تل أبيب تخوض حرباً سرية ضد نفط إيران.. وتمويل حزب الله

Avatar18015/03/2021
"المنطقة تشهد حرباً نفطية". هذا ما يخلص إليه المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، في تقرير ترجمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية من العبرية إلى العربية.

“تهريب النفط من إيران إلى سوريا ليس أمراً جديداً. يجري منذ سنوات وقبل أن تفرض إدارة ترامب عقوبات على إيران بعد انسحابها من الاتفاق النووي (2018)، وعلى سوريا بسبب هجمات نظام الأسد ضد مواطنيه. بيْد أن السؤال الذي كانت الأجهزة الاستخباراتية الغربية تطرحه هو كيف تدفع سوريا لإيران مقابل النفط الذي تحصل عليه؟

بدءاً من أيار/ مايو 2018، بعد أن مُنع الإيرانيون من تحويل الأموال من خلال المنظومة المالية الدولية واجهوا مشكلة في الحصول على المال أو على دفعات مقابل النفط الذي يهربونه إلى الصين وكوريا الشمالية وسوريا، وأيضاً إلى دول أُخرى، مثل تركيا (حيث يجري تهريب النفط إليها براً).

شككت الأجهزة الاستخباراتية الغربية، وكذلك في واشنطن وإسرائيل، في أن الأموال مقابل النفط الإيراني المهرب إلى سوريا يتم تبييضها بطريقة من الطرق. حينها بدأت تبرز أخبار تتحدث عن أن الأموال التي تدين بها سوريا لإيران مقابل النفط تأخذ طريقها إلى صندوق حزب الله، وهكذا تضرب إيران عصفورين بحجر واحد: فهي ليست بحاجة إلى تبييض المال بطرق شديدة التعقيد، بواسطة طرف ثالث لا ينتمي إلى المحور الإيراني – الشيعي، كما أنها ليست بحاجة إلى ابتكار وسائل لتحويل المال إلى حزب الله عن طريق مصارف لبنانية تخضع لرقابة دولية.

سوريا تُستخدم كقناة أساسية تنقل إيران من خلالها السلاح إلى حزب الله، بالإضافة إلى مواد حربية وصواريخ ووسائل قتالية أُخرى. الآن أصبحت أيضاً قناة لتحويل المال تستطيع العمل على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة عليها ضمن إطار “قانون قيصر”، الذي يمنع التداول الدولي مع مصارف في لبنان بسبب استخدامها كقناة غير مباشرة لمصارف سورية (تعاني هي أيضاً جرّاء فرض العقوبات عليها). كما هو معروف تستغرق المسافة من دمشق إلى بيروت أقل من ساعتين، ويمكن أن ينتقل المال في الحقائب من دون أي صعوبة، من سوريا مباشرة إلى حزب الله.

يمكن التقدير أن الحرس الثوري الإيراني كان فرحاً بهذا النجاح، حتى بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير 2020، والذي يبدو أنه ابتكر هذه الصفقات الثلاثية – نفط إيراني يهرّب إلى سوريا ببواخر لها علاقة بالحرس الثوري. الاقتصاد السوري المتعطش إلى النفط يدفع ثمنه لحزب الله (على ما يبدو مئات ملايين الدولارات سنوياً).

من الصعب إخفاء البواخر المحملة بالنفط الإيراني. تبحر من ميناء خرج في خليج فارس أو من جزيرة قشم. في المسار القصير يتعين على هذه البواخر إجتياز مضيق هرمز والدخول عبر مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر، ومن هناك تعبر قناة السويس، ومن مرفأ بور سعيد تتوجه إلى الساحل السوري

المسار القصير والمسار الطويل

هذا المثلث من التهريب ومن تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ليس أمراً جديداً على المسرح الدولي. من الصعب إخفاء البواخر المحملة بالنفط الإيراني. تبحر من ميناء خرج في خليج فارس أو من جزيرة قشم. في المسار القصير يتعين على هذه البواخر إجتياز مضيق هرمز والدخول عبر مضيق باب المندب إلى البحر الأحمر، ومن هناك تعبر قناة السويس، ومن مرفأ بور سعيد تتوجه إلى الساحل السوري. هناك تتوقف في عرض البحر وتنقل حمولتها إلى سفن سورية تفرغ النفط على الشاطىء، أو تبحر إلى مرفأ اللاذقية أو مرفأ طرطوس وتفرغ حمولتها هناك.

