التجديد لأبو الغيط.. مصر تتجاوز إختبار “كسر الإحتكار”

Avatar18003/03/2021
أحمد أبو الغيط أميناً عاماً للجامعة العربية لدورة جديدة. هذا ما خرج به وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التشاوري الذي سبق الجلسة الافتتاحية للدورة الخامسة والخمسين بعد المئة للجامعة العربية، حيث تمت الموافقة على طلب مصر بالتجديد للأمين العام الحالي.

برغم ما يمكن اعتباره انتصاراً دبلوماسياً عربياً جديداً لمصر، إلا أن الجدل الذي رافق التجديد لأحمد أبو الغيط عكس هذه المرة، وعلى نحو يتجاوز مثيله في محطات سابقة، رغبة خليجية في كسر تقليد يعود الى مرحلة تأسيس الجامعة العربية، بأن تؤول الأمانة العامة لشخصية دبلوماسية مصرية، وهو تقليد لم يشهد شذوذاً إلا في ثمانينيات القرن المنصرم، وذلك لأسباب استثنائية حينها، تمثلت في خروج مصر عما كان يعد في ذلك الوقت اجماعاً عربياً، بابرامها اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل.

وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في مصر نقلت عن مصدر دبلوماسي عربي قوله إن التجديد لأبو الغيط جاء “بالاجماع” وذلك “تقديراً لمسيرته في إرساء التوافق بين مختلف الدول العربية، ومعالجة الأزمات العربية ـ العربية داخل إطار الجامعة، فضلاً عن دوره الداعم لمختلف القضايا العربية”.

لكن هذا الكلام الدبلوماسي بدا مناقضاً تماماً لجملة مواقف خليجية حفلت بها وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة ومواقع التواصل الاجتماعي منذ أن ارسلت مصر طلبها الرسمي بالتجديد لأبو الغيط، وهي مواقف توزعت بين انتقاد شخصي للأمين العام نفسه، وبين تحفظات على “احتكار” مصر للمنصب، وكل ذلك كان مقنعاً بدعوة الى “اصلاح الجامعة”.

منذ تأسيس جامعة الدول العربية قبل 75 عاماً، احتكرت مصر بالفعل منصب الأمين العام، بدءاً من عبد الرحمن عزام وصولاً إلى أحمد أبو الغيط، باستثناء تولي التونسي الشاذلي القليبي المنصب وقت توقيع القاهرة اتفاق السلام مع إسرائيل، وهو استثناء ترافق أيضاً مع نقل مقر الجامعة إلى تونس في مرحلة القطيعة العربية مع مصر.

وبعد السنوات الطويلة من هذا “الاحتكار” خرجت أصوات عربية، وخاصة خليجية، تطالب بتدوير  المنصب، مستفيدة من  التراجع الكبير لدور جامعة الدول العربية في القضايا العربية الساخنة، لا سيما القضية الفلسطينية والملفين السوري والليبي.

وبدأت محاولات عربية سابقة لانتزاع الامانة العامة من مصر، حين أثارت الجزائر بدعم من العراق تدوير المنصب عام 2005، وذلك من خلال ترشيحها وزير خارجيتها في ذلك الحين عبد العزيز بلخادم، ولكن محاولتها باءت بالفشل لعدم وجود إجماع عربي.

وبعد المحاولة الجزائرية – العراقية، رشحت قطر في عام 2011، عبد الرحمن بن حمد العطية، الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون الخليجي، خلفاً لعمرو موسى.

كذلك، سبق أن دار حديث عن ترشيح السعودية لسفيرها السابق في مصر أحمد قطان، في العام 2016،  لمنصب الأمين العام، ولكن هذا المسعى فشل أيضاً.

وتعالت الأصوات الخليجية حول منصب الأمين العام مجدداً بعد توجيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 30 كانون الثاني/يناير الماضي، رسائل إلى القادة العرب بشأن اعتزام بلاده إعادة ترشيح أبو الغيط أميناً عاماً للجامعة لولاية ثانية مدتها خمس سنوات.

بدأت محاولات لانتزاع الامانة العامة من مصر، حين أثارت الجزائر بدعم من العراق تدوير المنصب عام 2005

وعلى اثر ذلك، نقلت قناة “الشرق” عن مصادر دبلوماسية عربية قولها إن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تلقت برقيات تأييد إعادة ترشيح أبو الغيط لولاية ثانية من 13 دولة فقط، وأن 7 دول، هي السعودية، وقطر، والجزائر، والسودان، والمغرب، وجيبوتي، وجزر القمر، تريثت في الرد.

ترافق ذلك مع مواقف غير رسمية في دول الخليج تفيد بأن الظروف مواتية لترشيح شخصية خليجية لمنصب الأمين العام لا سيما بعد المصالحة الخليجية الأخيرة، ونتيجة تزايد الدور الخليجي، وكون منطقة الخليج هي الأكثر استقراراً وقدرة على توجيه ودعم الفعل العربي سياسياً وإقتصادياً.

على سبيل المثال، انتقد الكاتب السعودي خالد الدخيل ترشيح مصر لأبو الغيط، واعتبر أنه ليس من مصلحة مصر أو جامعة الدول العربية احتكار المنصب إلى الأبد، في وقت اعتبر رجل الأعمال السعودي تركي الفيصل الرشيد أن الأوان قد آن لتدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، وألا تكون المناصب القيادية والإدارية حكراً لمصر، في حين ذهب الكاتب السعودي صالح الحناكي الى القول إن منصب الأمين العام للجامعة العربية بات “مكافأة نهاية الخدمة لوزراء الخارجية المصريين”.

