الدستور ليس مواداً جامدة، بل هو فعالية المؤسسات الدستورية التي أنشأها وضمان أداء وظائفها، بدون تدخل أي سلطة في عمل سلطة أخرى أو محاولة الهيمنة عليها أو تحجيمها أو السيطرة على قرارها. فحفظ المؤسسات الدستورية هو واجب والهيمنة عليها وتقزيمها هو خيانة.
فرئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، والحكومة، ومجلس النواب، والمجلس الدستوري هي مؤسسات دستورية نظّم الدستور بعناية واضحة ودقيقة العلاقة في ما بينها.
حدّد الدستور لمجلس الوزراء الذي تناط به السلطة الإجرائية عملاً بالمادتين 17 و65 من الدستور، رئيساً هو رئيس الحكومة الذي يمثلها وهو المسؤول عن تنفيذ قراراتها كما يتولى التنسيق بين الوزراء وله وحده حق اعطاء التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل (المادة 64) وهذه الحكومة تتحمل المسؤولية الجماعية تجاه مجلس النواب فقط (المادة 66) ولهذا فرضت المادة 64 على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة أن يجري استشارات نيابية قبل رفع التشكيلة الحكومية إلى رئيس الجمهورية والتوافق معه على إصدارها، بحيث يتحقق الرئيس من انسجام وتوافق التركيبة الحكومية مع التوجهات النيابية ومراعاة الضوابط المقررة في الدستور، فهذه هي حدود التوافق والتفاهم، إذ أن السلطة ليست أداة فرض وإكراه وإنما هي وسيلة تمارس وفق الصالح العام وصالح الدستور والوطن ولا يجوز استخدامها أداة إكراه للحصول على مكاسب على حسابهما.
عندما يشترط رئيس الجمهورية حصوله على عدد معيّن من الوزراء لكي يوقع مرسوم تأليف الحكومة، فإن رئاسة الجمهورية تكون قد تجاوزت حدود سلطتها وقررت إضافة صلاحيات لها تجاه مجلس الوزراء غير مقررة في الدستور
وما يؤكد استقلالية الحكومة تجاه رئيس الجمهورية أنه عملاً بمبدأ فصل السلطات تقتصر صلاحية رئيس الجمهورية تجاه مجلس الوزراء على حق الطلب إلى مجلس الوزراء اعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس خلال خمسة عشر يوماً (المادة 56) فهذا الدور الرقابي اللاحق يعزز فكرة أن هذه المؤسسة مستقلة عن رئاسة الجهورية.
ولهذا عندما يشترط رئيس الجمهورية حصوله على عدد معيّن من الوزراء لكي يوقع مرسوم تأليف الحكومة، فإن رئاسة الجمهورية تكون قد تجاوزت حدود سلطتها وقررت إضافة صلاحيات لها تجاه مجلس الوزراء غير مقررة في الدستور، وسعت إلى الهيمنة على مؤسسة مجلس الوزراء دون أن تستند في هذا الموقف إلى إجازة دستورية، وهذا ما سيضع المجلس تحت تأثير رئيس الجمهوربة ما يغير طبيعة نظام الحكم المحدد في الدستور ويلغي استقلالية السلطة التنفيذية ويضرب انضباطية الوزراء ويقسّمهم بين وزارة تابعين لرئيس الجمهورية وآخرين تابعين لرئاسة الحكومة ثمّ يحولّ هذه المؤسسة إلى هيئة تابعة لرئاسة الجمهورية أو ضعيفة تجاهه.
إذا ظل رئيس الجمهورية متمسكاً بما يعتبره حقاً من حقوقه الدستورية، فإنه يأخذ البلاد عملياً إلى مرحلة ما قبل إتفاق الطائف عندما كان الدستور يجيز لرئيس الجمهورية أن يعيّن الوزراء وأن يسمي منهم رئيسا وأن يقيلهم، مثلما كانت السلطة الاجرائية، بموجب المادة 17 من الدستور السابق “تناط برئيس الجمهورية، وهو يتولاها بمعاونة الوزراء، وفقا لاحكام الدستور”.