أزمتا كوبا وهايتي.. كل الطرق تقود إلى فلوريدا!     

أزمتان دوليتان فاجأتا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بفارق أيام: إغتيال الرئيس الهايتي جوفينيل مويز في السابع من تموز/يوليو الجاري والإحتجاجات غير المسبوقة في كوبا في الحادي عشر منه. وليس القاسم المشترك الوحيد بين الأزمتين قربهما من الولايات المتحدة جغرافياً فحسب، بل هو الإمتدادات الأميركية في الأزمتين كلتيهما.      

ووقت يستعجل بايدن سحب ما تبقى من قوات أميركية من افغانستان، ويستعد بعد أيام لإستقبال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض ليبحث معه في احتمال انسحاب القوات الأميركية من العراق، لا تبدو شهية واشنطن مفتوحة على تدخل عسكري خارجي في الوقت الحاضر.

لكن ذلك لا يلغي المخاوف الأميركية من تنامي النفوذين الصيني والروسي في النصف الغربي من الكرة الأرضية في العقود الأخيرة، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تحشد قواتها في أفغانستان والعراق وسوريا والخليج العربي وتنشغل بـ”الحرب على الإرهاب”.

ويأخذ خبراء أميركيون على الإدارات الأميركية في العشرين عاماً الأخيرة، أن اهتمامها كان ضئيلاً بدول أميركا اللاتينية مما أفسح في المجال أمام “القوة الناعمة” الصينية والروسية وحتى الإيرانية للتغلغل في المنطقة، لا سيما بعد تفشي وباء كورونا، ومد بكين وموسكو يد العون للعديد من الدول لمكافحة الوباء. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعمل الصين على تشييد 40 ميناءً في دول أميركا اللاتينية، ناهيك عن القروض.

لغز هايتي

حتى الآن لم ينجلِ لغز تسلل 28 من المرتزقة معظمهم كولومبيون إلى منزل الرئيس الهايتي جوفينيل مويز، حيث عمدوا إلى قتله وإصابة زوجته بجروح خطرة. إلا أن التحقيقات الجارية في هايتي توصلت إلى معرفة أن معظم المشاركين في عملية القتل كانوا موظفين سابقين في أجهزة إنفاذ القانون الأميركية وبينها مكتب التحقيقات الفيديرالي وأنهم على صلة بشركة أمنية تتخذ ولاية فلوريدا الأميركية مقراً لها. وتبين أن العقل المدبر للعملية ويدعى كريستيان إيمانويل سانون، دخل هايتي على متن طائرة خاصة في حزيران/يونيو الماضي. وعمد سانون إلى استئجار المرتزقة من شركة “سي يو تو” في فلوريدا على أساس تأمين الحماية له، لكن عندما وصلوا إلى هايتي تغيرت مهمتهم.

تبقى المخاوف لدى إدارة بايدن من احتمال نشوب حرب أهلية أخرى في هايتي، وتالياً تدفق موجة جديدة من اللاجئين نحو الأراضي الاميركية

وإلى أن تتضح ملابسات الإغتيال، فإن رد الفعل الأولي لإدارة بايدن كان استبعاد إرسال قوات إلى أفقر بلدان أميركا اللاتينية والإكتفاء بإرسال كتيبة من المارينز لتعزيز أمن السفارة الأميركية في بور-أو-برنس العاصمة. لكن يبدو أن بايدن الذي ينسحب من أفغانستان للتو لن يجازف بإرسال قوات إلى بلد آخر في الوقت الحاضر، على رغم أن الولايات المتحدة لها تاريخ حافل بالتدخلات في أميركا الوسطى والكاريبي في القرن العشرين وسط إضطرابات كانت تعصف بالمنطقة. وعقب الحرب العالمية الثانية، وقفت أميركا خلف انقلابات ناجحة وفاشلة في غواتيمالا وكوبا والبرازيل. وإبان الحرب الباردة، وقعت أميركا اللاتينية مراراً ضحية حروب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا، بينما كان الجانبان يغذيان النزاعات في نيكاراغوا وغرينادا وبناما، وفق ما أوردت لارا سيلغمان في مجلة “بوليتيكو” الأميركية.

وفي عام 1994 غزت الولايات المتحدة هايتي لإطاحة النظام العسكري الذي وصل إلى السلطة في إنقلاب عام 1991 وأسقط الرئيس المنتخب جان-برتراند أرستيد. وقبل ذلك بـ90 عاماً أرسل الرئيس وودرو ويلسون المارينز إلى هايتي عقب اغتيال الرئيس الهايتي فيلبروم غيوم سام في تموز/يوليو 1915. واحتلت أميركا الجزيرة حتى 1934.

وبحسب رئيس مؤسسة الحوار الأميركي الداخلي مايكل شفتر فإن التدخلات العسكرية الأميركية في هايتي “لم تسفر كلها عن نهايات سعيدة. والدعوة إلى إرسال قوات لا تلقى استحساناً كبيراً من المجتمع الهايتي، الذي تكبر لديه الشكوك حيال اللاعبين الخارجيين في الشؤون الداخلية للبلاد”.

ومع ذلك تبقى المخاوف لدى إدارة بايدن من احتمال نشوب حرب أهلية أخرى في هذا البلد، وتالياً تدفق موجة جديدة من اللاجئين نحو الأراضي الاميركية.

كوبا ضحية مَن؟    

أما كوبا، فإن سياق الأحداث فيها مختلف. إذ دفعت الضائقة الإقتصادية الناجمة عن العقوبات الإقتصادية الأميركية معطوفة على تداعيات وباء كورونا، الناس إلى النزول إلى شوارع هافانا ومدن كوبية أخرى.

جزء كبير من الناس الذين تظاهروا تحركوا على نحوٍ عفوي، من دون أن ينفي ذلك وجود بعض المعارضين للنظام الذين استغلوا الضائقة الإقتصادية كي يضغطوا أكثر على الرئيس ميغيل دياز-كانيل الذي تسلم الرئاسة من راؤول كاسترو شقيق فيديل كاسترو عام 2018.

هناك سباق شرس بين الديموقراطيين وبين ترامب الذي لا يزال له الكلمة الفصل في الحزب الجمهوري، على الفوز بتأييد اللوبي الكوبي في فلوريدا. وهكذا جعل الجمهوريون والديموقراطيون من كوبا شأناً أميركياً محلياً محضاً

في عام 2014، حصل تطبيع كامل بين كوبا والولايات المتحدة إبان ولاية الرئيس السابق باراك أوباما. لكن ذلك لم يدم طويلاً، إذ عمد خلفه دونالد ترامب إلى إلغاء كل خطوات الإنفتاح على كوبا وشدد العقوبات المفروضة منذ عام 1962، وزاد عليها 240 عقوبة اقتصادية شلّت الإقتصاد الكوبي، على رغم تكيفه مع العقوبات القديمة، وهذا ما أطلق عليه دياز-كانيل سياسة “الخنق الإقتصادي”. وقبل أيام من مغادرته البيت الأبيض، أضاف ترامب كوبا إلى لائحة الدول الراعية للإرهاب.

إقرأ على موقع 180  إنتخابات 2022.. بداية تسوية أم شرارة أزمة؟

وأتى وباء كورونا ليزيد الأمور تعقيداً. وباتت كوبا التي أرسلت أطباءها ذائعي الصيت في بداية تفشي الفيروس إلى دول أخرى في أميركا اللاتينية لمساعدتها في احتواء الوباء، في حاجة هي إلى المساعدة لمكافحة الموجة الثانية من الفيروس، وذلك بسبب النقص الحاد في الأدوية. كما إنكمش الإقتصاد بنسبة 11 في المئة العام الماضي بسبب تراجع السياحة بشكل كبير (مليون سائح في 2020 فقط أي خمس العدد المعتاد سنوياً)، وهذا أدى بدوره إلى إنعدام العملة الصعبة.

اللوبي الكوبي

وبحسب مجلة “تايم” الأميركية، فإن الإفتقار إلى العملة الصعبة، أثّر على حصول كوبا على الوقود والسماد الزراعي. وانعكس ذلك على محصول السكر، الذي كان العام الماضي الأدنى منذ قرن. والسكر مادة رئيسية للتصدير في كوبا. أضف إلى ذلك إنقطاع متكرر في الكهرباء. وتلخص المجلة أسباب ما سمته بـ”الإحتجاجات النادرة” في كوبا بـ”تضافر الرفوف الشاغرة في المحال التجارية، وحالة الشلل التي تسبب بها الوباء، ووسائل التواصل الإجتماعي”.

غاية ترامب من تشديد العقوبات على هافانا، كانت بدافع إسترضاء اللوبي الذي يشكله المنفيون الكوبيون في ولاية فلوريدا. هؤلاء انتخبوا ترامب عام 2016، وكذلك عام 2020. وفلوريدا من الولايات الرئيسية التي تحدد هوية المرشح الذي يدخل البيت الأبيض عادةً. وقلما فاز مرشح رئاسي من دون أن تكون فلوريدا إلى جانبه. وبايدن أول مرشح منذ عقود يفوز بالرئاسة، من دون فلوريدا.

وما يحيّر المراقبين الآن، هو التردد الذي يبديه بايدن حيال رفع الإجراءات التي فرضها ترامب على كوبا. وهو كان وعد خلال حملته الرئاسية، بأنه سيعمل على إعادة النظر في هذه الإجراءات. لكن بعد مضي أكثر من ستة أشهر على دخوله البيت الأبيض لم ينفذ وعده.

البعض يعزو ذلك إلى سعي الديموقراطيين نحو إستمالة الكوبيين المنفيين في فلوريدا، كي يضمنوا لمرشحيهم الفوز في انتخابات منتصف الولاية العام المقبل. وهناك سباق شرس بين الديموقراطيين وبين ترامب الذي لا يزال له الكلمة الفصل في الحزب الجمهوري، على الفوز بتأييد اللوبي الكوبي في فلوريدا. وهكذا جعل الجمهوريون والديموقراطيون من كوبا شأناً أميركياً محلياً محضاً!

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  الكاظمي رئيساً للحكومة.. راكب الليث في الصحراء