ما بعد 4 آب بعيون فرنسية: حتماً سيُولد لبنان جديد

كيف تنظر الفعاليات الفرنسية المهتمة بالملف اللبناني الى الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت وما آلت اليه المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون، قبل سنة تقريباً، وما هي تصوراتها لمستقبل لبنان؟

بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت طلب موقع 180 بوست من عدد من الشخصيات الفرنسية المعنية بالوضع اللبناني والمتابعة لملف العلاقات الفرنسية – اللبنانية اعطاء انطباعاتها عن الوضع في لبنان وتصورها لمستقبل هذا البلد.

بيكرس: ضرورة اعادة بناء الثقة

السيدة فاليري بيكريس رئيسة منطقة ايل دو فرانس التي تضم العاصمة باريس، هي وزيرة ونائبة سابقة واحد ابرز وجوه المعارضة اليمينية المعتدلة وقد أعلنت مؤخراً ترشحها للانتخابات الرئاسية لسنة 2022.

وبيكرس تُعير إهتماماً خاصاً للموضوع اللبناني بدأ مع التزامها السياسي ونشاطها البرلماني وهي تشرف اليوم على رعاية التعاون بين منطقتها ومدينة بيروت التي زارتها اكثر من مرة.

تقول بيكريس ان كارثة مرفأ بيروت “أحدثت لدينا اضطراباً كبيراً. بعد مرور عام اريد ان اجدد تضامننا الكامل مع الشعب اللبناني ومشاطرته الاسى والحزن في ذكرى الضحايا. كما اتفهم أيضاً غضب أهالي الضحايا وغضب الشعب اللبناني، ويحق لهم معرفة الحقيقة نظراً لأن التحقيق لم يحرز تقدماً برغم مرور عام كامل. واعرف أيضاً ان هذه الكارثة جاءت لتضاف على الازمة السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها لبنان دون أن ننسى أيضا الازمة الصحية طبعاً. اريد ان اغتنم مناسبة هذه الذكرى الأليمة للتأكيد اننا مع الشعب اللبناني بكل جوارحنا”.

وترى أنه من الضروري تشكيل حكومة سريعا من اجل السير بعملية انقاذ البلد والتجاوب مع تطلعات الشعب اللبناني التي عبّر عنها في الشارع، “وينبغي وبشكل ملح إعادة بناء الثقة بالمؤسسات العامة والقيام بالإصلاحات الضرورية لاعادة تعويم البلاد”.

وتتابع: “على أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً تكثيف الضغوط من اجل التوصل لذلك وعدم التردد في فرض العقوبات ضد القادة الذين يعرقلون عملية الانهاض لأن لبنان في خطر. ولم يعد هناك متسعاً من الوقت لاضاعته”.

وأشارت بيكريس الى ان “منطقة ايل دو فرانس التي تقيم تعاوناً تاريخياً مع مدينة بيروت، قامت بالكثير هذه السنة على الصعد الصحية والإنسانية والتربوية. ومنذ آب/أغسطس الماضي، جرى تقديم اكثر من مليون ونصف مليون يورو من المساعدة والدعم للبنان عبر شراكة مع الجمعيات والمنظمات غير الحكومية واننا بصدد المتابعة، وسنبقى دائماً الى جانب اللبنانيين”.

لافارد: استمرارية الدولة على المحك

رئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية – اللبنانية في مجلس الشيوخ الفرنسي السيناتورة كريستين لافارد عادت نهاية الاسبوع الماضي الى باريس بعد زيارة استمرت عدة أيام إلى لبنان على رأس وفد اجرى لقاءات مع قيادات رسمية وسياسية وروحية اللبنانية اضافة الى زيارات ميدانية إلى مرفأ بيروت ومستشفى الكرنتينا وغيرهما من الأماكن.

