإفتقاد إلى إستراتيجية واضحة في التعامل مع هذا الملف، بخلاف الإنطباع السائد في لبنان والعالم العربي. ماذا تضمن مقال برئيلي؟

“قبل ثلاثة اشهر، اجرت حكومة اسرائيل وجمهورها التعارف الاول مع شركة الطاقة (الأميركية) الضخمة “شفرون”.

بعد 48 ساعة على استكمال “الكارتل” الاميركي الاستيلاء على شركة “نوبل انرجي” المنهارة، التي كانت تقوم بالتنقيب عن الغاز في حقلي تمار ولفيتان، ارسل مندوب هذه الشركة الاحتكارية (شفرون) رسالة مقتضبة بالبريد الالكتروني الى شركة الكهرباء الاسرائيلية. في هذه الرسالة، اوضح بصورة جافة أن ضخ الغاز الاضافي المطلوب للاقتصاد الاسرائيلي في الاعوام 2020 و2021، سيتوقف اذا لم تدفع الشركة الحكومية للاميركيين سعرا باهظا يبلغ 6.35 دولار للوحدة الحرارية بدل 4.2 دولار.

بعبارات اخرى، تهدد شركة اجنبية بتعتيم اسرائيل، اذا صممت هذه أن تسمح بالتنافس على الوقود الاساسي الذي تستخدمه في انتاج الكهرباء، وطالما تتوقف عن دفع الفائدة الاحتكارية التي تجبيها من الجمهور الاسرائيلي، أي 1 – 2 مليارات شيكل من الفوائض كل سنة. الرد الصهيوني العنيد على رسالة “الزعرنة” هذه ـ ولا نقول الابتزاز ـ لم يُسمع بعد. برغم أن الامر يتعلق ليس فقط بخرق واضح لقوانين مكافحة الاحتكار، لكن ايضا تنصل من الاتفاقات التي تم التوصل اليها في مخطط الغاز المبجل.

وزير الطاقة يوفال شتاينيتس بلع لسانه. المسؤول عن مكافحة الاحتكار ميخال هلبرن تبخر. وزارة العدل غاصت في الارض. وزارة المالية تبعثرت منذ زمن. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اختار بالتحديد التملق لـ“شفرون” وشكر المدراء فيها على مساعدتهم في “استخراج الغاز من البحر”.

في شركة الكهرباء، نظروا نحو اليمين واليسار وهزوا الاكتاف وخضعوا لكن على حسابنا. في الاشهر الثلاثة الاخيرة، تواصل شركة الكهرباء الحكومية الشراء من حقل تمار للغاز بثمن فلكي يبلغ 6.35 دولار للوحدة الحرارية استنادا الى هذا العقد الجائر وسيء الصيت الذي وقعت عليه في العام 2012. اضافة الى الغاز الذي اشترته الآن لسنة 2020 – 2021، وايضا تدفع مقابله ثمنا باهظا جدا “بالاكراه”.

في موازاة ذلك، تنتظر الشركة (الكهرباء) تدخل أحد المنظمين الذين ما زالوا حتى الآن يختبئون تحت الطاولة، أو دعما حكوميا لا يأتي. هكذا يبدو أنه كان هناك فقط المرحلة الاولى في الاستقبال الاحتفالي الذي نظم في البلاد المقدسة للعم الثري القادم من اميركا.

في الايام الاخيرة، علمنا أنه في وزارة الطاقة يوجد من يهتم بأن يقدم للشراكة الاحتكارية لشركتي “شفرون” و”يتسحاق ردا (ديلك)”، خزان غاز طبيعي آخر. نعم، هذه ليست نكتة.

المهنيون في الوزارة عبروا عن دعمهم في أن البلوك 72 في شمال المنطقة الاقتصادية الخالصة لاسرائيل، قرب خزان كريش الذي في ارضيته يوجد اكتشاف غاز تجاري مضمون تقريبا، سيُعطى ايضا للايدي التي تضع يدها منذ عشرين سنة على انبوب الاوكسجين الذي يغذي الاقتصاد الإسرائيلي، وهي نفس الايدي التي وضعت قبل ثلاثة اشهر المسدس على رأس الدولة. وحتى اذا لم تكن النكتة على حسابنا فانها كانت مضحكة.

