من الآن فصاعداً، أصبحت حركة “طالبان” مسؤولة عن الرسوم الجمركية عند نقطة تفتيش شيرخان بندر، إحدى الممرات الرئيسية لعبور نهر بيانج عند الحدود الطاجيكية-الأفغانية.
أكثر من 130 فرداً من حرس الحدود الأفغان وجنود الجيش الحكومي غادروا نقطة التفتيش التي أقامتها الولايات المتحدة، ولجأوا إلى طاجيكستان.
يوما الأحد والاثنين، استسلم حوالي ألف جندي أفغاني في نقطة تفتيش حدودية أخرى في منطقة إشكاشم وعبروا أيضاً إلى طاجيكستان، حسبما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”.
حقيقة أن 1037 جندياً من الجيش الأفغاني عبروا الحدود، بعدما انسحبوا أمام هجمات حركة “طالبان”، تأكدت أمس الأول على لسان مسؤولي حرس الحدود في طاجيكستان، وفق ما ذكرت وكالة “تاس” .
صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلت عن متحدث باسم “طالبان” يدعى سهيل شاهين قوله إنه بعد الاستيلاء على “البوابة التجارية الرئيسية” لطاجيكستان، اتصلت “طالبان” بالفعل بسلطات جمهورية السوفياتية السابقة، وكذلك بممثلي أوزبكستان، بهدف إعادة التشغيل الطبيعي للمر الحدودي.
على أي حال، استعادت طالبان بالفعل السيطرة على نقاط العبور الحدودية التي طرد منها مقاتلوها منذ أكثر من عقدين.
للتذكير فإنّ فرار الأفغان الموالين لأميركا بات من الملامح الأساسية للانسحاب الأميركي من افغانتسان، لدرجة أن الولايات المتحدة اضطرت إلى اللجوء إلى أوزبكستان وطاجيكستان وكازاخستان لطلب استيعاب هؤلاء “اللاجئين”.
بحسب نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو فإنّ موسكو ودوشانبه تحافظان على اتصالات بين وزارتي الدفاع وأجهزة الحدود للتعامل مع الوضع المستجد.
وشدد نائب الوزير على أن الكثير سيعتمد على كيفية تطور الأحداث في شمال أفغانستان.
وبحسب ما نقلت وكالة “تاس” عن رودينكو فإن روسيا على دراية وافية بأن الوضع متوتر للغاية، حيث أن “طالبان”، وفقاً لبعض المصادر، “تسيطر على ما يصل إلى 70 في المئة من الحدود مع طاجيكستان”.
البوابة العسكرية الأميركية “لونغ وور جورنال” نشرت أمس الأول تقريراً جاء فيه: “جميع المقاطعات تقريباً في المناطق القريبة من الحدود التركمانية والأوزبكية والطاجيكية تخضع لحكم طالبان. يختلف هذا بشكل لافت للنظر عما كان عليه الوضع في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، عندما كان شمال شرق البلاد معقلاً للتحالف الشمالي المناهض لطالبان. في أفغانستان ككل، تسيطر طالبان على 188 مقاطعة وتقاتل من أجل 135 أخرى، بينما لا تزال 70 مقاطعة فقط تحت حكم حكومة كابول”.
يحدث انتقام “طالبان”، التي لم تهزمها القوات الحكومية أو شركاؤها الأميركيون، على خلفية انسحاب متسرع للقوات الأميركية من أفغانستان.
تم إجلاء الجيش الأميركي من المعقل الرئيسي، قاعدة باغرام الجوية بالقرب من كابول، والتي، بالمناسبة، لعبت الدور ذاته في الثمانينيات حين كانت معقلاً لوحدة تابعة للقوات السوفياتية في “جمهورية أفغانستان الديموقراطية”.
غادر الأميركيون باغرام فجأة، تحت جنح الظلام، من دون إبلاغ الحلفاء الأفغان.
بحسب ما ذكرت بوابة “فايينوي اوبوزرينيي” عن القائد الأفغاني الجديد لقاعدة أسدولو كوهيستاني الجوية فإنه “في الليل، انطفأت أضواء القاعدة فجأة، وكانت هناك همهمة.. بعد فترة، أقلعت طائرة نقل عسكرية أميركية. وبعد عشرين دقيقة أعيدت الإضاءة. وفقط في الصباح أدركنا أن الجيش الأميركي غادر باغرام.. لم يكن هناك حفل مغادرة رسمي”.
وبعد إغلاق قاعدة باغرام، لن يبقى في أفغانستان سوى ألف جندي أميركي، سيحرسون مطار كابول والسفارة الأميركية. وفي المستقبل القريب، قد ينخفض عدد الأفراد العسكريين إلى 650.
