حاكم مصرف لبنان و”بلومبيرغ”.. لا أضحية في “العيد”
TO GO WITH AFP STORY BY RANA MOUSSAOUI Lebanon's Central Bank governor Riad Salameh grimaces during an interview with AFP at his office in Beirut on Januray 18, 2010. Lebanon's bank deposits have risen by more than 20 percent and foreign currency reserves have reached record levels thanks to a relatively stable political situation in the last two years, Salameh told AFP. AFP PHOTO/JOSEPH EID (Photo by Joseph EID / AFP) (Photo by JOSEPH EID/AFP via Getty Images)

تنشغل الأوساط السياسية والمالية والمصرفية في لبنان، منذ ليل أمس (الخميس)، بخبر بثته وكالة بلومبيرغ الاقتصادية العالمية توقع صدور عقوبات أميركية ضد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة. والقليل القليل شغل باله بالتدقيق في دقة التسريبة إياها.

أكدت مصادر مصرفية لبنانية رقابية واسعة الإطلاع وعلى صلة بجهات دولية لموقع 180 بوست أن الخبر الذي بثته بلومبيرغ ومفاده أن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات على رياض سلامة هو “خبر مفبرك”، مشيرة إلى اتصالات اجرتها بجهات معنية (خارجية ومحلية) للوقوف عن كثب على دقة المعلومات التي وردت في خبر بلومبيرغ، فتوفرت لديها معطيات تجزم “أن الخبر غير دقيق بتاريخ اليوم”. لكن النفي “لا يعني ان سلطات أجنبية لا تدرس ملفات لبنانية بينها ما هو متصل برياض سلامة والبنك المركزي لتبني على الشيء مقتضاه لاحقاً بناء على حقائق جلية لا شبهات شبحية”.

 وتستبعد المصادر عينها فرض عقوبات متسرعة متصلة بالقضية السويسرية، التي تلاحق سلامة بتهم اختلاس وتبييض أموال، قبل انتهاء تحقيقات قد تستغرق سنوات وتنتهي بغرامة، كما يمني سلامة نفسه.

وكشفت المصادر أن سلامة تواصل في الساعات الأخيرة مع مسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن، وتبلغ منهم أن الخبر الذي بثته إحدى الوكالات العالمية “لا أساس له من الصحة”.

وفيما كان سلامة يعوّل على صدور بيان أميركي، قالت المصادر نفسها إنه ليس من عادة السلطات الأميركية أن تبادر إلى إصدار بيانات من هذا النوع، لكنها لم تستبعد صدور إشارات أميركية ما.

وعن امكان “الفبركة”، غرد الخبير المالي والمصرفي دان قزي قائلاً:”أخطاء كثيرة ارتكبها رياض سلامة، انتقدته بشأنها مرات كثيرة، لكن المنشور في الميديا الأميركية عن عقوبات ضده غير دقيق”. ويبدو ان التغريدة مبنية على معلومات مستقاة من مصادر أميركية وأوروبية ولبنانية أيضاً.

وكان سلامة اجتمع خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية مع وفد من وزارة الخزانة الأميركية زار لبنان، ومع السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، وخلت النقاشات من أية إشارة علنية أو ضمنية إلى عقوبات محتملة ضده، كما ادعى خبر بلومبيرغ.

وحثت المصادر الناصحة لمحافظ البنك المركزي على عقد مؤتمر صحافي لتبيان ما لديه من افصاحات وردود مثبتة تدحض الشائعات وتفند الأخبار والتسريبات التي باتت لا تطال سلامة وحده بل مؤسسة البنك المركزي والنظام المالي اللبناني برمته، أو عليه اصدار بيان مطول يشرح فيه دقائق ودوافع ما يشاع عنه ومنسوب لمصادر أميركية وأوروبية بشأن العقوبات المزعومة تحديداً، وليعرج على بعض تفاصيل القضية السويسرية التي لا تحتمل مداولات علنية موسعة لأنها قيد التحقيق، لكنها تستحق حتماً الإضاءة على بعض جوانبها من دون مواربة ملتبسة، كما يحلو لسلامة ان يفعل غالباً في القضايا الحساسة ظناً منه أنه “أرفع من إعطاء جردة حساب لأي كان”!

خلصت المصادر، التي عملت مع سلامة ردحاً من الزمن، الى القول “إن عدو رياض سلامة هو رياض سلامة نفسه، لأنه آمن بطريقته دون سواها، وأصم أذنيه عن نصائح نصوحة كثيرة في العقدين الماضيين كانت كفيلة، لو عمل بموجبها، ولو جزئياً، ان يستدرك انحدار بعض المسارات او يخفف من وطأة سقوطها الحر”

أما إذا سكت الحاكم عن المنشور، “فإنه، من حيث يدري أو لا يدري، يزيد الشكوك الغبارية الكثيفة حوله في مرحلة ملبدة لا تنقشع فيها الرؤية الا لمشاهدة صفعة تلو الأخرى لا تطاله شخصياً فقط بل كل النظام المصرفي والمالي والنقدي المتداعي أصلاً”، تضيف المصادر إياها.

وخلصت المصادر، التي عملت مع سلامة ردحاً من الزمن، الى القول “إن عدو رياض سلامة هو رياض سلامة نفسه، لأنه آمن بطريقته دون سواها، وأصم أذنيه عن نصائح نصوحة كثيرة في العقدين الماضيين كانت كفيلة، لو عمل بموجبها، ولو جزئياً، ان يستدرك انحدار بعض المسارات او يخفف من وطأة سقوطها الحر على رأسه ورأس القطاع المصرفي، وعلى لبنان المهدد بعزلة مالية تحجب عنه ما تبقى من الرمق الأخير المأمول تنشقه بشق الأنفس”.