في حقيبة العودة جملة انطباعات تكونت لدى اعضاء الوفد الفرنسي تحدثت عنها لافارد قائلة:

1-لدينا شعور ان هناك ارادات حيوية واشخاصاً يرغبون في الاستثمار والمساهمة في عملية انهاض الاقتصاد والمجتمع في البلاد، ولكن كل هذه المبادرات مخنوقة الى حد ما نظراً لعدم وجود حكومة. فالامر الاكثر الحاحاً تاليف حكومة جديدة ووضع الاصلاحات الهيكلية الضرورية كالكهرباء ومياه الشرب التي قد تفتقد قريباً اضافة الى تامين شفافية القضاء واستقلاليته.

2-من الاولويات، التي ينبغي ايلاءها كل عناية واهتمام لتمكين المجتمع اللبناني من اعادة بنائه وصيانة وحدته، العمل على تحصين هذا البلد تربوياً وصحياً وغذائياً.

3- قوى المجتمع المدني التي رات النور غداة 17 تشرين الأول/اكتوبر 2019 وخصوصا تلك الطاقات الشابة، لديها الرغبة في الالتزام والاستثمار والانخراط  في العمل العام والحياة السياسية اللبنانية والجميع ينتظر بفارغ الصبر الاستحقاقات الانتخابية المقبل في 2022 ويجب ان تجري هذه الانتخابات في مواعيدها وان تتم بشكل شفاف كامل مع وجوب احترام حريتي التعبير والاقتراع، وبعضهم طالب بمراقبة دولية للاشراف على حسن سير العملية الانتخابية.

4-اتمام العملية الانتخابية وتنظيمها وتأمين حسن سير عمل المؤسسات كل ذلك يبقى مرتبطاً بقدرات الدولة اللبنانية وامكاناتها من خلال متابعة صرف معاشات الموظفين كي لا يضطروا لترك مراكزهم لتامين حاجات وسبل عيش عائلاتهم. فاستمرارية الدولة اللبنانية على المحك من خلال المحافظة على الوظيفة العامة وتوفير مقومات بقاء العاملين فيها والعيش الكريم.

5-المبادرة الفرنسية لا تزال موجودة من خلال المؤتمر التضامني الثالث في 4 آب/أغسطس، كما جرت مؤتمرات موازية لدعم الجيش اللبناني الذي يعاني من مشكلات كبيرة. أما موضوع تحريك الاموال المقررة في مؤتمر سيدر فيبقى مشروطاً بتنفيذ الاصلاحات الهيكلية الضرورية.

6-فرنسا ستبقى الى جانب الشعب اللبناني لمساعدته على البقاء ولكنها لن تذهب ابعد من دورها، فلبنان بلد سيد وديموقراطي ينبغي على فريق لبناني ان يتحمل مسؤوليته وفي كل الاحوال ستواكب فرنسا اعادة تأهيل المؤسسات وانهاض اقتصاد البلد.

7-العقوبات الديبلوماسية التي تقررت على مستوى فرنسا والعقوبات الاقتصادية على مستوى الاتحاد الاوروبي تأخذ مسارها.

8-الأمل في ان يتمكن اللبنانيون من الثقة بانفسهم لأن أي حل يجب أن ينبثق من اللبنانيين أنفسهم فمصيرهم اليوم واكثر من أي يوم مضى بين أيديهم. انهم يتمتمعون بالطاقة اللازمة وخصوصاً العلم ولا ينقصهم الا اطار سليم لدولة غير قائمة على الفساد.

بيزنسونو: تغيير جذري في حوكمة لبنان

السفير برتران بيزنسونو عرف لبنان في صباه حين أمضى عشرة أعوام فيه وتلقى دروسه وتعلم العربية في مدارسه، ثم تابع أوضاعه من خلال المراكز الديبلوماسية التي تنقل فيها كسفير لفرنسا في قطر والسعودية وكمستشار ديبلوماسي للحكومة الفرنسية وموفداُ للرئيس ايمانويل ماكرون الى دول الخليج، وهو اليوم من خلال عمله التطوعي يتولى سفارة منظمة مالطا ذات السيادة لدى الحكومة اللبنانية.

