“انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران ينقل من الآن كل مؤسسات النظام إلى يدي المعسكر المحافظ في الدولة. الانتخابات البرلمانية في السنة الماضية شهدت فوز المحافظين بأغلبية كبيرة. الآن، الرئاسة ستتحول أيضاً إلى ذراع تنفيذية للمرشد الأعلى علي خامنئي – الذي اضطر، حتى قبل ولاية الرئيس الحالي حسن روحاني، إلى الدخول في مواجهة مع رؤساء معارضين، مثل محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني وحتى محمود أحمدي نجاد في نهاية ولايته الثانية.
الرئيس الجديد من المتوقع أن يؤيد “توصيات” قادة الحرس الثوري الإيراني، ويمكن أن يُقر من دون صعوبة سياستهم في البرلمان وأمام المرشد الأعلى نفسه. سبق لرئيسي أن صرّح، بتوجيهات من خامنئي، بأنه يؤيد الاتفاق النووي مع الدول العظمى – “ما دام يخدم مصلحة إيران”. أي اتفاق يمكن أن يعيد فتح قنوات الاستثمارات الأجنبية، واستئناف تدفُّق النفط الإيراني إلى العالم وملء جيوب آيات الله اقتصادياً وسياسياً.
من السابق لأوانه التقدير كيف سيتصرف رئيسي في السياسة الخارجية، وهو مجال يخضع بصورة مطلقة لخامنئي ومستشاريه المقربين. حتى مؤخراً أظهرت إيران رغبتها في استئناف العلاقات مع السعودية، وهي بحاجة إلى شبكة علاقات قوية مع الدول الأوروبية لتحقيق الفائدة التي ينطوي عليها الاتفاق النووي. علاوة على ذلك، علاقات إيران بروسيا أصبحت وثيقة أكثر – وتُعتبر الصين حليفة للجمهورية الإيرانية بعد توقيع البلدين اتفاقاً استراتيجياً في آذار/ مارس الماضي بقيمة 400 مليار دولار لمدة 25 عاماً.
انفتاح الساحة الإيرانية أمام الولايات المتحدة يمكن أن يكون ثمنه باهظاً، وستضطر الولايات المتحدة إلى دفعه لكبح تطوير مشروع طهران النووي
والراهن الآن أنه إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن يتوقع أن يحوّل الاتفاق النووي الجديد إلى رافعة تؤدي إلى اتفاقات تعاون إضافية مع طهران، فإنه سيجد نفسه في مواجهة نظام برئاسة رئيس محافظ متشدد لن يسارع إلى إزالة الجليد الذي يميز العلاقات بين الدولتين منذ الثورة. لكن بايدن لن يواجه فقط النظام الإيراني. مع رفع العقوبات عن إيران من المتوقع أن تتحدى الصين ـ وبنسبة أقل روسيا – سياسة الرئيس الأميركي الذي يسعى لتقليص قوتهما.
انفتاح الساحة الإيرانية أمام الولايات المتحدة يمكن أن يكون ثمنه باهظاً، وستضطر الولايات المتحدة إلى دفعه لكبح تطوير مشروع طهران النووي. وسيكون من الصعب على بايدن أن يحلم بحدوث تغيير داخلي في إيران وتحقيق إصلاحات تتعلق بوضع حقوق الإنسان أو ليبرالية اقتصادية. الرئيس الإيراني الجديد ليس عضواً مؤسساً في منظمة “أمنستي” وفهمه للاقتصاد ليس مثالياً. في بداية حياته السياسية بدا كشخص يؤيد الإعدام ويعتبر حقوق الإنسان اختراعاً غربياً.
“أعتقد أن هذه أكبر جريمة ارتكبتها الجمهورية الإسلامية منذ الثورة والتاريخ سيديننا على ذلك، وسنسجَّل في التاريخ كمجرمين”. بهذه الكلمات اتهم آية الله علي منتظري أعضاء اللجنة التي شكلها المدعي العام في سنة 1988، والتي أصدرت أحكاماً بالإعدام. في صيف تلك السنة، أُعدِم آلاف المعتقلين السياسيين، معظمهم أعضاء في منظمة مجاهدي خلق وآخرون كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي ومن معارضي الثورة الآخرين.
أحد أعضاء لجنة الإعدامات والذي كان يمثل المدعي العام فيها هو إبراهيم رئيسي. الرئيس المنتخَب يتحمل مع سائر أعضاء اللجنة الآخرين مسؤولية الإعدامات في سنة 1988. لقد اعترف رئيسي بأنه حضر الجلسة التي قررت الإعدامات، لكن كونه الأصغر سناً بين الحاضرين لم يكن في وضع اتخاذ القرارات. لاحقاً، كان هناك مناسبات كثيرة أظهر فيها رئيسي بطشه ضد معارضي النظام والمتظاهرين ومنها خلال تولّيه رئاسة جهاز القضاء عندما كان مسؤولاً عن محاكمة مئات المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج في أيار/ مايو 2019.