تم استلال الادعاء اللبناني (الايراني ضمناً). قيل بأنه قد يكون من الأفضل لاسرائيل وجود اميركي في الخزان الموجود على الحدود مع لبنان (البلوك 72)، لا سيما أن الاميركيين كانوا هم العراب في المفاوضات (غير المجدية) التي جرت بين اسرائيل ولبنان على ترسيم الحدود البحرية

البلوك 72 أسمي حتى مرحلة متأخرة بـ“ألون دي”. وقد كان من بين الـ 22 ترخيصا للتنقيب البحري الذي جمعته مجموعة “نوفل – ديلك” بهدوء قبل حقل تمار (2009). برغم أن قانون النفط يحدد لأي كيان تجاري امتلاك 12 ترخيصا. مجموعة التراخيص التي جمعت من قبل هذه المجموعة بمصادقة مشكوك فيها من قبل وزارة الطاقة، منحتها تغطية 60 في المئة من المنطقة الاقتصادية الخالصة لاسرائيل وجعلت نوفل وديلك تسيطران على معظم المناطق ذات الامكانيات الممكنة للعثور على الغاز.

طوال عقد هذه المجموعة، لم تقم بتطوير منطقة “ألون دي”. ولكن في نفس الوقت ضمنت بأن لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك بدلا منها. في هذه الاثناء، إستيقظ جيراننا اللبنانيون في الشمال وادعوا ملكية منطقة الترخيص هذه، نظراً لأنها تتجاوز بحسبهم المنطقة البحرية الاقتصادية بين الدولتين.

الخلاف الجيوسياسي أجبر وزارة الطاقة على أن تضع نهاية لهذه المماطلة ونفض الغبار الذي تراكم على وثائق الترخيص. الوزارة صادرت الرخصة من يد هذا الاحتكار، ونشرت مناقصة دولية سريعة لترسيتها، لكنها سمحت لهذا الاحتكار بالمشاركة في هذه المناقصة. السبب هو الخشية من قلة المتنافسين.

بعد كل شيء، سرعان ما سمعنا الاقوال المرعبة عن تحول اسرائيل الى دولة عظمى في الطاقة المتجددة. اتضح خلال فترة قصيرة أنه لا اساس لهذه الأقوال. في عالم الغاز العالمي لا يلعب الاغبياء. عندما تكون السوق المحلية مقيدة بشركة احتكارية وعقود لـ 15 سنة، وعندما يكون تصدير الغاز بصورته السائلة باهظ الثمن، وعندما يكون التصدير البري الى الدول الجارة (الاردن ومصر) يخضع ايضا لسيطرة الاحتكار، لا يكون أي مكان هنا للاعبين جدد.

تم وضع مغلفين فقط في الصندوق (المناقصات). الاول من مجموعة مشتركة لـ”نوفل” و”ديلك”، والتي من غير المعروف لماذا حصلت على مصادقة للتقدم للمناقصة بصورة مشتركة وليس بصورة منفصلة؛ والثاني من “انرجيان”، المنافسة اليونانية لهذا الاحتكار.

في اطار خطة الغاز، اشترت اليونان من “نوفل” و”ديلك” خزانات “كاريش” و”تنين” المتواضعة. وقد عرض اليونانيون على الاسرائيليين الغاز الموجود فيهما بأربعة دولارات فقط. في الاسبوع الماضي (أخر أسبوع من العام 2020)، ابلغا البورصة بأنهم تقريبا باعوا كل احتياطي الغاز الموجود لديهم (93 في المئة)، الامر الذي يخرجهما حتى هذا الوقت من اللعبة ويترك مرة اخرى الاقتصاد معتمداً على كرم “شفرون” و”ديلك”.

هذا ايضاً هو السبب في أن الاحتكار متحمس لاخراج اليونانيين الى خارج السباق على البلوك 72 كونه مجاور لخزان كاريش. واذا نجح في ذلك، فانه ليس فقط سيتطرق الى امكانية تشديد المنافسة في المدى القصير والتوقف عن بيع الغاز بمبلغ 4 دولارات، بل سيتم استبعاد امكانية وجود منافسة في المدى الطويل. لماذا؟ بسبب غياب الجدوى الاقتصادية.

اليونانيون الذين يقيمون في كاريش منصة باهظة الثمن لاستخراج الغاز، حصلوا في السنتين الاخيرتين على اربع رخص للتنقيب في المنطقة. لذلك، هم بحاجة الى الخزان المجاور للبلوك 72 كمرساة لايجاد تواصل للخزانات الصغيرة، وعندها سيكون لها جدوى اقتصادية للتطوير، وبدون هذا التواصل لن تكون لها أي جدوى.

إقرأ على موقع 180  الحريري مُدان خليجياً.. "يُسهّل هيمنة إيران على لبنان"!

في المقابل، بالنسبة لشركة كبيرة تتداول 150 مليار دولار سنويا في 180 دولة في ارجاء العالم، مثل شركة شفرون، فهي ليست حتى ميزانية سنوية للقهوة. وبالطبع المبلغ غير مهم عندما يكون على الاجندة فرصة لتحقيق عائد احتكاري طويل الأجل.

في الحقيقة، عرض الاحتكار في المناقصة كان اعلى ببضعة ملايين من الدولارات من عرض اليونانيين. وفي الحكومة مطلوب منهم الآن مناقشة مسألة التركيز، التي كما نذكر تم تأجيلها في هذه الاثناء من اجل أن يضمنوا منافسة ما. نا، كانت المفاجأة بانتظار الجميع.

على الرغم من حرب الاستنزاف المتواصلة بين “شفرون”  – “نوفل” و”ديلك” وبين الدولة، وبرغم التهديد الذي اطلقه الاميركيون قبل ثلاثة اشهر بتخفيض العداد، إلا أن المهنيين في وزارة الطاقة طلبوا مؤخرا الاعلان عن أن هذه الشركة الاحتكارية فازت في المناقصة.

في هذه المرة، تم استلال الادعاء اللبناني (الايراني ضمناً). قيل بأنه قد يكون من الأفضل لاسرائيل وجود اميركي في الخزان الموجود على الحدود مع لبنان (البلوك 72)، لا سيما أن الاميركيين كانوا هم العراب في المفاوضات (غير المجدية) التي جرت بين اسرائيل ولبنان على ترسيم الحدود البحرية وها هي الفرصة لرد الجميل لهم وأن نرمي لشركة “شفرون” عظمة.

من هنا، إذا استمرت مبادرة الاحتكار، فان خزان الغاز في البلوك 72 سيضاف الى الخزانات الخمسة الاخرى التي تمتلكها شراكة شفرون – ديلك في المياه الاسرائيلية: تمار، لفيتان، داليت (الذي لم يتم تطويره بعد) واشكلون/ نوعا (اللذين استنفد شفطهما تقريبا).

الاكتشاف التجاري، اذا تم حفره، سيضمن لشركة “شفرون” بسط السيطرة الاحتكارية على الاقتصاد الاسرائيلي. وحتى ذلك الحين فان ابقاء الخزان في يد هذا الاحتكار سيمنع الآخرين على الاقل من القدرة على منافسة هذا الاحتكار.

في عالم الغاز العالمي لا يلعب الاغبياء. عندما تكون السوق المحلية مقيدة بشركة احتكارية وعقود لـ 15 سنة، وعندما يكون تصدير الغاز بصورته السائلة باهظ الثمن، وعندما يكون التصدير البري الى الدول الجارة (الاردن ومصر) يخضع ايضا لسيطرة الاحتكار، لا يكون أي مكان هنا للاعبين جدد

لماذا تصر اسرائيل على أن تخسر؟

من وراء الكواليس تجري حرب منذ سنة. هي لا تظهر إلى السطح لسبب اساسي واحد وهو الحرج الحكومي. من المهم التأكيد على أن اسرائيل تخسر. ليس قطاع الطاقة وليس فقط اسواق الكهرباء والغاز، بل مجمل الاقتصاد. هذه ليست حربا متخصصة، لكنها معركة استراتيجية وطنية.

اذا وضعنا الامور على الطاولة فان “نوفل” – “شفرون” تتنكر لخطة الغاز. على الاقل، هذا الاحتكار لديه تفسير مختلف للخطة عن تفسير المستشار القانوني للحكومة. التفسير الخاص هذا يستخدمه الاميركيون كذريعة لمنع بيع غاز تنافسي في الاقتصاد.

