الجولاني Archives - 180Post

NEW-SOURIA-..jpg

بعيدًا عن عنوان احتفالية السنة الأولى: "عام على التحرير"، فإنّ الأهم هو محاولة استشراف المستقبل السوري، من خلال قراءة أداء رئيس المرحلة الانتقالية على مدى السنة المنقضية. فقد بدا أنّ لسوريا اليوم رئيسًا يُخاطب الخارج اسمه أحمد الشرع، ورئيسًا للداخل اسمه "أبو محمد الجولاني"، والفارق بينهما أنّ الأول يلبس بدلة رسمية وربطة عنق، ويتوسّل الاعتراف الدولي والإقليمي به، فيما الثاني ما يزال يرتدي البذّة العسكرية ويعتمدها لغة لتعامله مع مكوّنات المجتمع السوري.

800-30.jpg

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان معظم سكان المنطقة في أسرّتهم، وكان الطقس خريفيًا جميلًا، ولم يكن أحدٌ يقدّر أنّ فجر هذا اليوم سيغيّر العالم، ويبعثر الخرائط الجيوسياسية في المنطقة. منذ تلك اللحظة التاريخية، انقلبت المنطقة رأسًا على عقِب. كشّرت إسرائيل عن أنيابها، وأعلنت أنها أمام تهديد وجودي. وبدأت المبارزة المنتظرة، ووضع كل فريق لاعبيه الأساسيين في الملعب الذي تحوّل إلى بحر من الدماء والدمار والتوحش والقتل.

750-10.jpg

أشرنا في ما سبق إلى أنّ وعيَ كثيرٍ من المسلمين في منطقتنا وحول العالم أجمع- بل لا-وعيهم بالأخصّ- لم يزل يبحث في مواضع كثيرة عن "الخليفة" الموعود (أو "العائد")، لا سيّما بعد سقوط السّلطنة العثمانيّة مطلع القرن الماضي. الوقائع المتراكمة، قد تدفع نحو طرح السّؤال الآتي: هل نجح الاستعمار الأنغلو-ساكسونيّ في بلادنا- أي، البريطانيّ-الأميركيّ تحديداً- في استغلال وضع "عقلنا العربيّ-الاسلاميّ" المُزري واقعاً، إلى حدِّ تمكُّنِه من تبؤ موقع "الخلافة الفعليّة" للمُسلمين حول العالم إلى يومنا هذا؟

801-1.jpg

في الأسابيع الأخيرة، بدا أنّ المبعوث الأميركيّ توم برّاك يرفع منسوب الضّغط على لبنان بخطابٍ مزدوجٍ يجمع بين التّشديد على «نزع سلاح حزب الله» والدّعوة إلى «إصلاحاتٍ اقتصاديّةٍ ومؤسّسيّةٍ عميقةٍ»، وبين التّحذير من أنّ «العالَم سيمضي قُدُماً إنْ لم يتحرّك لبنان سريعاً». تلك الّلهجة الحازمة في التعامل مع الملف اللبناني لم تكن مجرّد رسائل دبلوماسيّةٍ عابرةٍ، بل إعلاناً صريحاً بأنّ واشنطن «لن تبقى إلى ما لا نهاية» وأنّها «لا تطلب سوى مصافحةً متكافئةً» بين لبنان وإسرائيل تمهيداً لتسويةٍ شاملةٍ، في ترجمةٍ عمليّةٍ لطموحات رئيس الولايات المتّحدة دونالد ترامب.

ahmad.png

وقف أحمد الشرع، الرئيس السوري الانتقالي، على شرفة قصر المهاجرين في دمشق، يطل على المدينة التي لطالما شهدت حروباً. دمشق، منارة الأمويين وصرح الحكام، تتلألأ تحت ضباب الليل وأضواء الشوارع المبعثرة، محافظة على غموضها وجمالها برغم التآكل والحزن المتراكم على حجارتها. تتنفس المدينة الهواء البارد القادم من نهر بردى، ويشعر الحاكم الجديد بثقل الأيام التي حملها على ظهره. وعلى الرغم من انتصاراته، ينتابه شعور مركّب من الانتصار والفراغ والمجهول، لكأنّ دمشق تهمس له: "لقد وصلت، لكن من أنت حقًا"؟

800-22.jpg

لا يمضي يوم منذ إعلان دمشق «التعاون السياسي» ضمن منظومة الحرب على «داعش» إلّا ويترك الحدث ورقةً جديدةً على طاولة الفقه والخطاب داخل الأوساط الجهادية، ولا سيما في ضوء زيارة الرئيس الإنتقالي أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة.. مسارٌ لا أحد يستطيع التنبؤ منذ الآن بمآلاته وخصوصاً عندما تتصادم المفردات السياسية الجديدة مع وقائع الميدان المعقدة جداً.

2025_11_10_22_16_16_150.jpg

بعد سنواتٍ من التّصنيفات والمعارك والتّحوّلات العميقة التي أصابت المشهد السّوريّ، جاء قرار مجلس الأمن رقم 2799، الصّادر في السادس من تشرين الثّاني/نوفمبر 2025، ليشكّل نقطة انعطافٍ حقيقيّةٍ في خريطة النّفوذ الإقليميّ.

800-44.jpg

منذ اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011، تحوّلت سوريا إلى مختبر حيّ لتفكك الدولة وتشظيها، حيث تقاطعت فيها الصراعات المحلية مع الطموحات الإقليمية والتدخلات الدولية. سقوط نظام بشار الأسد بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية لم يمثل نهاية الأزمة، بل بدا بمثابة بوابة لمرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، فتح خلالها الفراغ السياسي والأمني المجال أمام صعود نظام بديل بقيادة أحمد الشرع، القيادي السابق في جبهة النصرة.

750-11.jpg

بعد إزالة خطر تنظيم (داعش) عن سوريا في العام 2017 وفق معادلات خاضها الجيش السوري وحلفاء دمشق وبينهم روسيا التي وفّرت غطاءً جوياً لا مثيل له، راح بشار الأسد يستغرق في رسم خارطة طريق جديدة تضمن له البقاء في السلطة، لا سيما بعد تلقيه إشارات ترحيب من جهات خارجية بينها السعودية والإمارات التي أعادت فتح سفارتها في العام التالي، وتبعتها بعد ثلاث سنوات، زيارة لوزير خارجيتها عبد الله بن زايد إلى سوريا، ومن ثم توّج التقارب بين البلدين، في العام التالي، بزيارة للرئيس الأسد إلى دولة الإمارات العربية في آذار/مارس 2022.

800-41.jpg

شكّل الملف السوري أحد أعقد التحديات التي واجهت السياسة الخارجية الأميركية في القرن الحادي والعشرين. منذ اندلاع الصراع السوري عام 2011، وجدت واشنطن نفسها في مأزق استراتيجي حقيقي: كيف تتعامل مع تحولات مشهد إقليمي مضطرب، وهي تترنح تحت وطأة تداعيات حربي العراق وأفغانستان؟