الجولاني بالبدلة الرسمية.. عرض أزياء برعاية أميركية!

لم يقرّر أبو محمد الجولاني زعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) ارتداء بدلة رسمية من فراغ، وبالتأكيد لم يفعل ذلك مسايرة لضيفه الأميركي الصحافي مارتن سميث، وإن كانت زيارة الأخير إلى إدلب شكلت مناسبة لإظهار مواهب الجولاني في "عروض الأزياء". من اعتاد على اللباس الأفغاني القصير والزيّ العسكري المموّه لا يستبدلهما ببدلة رسمية إلا إذا فرضت ذلك تغييراتٌ جذرية في واقع الرجل ومزاجه وظروفه.

أكدت مصادر مقربة من “هيئة تحرير الشام” لموقع 180 بوست أن زيارة الصحافي الأميركي مارتن سميث إلى إدلب، جاءت بناءً على دعوة وجهها إليه ابو محمد الجولاني في سياق جهود يبذلها الأخير من أجل الانفتاح على الغرب والمجتمع الدولي ومحاولة تشكيل لوبي دولي يساعده في الخروج من مأزق التصنيف على قوائم الإرهاب. تصنيف ما زال يقضّ مضجع الجولاني ويمنعه من تحقيق حلمه في إيجاد موطىء قدم له في ميدان العمل السياسي.

وأشارت المصادر إلى أن الزيارة تمخضت عن اتفاق بين الجولاني وسميث يقضي بقيام الأخير بمهمة تلميع صورة الأول عبر تقارير إعلامية مدروسة وممنهجة يتم نشرها في وسائل إعلام أميركية وغربية، مقابل مبلغ من المال يدفعه الجولاني إلى شركة التسويق التي يديرها سميث، بالإضافة إلى منحه تسهيلات تتعلق بالحصول على معلومات خاصة عن الواقع العسكري والأمني الذي تعيشه منطقة خفض التصعيد في إدلب، ومعلومات حصرية حول “هيئة تحرير الشام”.

وفي انتظار أول تقرير سينشره مارتن سميث عن الجولاني بعد زيارته إلى إدلب التي استغرقت ثلاثة أيام، من أجل تقدير مدى نجاح الزيارة ومدى التزام الطرفين بالاتفاق المبرم بينهما، كان من اللافت للإنتباه أن يصدر تقرير عن مجموعة الأزمات الدولية يوصي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإعادة النظر في تصنيف “هيئة تحرير الشام” على قائمة التنظيمات الارهابية.

اتفاق بين الجولاني وسميث يقضي بقيام الأخير بمهمة تلميع صورة الأول عبر تقارير إعلامية مدروسة وممنهجة يتم نشرها في وسائل إعلام أميركية وغربية مقابل مبلغ من المال

من المعلوم أن مجموعة الأزمات الدولية تتبنى منذ فترة وجهة نظر تقضي بضرورة فتح قنوات التواصل مع “هيئة تحرير الشام” والتحاور معها كبديل عن استراتيجية العزلة التي تفرضها عليها بعض الدول من خلال وصمها بالإرهاب وتقييدها بتبعات التصنيف.

وقد سبق للمجموعة في إطار مساعيها لوضع رؤيتها الخاصة موضع التنفيذ الفعلي أن قامت بإجراء مقابلة صحافية مطولة مع الجولاني في شهر أيلول/سبتمبر الماضي أتاحت له من خلالها استعراض سياساته وأهم التحولات التي طرأت على منهجه وسلوكياته بما يخدم فكرة حث الدول الغربية على إعادة النظر في تصنيفه.

ويشير التقرير الجديد الذي صدر في 3 شباط/فبراير الجاري، الى أن مجموعة الأزمات الدولية ما زالت مثابرة على تطبيق أفكارها الانفتاحية بخصوص “هيئة تحرير الشام”، وأن تغيير إدارتها مؤخراً لم يؤثر على طبيعة الرؤى والتصورات التي تقود نشاطها في ما يتعلق بمستقبل الهيئة وضرورة إعطائها دوراً سياسياً بذريعة إبعادها عن طريق الارهاب.

يبدو أن اللوبي الدولي الداعم للجولاني والساعي إلى تسويقه كشخصية سياسية معارضة ومنفتحة على الغرب ومعادية لايران وروسيا، قد وجد نفسه في سباق مع الزمن بالتزامن مع وصول جو بادين إلى البيت الأبيض خلفاً لسلفه دونالد ترام

وفي هذا السياق، كان من اللافت للانتباه أن تقرير المجموعة اعتبر تصنيف “هيئة تحرير الشام” على قائمة الارهاب سبباً لتجدد العنف في المنطقة، وأن إزالة اسمها من القوائم قد تلعب دوراً في تجنب مزيد من التصعيد. كما ربط التقرير بين التصنيف وتعثر وصول المساعدات الإنسانية إلى إدلب في مسعى واضح لإعطاء رفع التصنيف الارهابي عن الهيئة بعداً إنسانياً، متجنباً الحديث عن دور الهيئة في عرقلة وصول المساعدات من خلال ممارستها دوراً قمعياً ضد المؤسسات الانسانية والإغاثية وإصرارها على فرض إتاوات على كل شحنة مساعدات تدخل إلى إدلب، وهو ما اضطر عشرات المؤسسات إلى تعليق أعمالها وأنشطتها في إدلب. 

ولم يجد التقرير غضاضة في التلميح إلى تذمره من غياب الدعم الدولي الذي من شأنه أن يسمح لأنقرة إقامة علاقات دبلوماسية مع “هيئة تحرير الشام”، معتبراً ذلك من العقبات التي تحول دون اجتراح أفكار إبداعية للتعامل مع ملف الهيئة.

ويبدو أن اللوبي الدولي الداعم للجولاني والساعي إلى تسويقه كشخصية سياسية معارضة ومنفتحة على الغرب ومعادية لايران وروسيا، قد وجد نفسه في سباق مع الزمن بالتزامن مع وصول جو بادين إلى البيت الأبيض خلفاً لسلفه دونالد ترامب. إذ أن أكثر ما يخشاه الجولاني في هذه المرحلة هو أن ينقلب بايدن على سياسات ترامب وأن تقوده نزعة التماهي مع إدارة باراك أوباما إلى تفعيل بعض القرارات التي صدرت عنه وظلت قيد الأدراج المغلقة في عهد ترامب. وأهم هذه القرارات هو أمر تنفيذي كان وجهه أوباما إلى البنتاغون في الأسبوع الأخير من ولايته الثانية عام 2016 يقضي بتوسيع استخدام الطائرات المسيرة بهدف اغتيال قادة “جبهة النصرة” سابقاً (هيئة تحرير الشام حالياً).

ولعل هذه المخاوف، بالإضافة إلى أحلام الجولاني باستنساخ تجربة حركة طالبان الأفغانية، التي انخرطت في مفاوضات سياسية مع واشنطن، هي من أبرز العوامل التي دفعته إلى تقديم عرض الأزياء الأخير، والذي ستليه عروض أخرى، في إنتظار كيف ستتصرف إدارة بايدن في المرحلة المقبلة.

(*) هل تثمر رسائل الجولاني إلى واشنطن عبر بريد “مجموعة الأزمات”؟

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  غزة الصغرى أقوى من.. الأحلاف الكبرى
عبدالله سليمان علي

كاتب وصحافي سوري، وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية

Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "المشروع الإسلاميّ" VS "المشروع القوميّ".. تعميق الحوار والمساحات المشتركة؟