يترك روحاني وراءه جمهوراً محبطاً خائب الأمل فقيراً أظهر يوم الجمعة عدم ثقته بالنظام من خلال غيابه عن عشرات آلاف صناديق الاقتراع التي وُزعت في شتى أنحاء إيران
بعد أن أصبح في الستين من عمره، وهو الذي فقد والده عندما كان في عمر الخمس سنوات، استطاع رئيسي تولّي مناصب كثيرة في جهاز القضاء الإيراني. كما كان رئيساً لإحدى أغنى الجمعيات الخيرية في إيران (مسؤولية العتبة الرضوية في مشهد) وهو المنصب الذي منحه أساساً اقتصادياً ممتازاً وسيطرة على مصادر دخل مهمة وغير مراقَبة من الدولة. قبل 4 أعوام، رأى خامنئي أنه يستحق أن يكون رئيساً، وربما أيضاً أن يكون وريثاً له عندما يحين الوقت كمرشد أعلى لإيران.
في سنة 2017 جرت الموافقة على ترشيحه للانتخابات الرئاسية في مواجهة روحاني، لكنه خسر ولم يحصل سوى على 38% من أصوات الناخبين. بعد عامين، عُيِّن رئيساً للجهاز القضائي بدلاً من صادق لاريجاني شقيق رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني. وذلك كجزء من مخطط خامنئي لتفكيك عائلة لاريجاني وحرمانها من قوتها السياسية. علي لاريجاني الذي أراد الترشح للانتخابات هذه السنة تم استبعاده من مجلس صيانة الدستور الذي يحدّد مَن يحق له الترشح، وذلك بسبب تأييده الكبير لروحاني.
رئيسي ليس عالم فقه من الدرجة الأولى. لفترة طويلة كان يتباهى بلقب آية الله، لكن بعد نشر بحث عن مسيرة تعليمه، وعن قرار مجلس الشريعة عدم منحه اللقب، توقف عن استخدامه واكتفى بلقب “حجة الإسلام”- درجة أقل من آية الله، مما يجعل من الصعب انتخابه بديلاً من خامنئي، إلاّ إذا جرى تغيير الشروط من أجله.
حتى تولّيه منصبه المنتظر في 3 آب/ أغسطس، سيبدأ رئيسي بتأليف حكومته وطرد أصحاب المناصب العليا الذي عملوا في حكومة روحاني، وبتخطيط سياسة إيران الداخلية والاقتصادية والخارجية بالتشاور مع خامنئي والحرس الثوري. في الفترة المقبلة سيواصل روحاني مع طاقمه المفاوضات والمحادثات بشأن الاتفاق النووي في ڤيينا وسيرغب في إنهاء الاتفاق وتوقيعه قبل انتهاء ولايته الرسمية.
يترك روحاني وراءه جمهوراً محبطاً خائب الأمل فقيراً أظهر يوم الجمعة عدم ثقته بالنظام من خلال غيابه عن عشرات آلاف صناديق الاقتراع التي وُزعت في شتى أنحاء إيران. أقل من 50% ممن يحق لهم الاقتراع شاركوا في الانتخابات، وهذه أقل نسبة مشاركة منذ الثورة الإسلامية في سنة 1979. الوعود الكثيرة التي قدمها روحاني خلال فترتيْ ولايته بقيت حبراً على ورق. الإصلاحات الاقتصادية التي كان من المفترض أن تقلص حجم الدعم وبناء بنية تحتية صناعية تستوعب ملايين العاطلين من العمل، الذين تبلغ نسبتهم أكثر من 20%، لم تفلح في تخطّي جدران معارضة خصومه.
التضخم الذي ارتفع إلى 48% وأدى إلى انخفاض سعر الريال ـ من نحو 50 ألف ريال للدولار إلى أكثر من 250 ألفاً – زاد معدل الفقر وأدى إلى ارتفاعه إلى 70% و80%. الأمل بحدوث تغيير ما في وضع حقوق الإنسان وحرية التعبير تهاوى خلال وقت قصير. الاتفاق النووي الذي كان من المفترض أن يُحدث ثورة اقتصادية مهمة بدأ بإعطاء ثماره مع بدء عمل شركات دولية في إيران – لكن هذه العملية توقفت دفعة واحدة عندما قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق في أيار/ مايو 2018. (المصدر: ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية).