لبنان: “حرب إلغاء” حقيقية.. مكانك راوح حكومياً!
Beirut, LEBANON: Hussein al-Khalil (R) first assistant of Hezbollah leader Sheikh Hassan Nasrallah and Ali Hassan Khalil (L) a minister of Amal movement, are seen in a press conference 02 February 2006 in Beirut. Five pro-Syrian Shiite ministers announced today an end to their nearly two-month long boycott of the Lebanese cabinet, which was sparked by a war of words over the Shiite fundamentalist movement Hezbollah. The ministers, who are members of or close to the Amal and Hezbollah movements, "have decided to end the suspension of their participation" in the government, said Ali Hassan Khalil, an Amal minister. AFP PHOTO/HAITHAM MUSSAWI (Photo credit should read HAITHAM MUSSAWI/AFP via Getty Images)

لو إفترضنا أن مراسيم تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة سعد الحريري، ستذاع هذه الليلة، هل يشي مناخ التأليف، بكل تفاصيله وأفخاخه بوجود نوايا إيجابية تضع البلد على سكة التعافي الإقتصادي والمالي والتحضير للإنتخابات النيابية المقبلة؟

حتى الآن، لا يبدو أن هناك فسحة أمل حكومية حقيقية. إستنتاج سريع ومحبط للآمال، لكن حقيقة المفاوضات الماراتونية لا تفصح إلا عن هذه المقدمة التي لا بد منها.

الشهر السابع من عمر تكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة اللبنانية الجديدة بات على الأبواب، وما زالت الأمور عالقة عند العقد التي ظهرت منذ الأسابيع الأولى: توزيع الحقائب. تسمية الوزيرين المسيحيين. هل يمنح تكتل لبنان القوي برئاسة جبران باسيل الثقة للحكومة الجديدة أم لا يمنحها؟

نزل “الثنائي الشيعي” إلى “ساحة الوغى” الممتدة بين بيت الوسط وبيت البيّاضة. أطلق نبيه بري أرانبه، بعدما أخذ الجواب الذي كان ينتظره من سعد الحريري: نعم أريد تأليف حكومة لكن ليس بأي ثمن وليس بضمانة الفشل المسبق!

من هنا كانت بداية الأخذ والرد. بناء عليه، عمّر بري بشراكة كاملة مع الحريري في إجتماعهما الأخير الطبقة الأولى من البنيان الوزاري، بتوزيع عقلاني للحقائب، سهّل قيام دعامات الطبقة الثانية، التي بدا أنها تحتاج إلى المزيد من التدعيم عبر توزيع عادل للحقائب سياسياً وطائفياً ومذهبياً وصولاً إلى توفير كل عناصر نجاح الحكومة الجديدة إذا تسنى لها أن تولد هذه المرة.

لم يكن خافياً عند “الثنائي” منذ اللحظة الأولى وحتى كتابة هذه السطور أن الحريري وباسيل أصبحا أسيري حرب إلغاء حقيقية. الأول، لا يريد أي تنازل للثاني. لن يبرم إلا تفاهماً دستورياً مع رئيس الجمهورية. يعتبر أن باسيل مصاب بحالة “فجع سياسي” غير قابلة للعلاج. إذا قدم له تنازلاً سيطلب تنازلاً أكبر، وبالتالي، إنتهى زمن التنازلات. أما باسيل، فيتمسك بالمعادلة إياها: أفضل شريك لتأليف الحكومة هو سعد الحريري لكن شرط إعادة إنتاج التسوية بينهما. ما عدا ذلك، لا بد من إستخدام كل الأسلحة المتاحة لأجل دفع الحريري إلى الإعتذار لا إلى التاليف.

