
بينما كان مقاتلون من "حزب العمال الكردستاني" التركي يُحرقون أسلحتهم في حفرة بكهف في السليمانية بشمال العراق، فإن هذا الحدث لا بد وأنه، كان باعثاً على قلق شديد لدى قائد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) مظلوم عبدي.
بينما كان مقاتلون من "حزب العمال الكردستاني" التركي يُحرقون أسلحتهم في حفرة بكهف في السليمانية بشمال العراق، فإن هذا الحدث لا بد وأنه، كان باعثاً على قلق شديد لدى قائد "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) مظلوم عبدي.
عندما تسأل أحداً من المحللين أو المراقبين عن مآلات المشهد السوري، يأتيك الجواب سريعاً أنه لا يُمكن البناء سياسياً على أساس ثبات المشهد. ثمة وقائع جديدة تواجه النظام الجديد تجعله يواجه تحديات البقاء أو الثبات. ولكل مسار من هذين المسارين آلياته وظروفه وحساباته.
أربع عشرة سنة من المؤتمرات ومن تشكيل هيئات معارضة و"حكومة منفى" مؤقتة وتسليح ودعم مالي وإغاثي وعقوبات تزداد قسوتها، لكن في الواقع جرى تحويل "الثورة" إلى حرب أهليّة ودمار واسع وانهيار اقتصادي وتقسيم فعليّ للبلد وصعود كبير للشرذمة الطائفيّة والإثنيّة والاستسلام للتبعيّة الخارجيّة. لكن ثمة سؤال لا بدّ ألاّ يبارح دوماً ذهن السوريين: هل كانت الدول التي سمّت نفسها "داعمة لسوريا" تعمل حقّاً كي تنتصر "ثورة" السوريين على الاستبداد وأن يتحقّق حلمهم بالحريّة والكرامة؟
منذ تعيين نفسه رئيساً للجمهورية السورية، في كانون الثاني/يناير الماضي، دأب الرئيس السوري أحمد الشرع، على كسب ود الأطراف الإقليمية الفاعلة في الملف السوري وذلك لتحصين موقعه في الحكم على الرغم من أنّ هذه الأطراف ليست على وئام فيما بينها ليس بمقاربتها للملف السياسي السوري فحسب، بل في شبكة تحالفاتها وتقاطعاتها الإقليمية. كيف يُترجم ذلك؟
تعرضت بنية الحكم الانتقالي في سوريا خلال الأسابيع الماضية لهزات مكتومة وأزمات عدّة ظلت حبيسة الجدران المغلقة وسط جهود لإخفائها أو على الأقل التكتّم على آثارها.
هلّل الكثير من السوريين لموقف الرئيس أحمد الشرع من رجل الأعمال السوري مهند فايز المصري الذي كان معتقلا في الإمارات واعتبروه عنوانا لسوريا الجديدة التي تعتبر حرية المواطن السوري في صدارة جدول أجندتها، وقارنوا بين بشار الأسد الذي طالب باعتقال المصري وبين الشرع الذي توسط للإفراج عنه مصطحباً إياه على متن طائرته الخاصة.
عادةً ما يعمل المجرم على إخفاء معالم جريمته، خوفاً من العقاب والوصم الاجتماعي، بدءاً من المجرم الجنائي الذي يقتل بهدف السرقة أو الانتقام الشخصي، وانتهاءً بالإجرام الذي تتميز به الأنظمة القمعية الشمولية.
بعد حرب الإبادة المستمرة على غزّة، وبعد عدوان الـ٦٦ يوماً المتجدّد على لبنان، وبعد الانقلاب التّركيّ-السّلفيّ-الاخوانيّ المسنود أميركيّاً في سوريّا (في سياق غير منفصل عن الطّوفان الفلسطينيّ، أغضبنا ذلك أم لم يُغضبنا، أحزننا أم لم يُحزنّا).. بعد هذه الأحداث، يَعتبر البعض ويُعبّر، اليوم، أنّ وقت "تسليم" أو "نزع سلاح" الجماعات المُقاوِمة بالتّحديد قد حان.. في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً.
توماس بييريه، وهو زميل فرنسي باحث في جامعة إيكس بمرسيليا، يروي في هذا النص المنشور في موقع "أوريان 21" بالعربية (ترجمته من الفرنسية الزميلة فاطمة بن حمد)، كيف أن قائد "هيئة تحرير الشام" والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، لعب على طول مسيرته، الدور ببراعة على موازين القوى الموجودة للوصول إلى أعلى هرم السلطة الفردية، والتي ينوي الآن الاحتفاظ بها.
لم يعد خافياً على أحد، مدى تأثير الاستخبارات التركية التي صاغ ملفاتها بشكل حثيث على مدى السنوات الأخيرة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، على رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع وأجهزته في سوريا، فالرجل الذي اختار أن يحتسي الشاي في قمة جبل قاسيون إلى جانب مدير الأمن التركي السابق منتصراً، سلّم مفاصل الدولة السورية إلى الإدارات التركية، ويُمكن القول إن البنية التحتية والبيانية السورية باتت اليوم جميعها بين يدي أنقرة.