“شفرون” و”ديلك” تملكان 47 في المئة من الحقوق في حقل تمار، وتمتلكان، في المقابل، حوالي 85 في المئة من الحقوق في حقل لفيتان. لهذا لا مصلحة لهما في منع المنافسة بين الحقلين و”تنظيم” الاسعار. بكلمات اخرى، الحيلولة دون بيع غاز رخيص نسبياً.

شركة شفرون تضع فيتو على محاولات شركائها في حقل تمار (53 في المئة) – يسرامكو، دور غاز، تمار بتروليوم ومؤسسات اخرى –بيع حصتها في الحقل بصورة منفردة وخفض سعرها للغاز من اجل التنافس مع لفيتان. من جهة، تدعي “شفرون” أنها لا تمنع شركاءها من بيع الغاز كما يريدون. ومن جهة اخرى، هي لا تسمح للشركاء بالبيع حتى تتوصل معهم الى اتفاق تطرح فيه شروطا مختلفة وغريبة.

اذا لم يكن هذا كافيا، فان “شفرون” تدعي أنه ليس لسلطة أو أي جهاز تنظيمي في إسرائيل أن يمنع الاحتكار. لا توجد صلاحية للتدخل في القضايا الداخلية لتمار. لأن أي تدخل يناقض تعليمات خطة الغاز. في نفس الوقت، تعارض “شفرون” موقف وزارة العدل الذي يفيد بأن حق الفيتو لها سينتهي في 2021. وطالما يهتز ذيل الكلب فان الساعة تتكتك. بعد نصف سنة سيفتح العقد المخيف وسيء الصيت الذي وقعت عليه في 2012 شركة الكهرباء مع الشركاء في تمار. وفي اطار ما تم الاتفاق عليه في العقد، فان شركة الكهرباء يمكنها أن تخفض حتى 25 في المئة من ثمن الغاز الفلكي الآن – وبالنسبة للفيتو الداخلي لتمار يوجد وزن كبير للشروط الجديدة التي سيوافق عليها الطرفان. لشركة “شفرون” و”ديلك” توجد جميع الاسباب للانسحاب، والتشاجر مع شركة الكهرباء لمنع خفض السعر الاعلى الذي تم تحديده، وحتى ذلك الحين أن تبيع الغاز بسعر مرتفع من حقل تمار أو غاز بديل من حقل لفيتان. وللشركاء في حقل تمار في المقابل، ستكون هناك مصلحة في خفض السعر مقابل تمديد التعاقد، وربما حتى منح تخفيض يبلغ 35 في المئة، اذا اقتضى الامر، ولو من اجل أن تواصل الشركة الحكومية شراء الغاز من تمار وليس من لفيتان.

الفجوة بين السناريوهين بالنسبة للنفقات العامة، تقدر بمليارات الشواقل، وقد وعدت المسؤولة الإسرائيلية عن المنافسة، ميخال هلبرن، الكنيست بأنها سترسل قرارا بخصوص هجوم “شفرون” – “نوفل” حتى نهاية العام 2020. ولكنها لم تفعل ذلك؛ نائب المستشار القانوني للحكومة المحامي مئير لفين، خيب الآمال عندما سلم بالفيتو الاميركي حتى 2021؛ لسلطة الغاز لم يعين مدير دائم لهذا العام؛ سلطة الكهرباء ليس لديها رئيس ثابت منذ نصف سنة؛ المسؤول عن شؤون النفط يوسي فيتسبورغر، يتوقع أن يستقيل من منصبه؛ وزير الطاقة يوفال شتاينيتس منشغل بالحملة الانتخابية (الذي يجمل نشاطه بقطاع الغاز)، في حين أن وزير المالية يسرائيل كاتس لا يعنيه كل ذلك.

بدلا من الصمود وحمل السكين بين الاسنان لصالح مواطني الدولة والقطاع التجاري، يشهد الجمهور الاسرائيلي لا مبالاة وضعفا لا يوجد لهما أي تفسير. هذا عندما تكون الخطوة الاستراتيجية الوحيدة التي يمكن لهذه المجموعة من الاشخاص التفكير فيها حتى الآن لحل الوضع هي ببساطة اعطاء “شفرون” وديلك خزانا آخر للغاز”. (مختصراً بتصرف 180).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180    رسائل روسية إلى طالبان