يدرك الإيرانيون أن هذا المسار مكشوف جداً أمام كل أجهزة الاستخبارات الغربية، بما فيها الإسرائيلية، لذلك حاولوا منذ سنة 2019 إرسال بواخر تتجنب المرور في البحر الأحمر وعبور قناة السويس إلى البحر المتوسط، وتدور حول القارة الأفريقية وتدخل عبر مضيق جبل طارق إلى البحر المتوسط، ومن هناك تبحر نحو سوريا بين مجموع السفن التي تبحر في البحر المتوسط وأيضاً في حوضه الشرقي.

البريطانيون الذين يسيطرون على جبل طارق أوقفوا باخرة من هذا النوع واستولوا عليها بحجة أنها تتوجه إلى سوريا وتخرق العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على هذه الدولة. رد الإيرانيون على ذلك باستيلائهم على باخرة بريطانية في الخليج الفارسي. في نهاية الأمر أُطلقت الباخرتان، والباخرة التي استولى عليها البريطانيون وصلت إلى سوريا مع حمولتها من النفط .

كما هو معروف، المال هو أوكسيجين الإرهاب، ومن دون تمويل إيراني كثيف لا يستطيع حزب الله الاحتفاظ بعشرات الآلاف من المقاتلين، وبمختلف بناه التحتية التي تُستخدم في نشاطاته الاجتماعية والعسكرية. من المعقول جداً الافتراض أن لإسرائيل مصلحة كبيرة في وقف التمويل الإيراني لحزب الله، والعقوبات التي فرضها ترامب على إيران شكلت أداة مهمة بالنسبة إلى وكالات الاستخبارات الأميركية وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

الطريقة الأبسط لاستخدام هذه الأداة هي قطع محور تهريب النفط – من أجل تحقيق هذا الهدف المزدوج؛ وقف الدفعات المالية السورية لحزب الله، ووضع الأسد ونظامه في ضائقة تجبرهما على إنهاء الحرب الأهلية والتخفيف من الاعتماد على النفط الإيراني المهرب.

إقرأ على موقع 180  يا أهل لبنان، خطوتان.. إلى الجحيم!

سلاح البحر والمعركة بين الحروب

على هذه الخلفية من المعقول التقدير أن الخبر الذي نشرته “وول ستريت جورنال” (12 آذار/ مارس الجاري) بشأن هجوم إسرائيل على سفن إيرانية تهرّب النفط إلى سوريا له علاقة بالرغبة المشتركة لكل الدول الديمقراطية الغربية في وقف تمويل إرهاب حزب الله. تحدث تقرير المجلة عن ست هجمات بواسطة ألغام بحرية في سنة 2019 على ناقلات نفط إيرانية كانت تبحر في البحر الأحمر أو في البحر المتوسط في طريقها إلى سوريا، وعدد مواز من الهجمات في سنة 2020 (يمكن الافتراض أن الكشف الآن عن ذلك يأتي من جانب إدارة بايدن التي تلمّح لإسرائيل إلى أن عليها أن تهدأ).

يمكن القول إن المنطقة تشهد حالياً حرباً نفطية من جانب كل الأطراف. قبل عدة أيام قصف النظام السوري وبواخر حربية روسية منشآت لتكرير النفط تشغلها ميليشيات المتمردين السوريين التي تعمل بحماية تركية في منطقة حلب شمال سوريا

في هذه الأثناء، أعلنت إيران أن باخرة شحن تابعة لها تضررت جرّاء تعرّضها لهجوم في البحر المتوسط يوم الأربعاء الماضي. الناطق بلسان شركة البواخر الإيرانية (IRISL) وصف الحادثة بأنها “هجوم إرهابي”. هناك احتمال أن يكون الهجوم على هذه الباخرة الإيرانية، في البحر المتوسط، عملية انتقام للهجوم على باخرة الشحن التي يملكها إسرائيلي في خليج عُمان.