ما سبق “لا يعفي حاكم مصرف لبنان من مسؤولية مآلات الأمور النقدية والمالية والمصرفية”، وتعدد المصادر بعضها: من اتباع سياسة نقدية بالغ في التمسك بنجاعتها فاذا بها وبال بوبال، الى سواد مصير ودائع 100 مليار دولار، مروراً بفجوة 50 مليار دولار في البنك المركزي، وفساد هندسات مالية غرفت من المال العام لتعطي مجموعة مرابين ومصرفيين وسياسيين انتهازيين ما ليس لهم فيه أي حق، وصولاً الى انهيار سعر صرف الليرة بنحو 85 في المائة، “انهيار فضح كل الاخطاء والخطايا”.

في مطلق الاحوال، سقط رياض سلامة بأعين لبنانيين وعرب وأجانب، وهو اليوم في مرمى من يشتهي أضحية في “العيد الكبير”، في حين أنه جزء من منظومة باقية في الحكم لا يمكنها التنصل منه بسهولة بعدما طوّع سياساته لتمويل ديمومة تلك المنظومة عبر سد عجز تجذر هدراً وفساداً في  موازنات أكثر من ربع قرن، وهندسة أدوات دين عام متفاقم حد النسب الأخطر عالمياً، وتجميل ميزان المدفوعات بأسوأ ألاعيب تركيب الطرابيش، من دون أن يضرب يده مرة واحدة على الطاولة متصدياً للطبقة السياسية وإصرارها على تمويل فسادها من البنية المالية والمصرفية، والسبب بسيط للغاية: إنها رئاسة الجمهورية التي لم يتمكن من حجز مقعد له فيها من جهة وجعلت موقعه في الحاكمية يرتد سلباً عليه من جهة ثانية، بفعل إصراره على أن يستمر مرشحاً رئاسياً حتى الأمس القريب.

إقرأ على موقع 180  الإسرائيلي "عميت" من تجنيد عملاء في لبنان إلى "حلوى الإدمان"

وعن امكان استقالته للتفرغ دفاعاً عن نفسه في القضية السويسرية والتخلص من ربقة سياسيين متهمين بحمايته او الاستظلال هو بحمايتهم، تبدو المسألة دقيقة للغاية، شخصياً ومهنياً. الاستقالة اليوم، يلتقطها الشارع اللبناني على انها اعتراف بالمسؤوليات والارتكابات والتواطؤات. وفي السلطة من لا يشجعه عليها، لا بل يحذره من نزقها، ربطاً ببعض الملفات العالقة بين الأطراف المتنازعة، ومنها التدقيق الجنائي ودعم السلع الأساسية بدولارات من الاحتياطي الإلزامي وكيفية اعداد خطة لتوزيع الخسائر ومصير ودائع الناس وهيكلة القطاع المصرفي المدمرة سيولته وملاءته، وترميم سمعة لبنان التي تحتاج إلى سنوات وهيهات أن تعود أو لا تعود، إذا لم تتوفر الثقة بالبلد ومصرفه المركزي وقطاعاته كلها.

أما القول بأن لسلامة “ترف” فضح شركاء له في السلطة فهو محض تمنيات معسولة في اللحظة المفصلية الراهنة، اذ ليس في التاريخ اللبناني سابقة من هذا النوع: فمن يسقط يسقط وحده غير مأسوف عليه، كما حصل في قضية بنك المدينة ووزير الزراعة السابق علي عبدالله ووزير النفط السابق شاهي برصوميان والنائب السابق يحيى شمص، وفضيحة رشاوى تعيين الضباط، والفيول المغشوش وغيرها عشرات لا بل مئات القضايا، وهذا ما يخشى غيورون حصوله اليوم في قضية انفجار مرفأ بيروت، جرياً على صيرورة قضايا خطيرة عديدة سابقة قيل الكثير عن تواطؤات فيها على أعلى المستويات، وانها كفيلة باسقاط رؤوس يانعة كبيرة، فاذا بها فقاعات صابون تنفجر الهوينا من دون تداعيات سياسية مؤثرة في التوازنات بين زعماء ائتلاف الطوائف.

من نافلة الاشارة أيضاً الى انه اذا تبين فعلاً ان خبر بلومبيرغ مفبرك، فان سلامة متمتع، حتى تاريخه، في علاقته التي يعتقدها “مميزة ومثمرة” مع الأميركيين المعتمدين عليه في أحد ابرز الملفات وأخطرها (أموال حزب الله والقطاع المصرفي اللبناني). في المقابل، إذا تبين لاحقاً ان سلامة في العراء وحيداً معرضاً لعقوبات أميركية، عندئذ يسهل الاستنتاج بأن الأميركيين انتقلوا في “مكيافيليتهم” المعهودة الى “المخطط باء” القاضي بنسف بنية النظام المالي اللبناني من الخاصرة الرخوة لزعزعة المنظومة السياسية عن بكرة أبيها، لأسباب كالتي تذرعوا بها في معاقبة البنوك المركزية في إيران وسوريا وفنزويلا. في هذه الحالة القصوى المفزعة، على اللبنانيين توقع اسوأ سيناريو في تاريخهم الحديث، ولا يلوموا إلا أنفسهم الأمارة بسوء الاختيار منذ اتفاق الطائف الميمون الى هذا اليوم المجنون.

Print Friendly, PDF & Email
منير يونس

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  طلال سلمان.. وشرف مهنة تستحق العمر كله