يقول أندريه سيرينكو، رئيس مركز دراسة السياسة الأفغانية، إن الأميركيين لم يغادروا فقط قاعدة القوات الجوية المهمة استراتيجياً في باغرام، ولكن أيضاً معاقلهم الأخرى في أفغانستان من دون سابق إنذار. ووفقاً لسيرينكو، فإن سلوك الأميركيين في باغرام يشهد مرة أخرى على حقيقة أن الجزء العسكري المفتوح من المهمة الأميركية في أفغانستان انتهى دون جدوى.
ويضيف “الاميركيون يرحلون بصمت وسرية فيما كان الاتحاد السوفييتي يسحب قواته بفخر وبرايات مرفوعة”.
في مقابلة مع “فزغلياد”، يقارن رئيس الاتحاد الروسي للمحاربين القدامى السيناتور السابق فرانز كلينتسفيتش بني الانسحاب الأميركي والانسحاب السوفياتي من أفغانستان.
يشير كلينتسفيتش الذي خدم بين العامين 1986 و1988 في فوج المظليين 345 التابع للجيش السوفياتي، والذي كان متمركزاً في قاعدة باغرام الجوية نفسها، إلى أنه كجزء من التسوية بين الأفغان، بدأ انسحاب القوات السوفياتية في العام 1988، واستمر حتى شهر شباط/فبراير من العام 1989.
ويضيف “الآن يمكننا أن نتحدث عن الاختلافات في إتمام عملياتنا وبين اتمام العمليات الأميركية: أعلن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية عن انسحاب القوات قبل عام من بدء العملية، وبعد ذلك سحب قواته تدريجياً حتى 15 شباط/فبراير عام 1989. كانت علاقاتنا جيدة مع القوات الأفغانية ونظام محمد نجيب الله. لم نكن مضطرين لتلك الخطوة المخزية التي قام بها الأميركيون”.
بعد انسحاب القوات السوفيتية، قاومت حكومة نجيب الله قوات “الدوشمان” لأكثر من ثلاث سنوات. فقط في عام 1992، وبعد وقف كامل للمساعدات الروسية (على اثر انهيار الاتحاد السوفياتي)، تم تدمير هذه الحكومة الأفغانية على يد المجاهدين الذين كانوا مدعومين من الولايات المتحدة وباكستان والمملكة العربية السعودية.
للمقارنة، وفقاً لأجهزة الاستخبارات الأميركية، قد يفقد النظام الحالي الموالي لأميركا بقيادة الرئيس أشرف غني السيطرة على أفغانستان في غضون ستة أشهر.
علاوة على ذلك، فإن الحكومة الأفغانية – الدمية بقواتها المسلحة ستبدأ في غياب الأميركيين في بناء علاقات مع حركة “طالبان”، وكل هذا بسبب فشل الاستراتيجية الأميركية.
حاول الأميركيون لفترة طويلة بناء علاقات مع “طالبان”. لقد نجحوا لبعض الوقت، لكنهم الآن عادوا إلى وضعهم السابق، والدليل على ذلك النشاط المتجدد لحركة “طالبان” على الحدود الأفغانية الطاجيكية منذ بدء عملية الانسحاب.
كانت مهمة القوات الأميركية في أفغانستان هي تحقيق استقرار الوضع في البلاد، وإنشاء قوات أمن وحكومة وجيش قادرة هناك.
يقول الخبير العسكري العقيد في الاحتياط إيغور كوروتشينكو: “في الواقع، لم تنفذ الولايات المتحدة أياً من المهام” في أفغانستان. ويشدد على أن الأميركيين يتركون وراءهم دولة ذات حكومة عاجزة فيما الصناعة الوحيدة المربحة هي إنتاج المخدرات.
يضيف كوروتشينكو “عندما غادرنا أفغانستان، كانت الحكومة التي دعمناها في كابول تسيطر على جزء كبير من أراضي الجمهورية. بالإضافة إلى ذلك، شاركت القوات السوفياتية ليس فقط في العمليات العسكرية، بل أيضاً في العمليات الإنسانية – ترميم الجسور والطرق وإزالة الألغام.. كل هذا ساهم في التنمية السلمية لأفغانستان”.
برأي كوروتشينكو “من الواضح أن الولايات المتحدة لم تحدد لنفسها مهمة إعادة بناء أفغانستان وتطويرها، وكان هذا هو السبب الواضح لفشلها”.
ومع ذلك، يرى كوروتشينكو إن “لا داعي للرقص فوق العظام الابتهاج بفشل العملية الأميركية، لأن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يشكل تهديداً لأمن روسيا”.
أصبحت زعزعة استقرار أنظمة ما بعد الاتحاد السوفياتي في آسيا الوسطى أمراً محتملاً تماماً. لم يتضح بعد كيف ستتطور الأحداث، وكيف ستتعامل روسيا مع حقيقة أن “طالبان” يمكن أن تنتصر في أفغانستان وأن تبدأ في تصدير التطرف الإسلامي إلى دول ما بعد الاتحاد السوفياتي.
(*) عن صحيفة “فزغلياد” الروسية