أبلغ “الثنائي” المتحاربين أنه مستعد لأخذ حقيبة الطاقة وأن يأخذ تيار المردة من حزب الله وأمل الحقيبة التي يراها مناسبة له (طبعاً بإستثناء حقيبة المالية). عملياً، إنتهت عقدة وزارة الطاقة، وإن كان الأمر يحتاج إلى بعض الرتوش

كيف يمكن التوفيق بين هذين المناخين الإقصائيين؟

يمكن تقسيم القضايا العالقة في ضوء المفاوضات التي خاضها الخليلان (حسين خليل وعلي حسن خليل، ومعهما وفيق صفا) مع باسيل على الشكل الآتي:

أولاً؛ تم تذليل الجزء الأكبر من عقد توزيع الحقائب. عبّر باسيل عن إعتراضه على إسناد وزارة الطاقة إلى تيار المردة “لأن سليمان فرنجية يريد التنكيل بنا”! قرر “الثنائي” تفهم هواجسه. يقتضي الأمر إعطاء حقيبة جديدة للمردة. طُرحت أفكار من نوع أن يضحي الحريري بالصحة لمصلحة المردة وأن تؤول إليه الطاقة، لكن رئيس الحكومة المكلف رفض التنازل عن الصحة. عندها، أبلغ “الثنائي” المتحاربين أنه مستعد لأخذ حقيبة الطاقة وأن يأخذ تيار المردة من حزب الله وأمل الحقيبة التي يراها مناسبة له (طبعاً بإستثناء حقيبة المالية). عملياً، إنتهت عقدة وزارة الطاقة، وإن كان الأمر يحتاج إلى بعض الرتوش.

ثانياً؛ قضية تسمية الوزيرين المسيحيين. قدّم “الخليلان” إقتراحهما القاضي بتحديد الحقيبتين اللتين ستسند لهذين الوزيرين المسيحيين، وهما لن تكونا حقيبتين وازنتين، أي عملياً بلا لون ولا طعم ولا رائحة، بحسابات “أهل الحل والربط” مسيحياً. بناء على هذا التحديد، يمكن إيجاد تسوية بين المنطقين المتناقضين: منطق باسيل الذي يرفض أن يجيز للحريري حق تسمية وزراء مسيحيين، بينما لا يحق للمسيحيين تسمية وزراء مسلمين. قال باسيل إن زمن ميشال سليمان وإلياس الهراوي وإميل لحود قد إنتهى ولن يسمي الوزراء المسيحيون إلا المسيحيين أنفسهم. ميشال عون ليس رئيساً عادياً. هو رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية ومن حقه أن يسمي هؤلاء، على أن يوافق الحريري على الأسماء المقترحة. في المقابل، بدا أن الحريري ليس في وارد أن يتزحزح قيد أنملة عن موقفه هذا. كل من سبقه إلى رئاسة الحكومة، بما في ذلك حسان دياب في زمن “الرئيس القوي”، كان يسمي وزراء مسيحيين، حتى أن الحريري عندما تشكلت حكومته الأولى في عهد عون، ضمت وزيرة مسيحية (فيوليت الصفدي) كان هو من تولى تسميتها. يسري ذلك على حسان دياب الذي سمّى دميانوس قطار إلخ.. “فلماذا يريد جبران باسيل أن يفرض أعرافاً جديدة”؟

يردد العونيون أن ميشال عون ومنذ أول حكومة حريرية في عهده كان يطمح إلى تسمية وزراء مسلمين، فكانت تسمية الوزير السني طارق الخطيب، كما كان يطمح لتسمية وزير شيعي، ولكن “الثنائي” قطع الطريق عليه، وأراد أن يكرر التجربة في حكومة الحريري الثالثة، قبل أن يجيّر التسمية للقاء الوطني التشاوري الذي سمى حسن عبد الرحيم مراد.

إقرأ على موقع 180   بين لبناننا نحن ولبنانهم هم!

في خضم هذا الأخذ والرد، قدّم باسيل إقتراحه الذي صار معروفاً لدى الجميع: يبادر الجميع بإستثنائه والحريري إلى تقديم مجموعة أسماء توضع في سلة ويجري إختيار إسمين من بينها كلها لتولي الحقيبتين الوزاريتين. إقتراح سارع نبيه بري إلى رفضه قبل سعد الحريري الذي ظل متمسكاً بحقه في التسمية.. مهما طال زمن التأليف، معتبراً أن باسيل “يحور ويدور وعينه على الثلث الضامن لكن هذه المرة بشكل مبطن ومستتر”!

يرفض الحريري أصل التسوية برمتها إذا كانت نتيجتها حجب ثقة تكتل لبنان القوي عن الحكومة، وهو يعتبر أن حصة رئيس الجمهورية في هذه الحالة لا يجب أن تتعدى ثلاثة أو أربعة وزراء في أحسن الأحوال. هذا الجواب رفضه باسيل، وأصر على معادلته: هذا عهد ميشال عون وليس ميشال سليمان

أخرج “الثنائي” أرنب التسمية الذي فاجأ الجميع. طالما أننا إتفقنا على تحديد الحقيبتين اللتين ستسندا إلى الوزيرين المسيحيين الأخيرين، لماذا لا نتفق على أن يتم إختيارهما من ملاك هذه الوزارات نفسها. مدراء عامون أو رؤساء مصالح أو رؤساء هيئات إلخ.. وعندها يصح على هؤلاء صفة التكنوقراط، بمعنى أنه جرى إختيارهما من الوزارات التي ستسند إليهما. هذا الإقتراح (ترشيح خمسة أسماء لكل حقيبة) بدا أنه الأكثر واقعية ومقبولية حتى الآن، لكن باسيل قرر التريث وطلب إمهاله بعض الوقت لدرسه قبل أن يعطي جوابه النهائي، علماً أن الحريري لم يُعط أيضاً جوابه الأخير، وإن كانت الصيغة المقترحة يُراعى فيها الشكل عند التسمية بحيث يخرج الطرفان رابحين!

ثالثاً؛ إستحوذت قضية منح الثقة للحكومة على حيز كبير من المفاوضات. من جهة، يصر باسيل على أن التسوية لا تُلزمه بأن تمنح كتلته النيابية الثقة للحكومة الحريرية الجديدة. يُفضل أن يكون معارضاً لها. بالمقابل، يرفض الحريري أصل التسوية برمتها إذا كانت نتيجتها حجب ثقة تكتل لبنان القوي عن الحكومة، وهو يعتبر أن حصة رئيس الجمهورية في هذه الحالة لا يجب أن تتعدى ثلاثة أو أربعة وزراء في أحسن الأحوال. هذا الجواب رفضه باسيل، وأصر على معادلته: هذا عهد ميشال عون وليس ميشال سليمان، ثم ماذا لو قرر حزب الله وحركة أمل ووليد جنبلاط أن لا يشاركوا في الحكومة، من يسمي الوزراء الشيعة أو الدروز عادة؟ هذا الجواب لم يكن مقنعاً لـ”الثنائي” وللحريري لأن الوقائع تشي عكس ذلك. الدليل عندما تألفت حكومة نجيب ميقاتي (2011) وحكومة حسان دياب (2020). في هاتين الحكومتين، لم يسم الحريري أحداً من الوزراء السنة برغم أنه رئيس أكبر كتلة نيابية.

عود على بدء التأليف. باسيل صار مهتماً بلعبة الإعلام أكثر من إنخراطه جدياً في محاولة إيجاد مخارج. بدا حريصاً بعد إنتهاء إجتماع البياضة أن لا يرتد مضمونه سلباً عليه، كما حصل بعد إجتماع بعبدا الأسبوع الماضي. عكس أجواء إيجابية في الإعلام، في محاولة لإظهار الحريري معرقلاً. بالمقابل، كان رئيس الحكومة المكلف يستخدم ترسانته الإعلامية لإبراز دور باسيل التعطيلي، حتى لو إقتضى الأمر إستخدام أسلحة شاشات محسوبة على “الثنائي” أو “بالنص”، والنتيجة حتى الآن صفرية.. أو بالأحرى “طبخة بحص”. لماذا؟ للبحث صلة.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  تفاوض لبنان وإسرائيل: وساطة أميركية تُمهِِل ولا تُلزِم