بالعودة إلى ناقلات النفط، إذا كانت إسرائيل فعلاً هاجمت هذه الناقلات، هناك احتمال كبير أن تكون ذراع البحر والوحدات الخاصة فوق الماء وتحتها هي التي قامت بذلك. لكن بحسب تقرير “وول ستريت جورنال”، من بين مجموع السفن التي تعرّضت للهجوم لم تغرق أي باخرة إيرانية، ولم تحترق، فحتى شحنات النفط التي تنقلها لم تُصب بأذى، ولم تتسرب إلى البحر. لذلك لم يقل الإيرانيون شيئاً، ولم يعترفوا بأن بواخرهم تعرّضت للهجوم. أيضاً الإسرائيليون والأميركيون لم ينشروا شيئاً حتى الآن.

من المحتمل أن يكون عناصر “شايطيت 13” هم وراء الهجوم، لكن إسرائيل تملك، رسمياً ونظرياً، وسائل متنوعة ومبتكرة لا بأس بها للمسّ بتهريب النفط الإيراني إلى سوريا من دون إثارة ضجة وبلبلة. يمكن الافتراض أن قطع التمويل عن حزب الله، وخصوصاً عن مشروع الصواريخ الدقيقة والنشاطات الاجتماعية للحزب، هو جزء من أهداف خطة المعركة بين الحروب التي تعرف وسائل الإعلام جزءاً منها ويبقى جزء آخر منها سرياً.

في السنة الماضية، حصل سلاح البحر على ثناء وشهادت تقدير رسمية على أدائه في عمليات لم تُنشَر تفصيلاتها. ومن المعروف أن عدد عمليات المعركة بين الحروب ارتفع كثيراً في السنة الماضية، وأن الذراع البحرية كانت مكوناً مهماً فيها. لكن كمياً كانت عمليات سلاح البحر أقل من سلاح الجو، بينما نوعياً كانت مساهمة سلاح البحر لا تقل أهمية.

قيمة كل باخرة تحمل مئات آلاف البراميل من النفط هو عشرات ملايين الدولارات. عرقلة عمل مثل هذه الباخرة لأيام وأسابيع أو أشهر يشكل ضربة قاسية لحزب الله، وخصوصاً في الفترة الحالية، إذ تعاني منظومة المصارف والاقتصاد اللبناني عموماً حالة انهيار. حزب الله اليوم بحاجة إلى كل سنت يحصل عليه من الإيرانيين بواسطة الأسد، وكل سفينة لا تصل إلى هدفها في الوقت المحدد أو لا تصل أبداً تُلحق ضرراً كبيراً، سواء بالنظام السوري أو بحزب الله.

هنا يُطرح السؤال: هل التلوث الكبير في شواطىء إسرائيل الذي يبدو أن مصدره باخرة تهرّب النفط الإيراني إلى سوريا هو عمل انتقامي إيراني لتعرّض بواخر أُخرى لهجمات تُنسب إلى إسرائيل؟ الجواب هو كلا. بحسب كل المؤشرات والمعلومات، النفط الذي يصل إلى شواطىء إسرائيل تسرب إلى البحر نتيجة عطل وليس عملاً تخريبياً مقصوداً. على ما يبدو حاولت ناقلة تهرّب النفط الإيراني نقله إلى سفينة سورية تستطيع الدخول إلى مرفأ طرطوس أو مرفأ اللاذقية بطريقة شرعية. من الصعب الافتراض أن بقعة النفط هي عمل انتقامي إيراني، لكن ربما الهجوم على الباخرة التي ترفع علم جزيرة الباهامس، والتي يملكها رجل الأعمال الإسرائيلي رامي أونغار، هو جزء من هذه القصة.

في الواقع، يمكن القول إن المنطقة تشهد حالياً حرباً نفطية من جانب كل الأطراف. قبل عدة أيام قصف النظام السوري وبواخر حربية روسية منشآت لتكرير النفط تشغلها ميليشيات المتمردين السوريين التي تعمل بحماية تركية في منطقة حلب شمال سوريا”. (نقلاً عن “مؤسسة الدراسات الفلسطينية“).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  ولاية ماكرون الثانية تنتهي قبل أن تبدأ!