تقف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) عند منعطف خطير في سيرتها الطويلة المفعمة بالتحولات والتبدلات.
تقف "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) عند منعطف خطير في سيرتها الطويلة المفعمة بالتحولات والتبدلات.
ثمة علاقات تاريخية وثيقة بين الفصائل الإسلامية التي قاتلت في أفغانستان، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبين جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا، وبالتالي ليس مستبعداً أن تسعى الجماعة إلى "إستثمار" لحظة إمساك حركة "طالبان" بالسلطة، أملاً بقطف ثمار الحرب السورية.
لم يقرّر أبو محمد الجولاني زعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) ارتداء بدلة رسمية من فراغ، وبالتأكيد لم يفعل ذلك مسايرة لضيفه الأميركي الصحافي مارتن سميث، وإن كانت زيارة الأخير إلى إدلب شكلت مناسبة لإظهار مواهب الجولاني في "عروض الأزياء". من اعتاد على اللباس الأفغاني القصير والزيّ العسكري المموّه لا يستبدلهما ببدلة رسمية إلا إذا فرضت ذلك تغييراتٌ جذرية في واقع الرجل ومزاجه وظروفه.
من مخاض العداء للدوريّات الروسية – التركية المشتركة، ولدت "كتائب خطّاب الشيشاني". أبوّةُ هذه الجماعة الوليدة حديثاً، ما تزال محل شكوك وتساؤلات. لكن اللمسة النخبوية في عمليتها الانتحاريّة الأولى، التي استهدفت دورية روسيّة – تركيّة على طريق 4M بالقرب من قرية القياسات في الرابع عشر من الشهر الماضي، تشي بأنّ ثمّة من يراهن بجدّية على إجهاض التفاهمات التركية - الروسية والعودة بالمنطقة إلى مربع التصعيد والقتال.
ملفّان أساسيّان يشغلان بال أبي محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام في الشمال السوري: تكريس زعامته ودوره، وترتيب العلاقة مع أنقرة. ورغم ما تشي به الأجواء من إمكانية تجدد القتال مع الجيش السوري في أيّ وقتٍ، فإن ثقة الجولاني بالخطوط الحمر المرسومة إقليمياً ودولياً جعلته ينتهز فرصة الهدوء المفروض بموجب اتفاق موسكو، للانشغال في تنظيف بيته الداخلي وترتيب أوراقه وتسويق تحولاته العقائدية والتنظيمية ولو اضطره ذلك إلى تغليب الاعتبارات الأمنية الصارمة على أي اعتبارات أخرى.
للمرة الثانية على التوالي تفشل تركيا في تنفيذ التزاماتها وفق اتفاقية سوتشي الموقعة مع تركيا العام 2018 حول إدلب، والبروتوكول الإضافي الذي تم توقيعه في شهر آذار/مارس الماضي، والقاضي بفتح طريق M4 (حلب - اللاذقية)، الأمر الذي يرسم بمجمله صورة عامة لعملية عسكرية منتظرة يستعد الجيش السوري لإطلاقها من أجل تأمين الطريق بالقوة.
بالرغم من أن فصيل "أنصار التوحيد" يعتبر من الفصائل الصغرى في إدلب وليست لديه الإرادة ولا القدرة على التأثير في المشهد بشكل جذري، إلا أن مسارعته إلى إعلان براءته من أية بيعات خارجية أو سرية، وخروجه من تحالفاته العسكرية السابقة، يمكن اعتبارهما بمثابة مؤشر مبدئي على تسارع الخطى الحثيثة التي تبذلها بعض الجهات لإيجاد مخرج من حالة الاستعصاء التي يرزح المشهد الإدلبي تحت وطأتها منذ اتفاق الخامس من آذار/مارس آذار بين موسكو وأنقرة.
حسم أبو محمد الجولاني زعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) قراره في ما يخصّ رؤيته لمصير منطقة خفض التصعيد في إدلب من جهة، ولطبيعة العلاقة التي تجمعه مع الجانب التركي وإمكان تدحرجها في اتجاهات مختلفة، من جهة ثانية.
يبدو أن ثمّة حملة منظمة تستهدف شيطنة "حراس الدين" تمهيداً لوضعه على قائمة التنظيمات المراد مواجهتها واستئصالها. ولم يشفع للأخير إصداره بياناً ينفي فيه علاقته بقتل الجنديين التركيين على طريق M4، فالماكينة الإعلامية واصلت تسليط الضوء على أدوراه المخربة للاتفاقات الاقليمية ونبش تاريخ جرائمه. فهل يكون كبش الفداء لتنفيذ اتفاق موسكو؟
باعتصامٍ متواضع على طريق M4الرئيسي الواصل بين محافظتي اللاذقية وحلب، أجهض أبو محمد الجولاني زعيم "جبهة النصرة" الموعد الأول لانطلاق الدوريات الروسية-التركية المشتركة تنفيذاً لاتفاق موسكو. هذه الخطوة التي كشفت مدى هشاشة الاتفاق الثنائي بين الدولتين وافتقاره لآليات التنفيذ الحاسمة، حملت في طياتها أيضاً رسالة ابتزاز واضحة للجانب التركي وسط أنباء عن مساعي أنقرة لإقناع الفصائل المسلحة بإعادة هيكلة نفسها.