أما وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقية أحمد بن عبدالعزيز قطان فقد كان الأكثر وضوحاً في التعبير عن المقاربة السعودية الرسمية لتنازع الأدوار في الجامعة العربية، إذ طرح، عبر 20 تغريدة عبر حسابه على موقع “تويتر”، مجموعة من الملاحظات حول دور الجامعة العربية والإصلاحات التي يتوجب فعلها.

واعتبر  قطان أن “جامعة الدول العربية منظمة من دون أنياب، وعليها أن تدرس كيف أصبح للاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي قوة ومكانة، وأن تحاول العمل على تحقيق هذا الهدف مهما كلفها من مال”، مشيراً الى أن “هذا الأمر يحتاج إلى سنوات طويلة وإلى الاستعانة بخبراء من كافة الدول العربية، يتم التعاقد معهم من خلال لائحة الخبراء في الجامعة بدلاً من أن يتم تعيين الموظفين العاديين والسكرتيرات”، كما أنه “يحتاج إلى ميزانية ضخمة ولا بد من موافقة الدول العربية عليها إذا كانت ترغب أن يكون للجامعة قوة ونفوذا ومكانة، وإن لم توافق فلا أحد يلوم بعدها معالي الأمين العام على أي تقصير في عمل الجامعة”.

إقرأ على موقع 180  حدود النظام الإقليمي.. من يخترقها وكيف؟

واقترح قطان “تعديل الميثاق الذي وضع عام 1945″، و”تعيين نائب للأمين العام، وهو أمر يرفضه الأمين العام الحالي لأسباب غير منطقية”، و”إلغاء القرار الذي أصدره الأمين العام عام 2017 بتعديل مسمى قطاع الأمن القومي العربي إلى قطاع الشؤون العربية والأمن القومي”.

كما اقترح  قطان “إلغاء قرار المكافأة الخاصة بالأمين العام”، الذي خصصت له مرّة 5 ملايين دولار، ثم مليوني دولار، بخلاف المكافأة النظامية التي تقدر بـ300 ألف دولار عن كل خمس سنوات، ليصبح متوسط ما حصل عليه الأمناء العامون السابقون ما يقارب 70 ألف دولار شهريا، بخلاف الانتدابات والسفريات.

كذلك طالب قطان بإعادة النظر في هيكل رواتب موظفي الجامعة، معتبراً أنه “ليس من المعقول أن يحصل الملحق الدبلوماسي على 3600 دولار شهرياً عند تعيينه، ويحصل مستشار الأمين العام على 8500 دولار شهرياً، ويحصل الأمين العام المساعد على 11 ألف دولار شهريا، ونائب الأمين العام على 14 ألف دولار شهرياً”.

وتساءل قطان “من يصدق أننا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية استنزفنا أكثر من مليار ونصف المليار دولار على ميزانية الجامعة ومنظماتها؟”.

من بين المقترحات “الإصلاحية” التي طرحها قطان أيضا “إجراء تقييم لأداء المنظمات العربية والنظر في جدوى استمرارها أو إلغائها أو إنشاء منظمات أخرى تتوافق مع متطلبات العمل العربي المشترك”، لا سيما أن ميزانيتها السنوية تبلغ 40 مليون دولار يهدر منها 60 في المئة على مرتبات موظفيها ومكافآت نهاية الخدمة التي تتراوح ما بين 300 – 500 ألف دولار، علاوة على “إعادة النظر في بعثات ومكاتب الجامعة في الخارج التي بلغ عددها 25 بعثة، معتبراً أنه “ليس من المعقول أن تستنزف بعثات الجامعة مبلغ 20 مليون دولار ما يوازي ثلث ميزانية الجامعة”.

كل ما سبق يشي بأن الدول الخليجية، وبشكل خاص السعودية، باتت ترى نفسها انها هي الأحق بممارسة الدور التاريخي  وذلك من خلال الاستحواذ، في المستقبل القريب ربما، على اكثر المناصب رمزية لمصر في العمل العربي – أمين عام الجامعة.

في العموم يبدو المسعى السعودي مدفوعاً بموازين القوى العربية التي باتت الارجحية فيها، سياسيا واقتصاديا، للدول الخليجية، في ظل تراجع حضور الدول الوازنة تقليديا في المعادلة العربية، ولا سيما مصر التي دفعتها سنوات الربيع العربي على الانكماش أكثر نحو ترتيب اولوياتها الداخلية ولا سيما المتصل منها بالأمن القومي وهو امر لا يغير فيه انخراطها في بعض الملفات الخارجية طالما ان هذا الانخراط له اتصال بأمنها القومي حصراً.

وفي سياق اكثر خصوصية، ربما تكون الاندفاعة السعودية متصلة بمتغيرات مستقبلية، مهدت لها اتفاقيات التطبيع العربية مع اسرائيل، التي من شأنها في لحظة الانخراط السعودي فيها ان تجعل الرياض وريثة دور امتلكته مصر بشكل حصري منذ اتفاق كامب ديفيد.

بهذا المعنى. فإن “الإجماع” الذي حدث على التجديد لأحمد أبو الغيط – أو بتوصيف أكثر دقة للمرشح المصري لمنصب الأمين العام – قد يكون الأخير، وربما يؤذن ذلك لمعركة النفوذ داخل ما تبقى من إطار جامع – ولو مبتور – للعرب.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  رياحُ التسويات تلفح لبنان.. هل يُطيح الموارنة بفرنجية؟