إقرأ على موقع 180  الحرب، الكساد، الإكتئاب.. وإحتمالات الفوضى الشاملة

يقول بيزونسونو: “انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020 كان صدمة رهيبة. حجم الدمار الاستثنائي والخسائر البشرية الفادحة وقوة الانفجار الهائل تركت لدينا ابلغ الاثر. وبيروتنا هذه المدينة الحية التي نحب اصيبت بجرح بليغ مثل الحريق الذي اصاب كاتدرائية نوتردام في باريس، لم نصدق اعيننا واعتقدنا ان هذا الامر غير صحيح، وهذه المأساة لم تكن عادلة لأنها جاءت لتضاف الى الأزمات السياسية والاجتماعية والصحية التي تصيب هذا الشعب الشقيق والمحب”.

ويضيف: “اليوم وبعد عام على هذا الحادث المأساوي، الوضع، وللاسف، لم يتحسن برغم تفاني واندفاع الشباب اللبناني لاغاثة الضحايا واصلاح الأضرار. من الأكيد ان المساعدة الانسانية الدولية كانت مكثفة، لكننا نعرف انه من دون تغيير جذري في حوكمة البلد، لن تتحقق عملية اعادة البناء الحقيقية للبنان. اذاً من الملح اتخاذ اجراءات ضرورية لخلاص لبنان وولادة جديدة لما كان يوصف بسويسرا الشرق”.

ويتابع: “لا يمكننا الا ان نعرب عن الامل في ان يتمكن رئيس الوزراء المكلف من تأليف سريع للحكومة من اختصاصيين والمباشرة بالاصلاحات الضرورية، والا فان نزف الطاقات سيستمر ذلك ان الرأسمال البشري القيم يشكل الثروة الأولى للبنان”.

ويشير بيزونسونو الى انه “ينبغي المحافظة على الأمل، لأن لبنان سبق له وان عرف أزمات خطيرة جداً. بامكانه الاعتماد على شبيبته التي ترغب بالعيش في وطنها والاعتماد ايضاً على الانتشار المهم في العالم والمستمر في اخلاصه لارض الأجداد وعلى دعم المجتمع الدولي فور المباشرة بتطبيق الاصلاحات الهيكلية”. ويضيف أن هذه الازمة الرهيبة “أظهرت ان كل اللبنانيين من كل الانتماءات يأملون في قيامة وطنهم الغالي ويرغبون في احداث تغيير بالعمق لنظام الحوكمة الحالي. ان الشباب يؤمنون في قيم المواطنية والتضامن العابرة لكل الانقسامات الطائفية”، ويختم بيزنسونو مداخلته الوجدانية قائلاً: “من معاناة ووجع انفجار 4 آب/اغسطس كلي قناعة بولادة جديدة لموطن الأرز”.

غولنيش: استمرار التوازن شرط للبقاء

المونسنيور باسكال غولنيش المدير العام لـ”مؤسسة عمل الشرق” (اوفر دوريان) يعرف جيداً لبنان ودول منطقة الشرق الاوسط التي تهتم بها المؤسسة عبر تقديم الدعم والمساعدة. مواقفه تحمل صدى كنيسة فرنسا ودوائر الكرسي الرسولي. فهو رافق الرئيس ماكرون خلال زيارته الأخيرة الى بيروت كما شارك في نهاية شهر حزيران/يونيو الماضي في اجتماعات الجمعية العامة لهيئة “رواكو” المهتمة بدعم الكنائس الشرقية برئاسة البابا فرنسيس في الفاتيكان.

وقد بادرت “مؤسسة عمل الشرق” منذ انفجار 4 آب/أغسطس في اطار المساعدات الطارئة إلى تقديم الدعم وتمويل 85 مشروعاً وورشة عمل وترميم مدارس ومنازل ومستوصفات ومستشفيات وكنائس واديرة ومعاهد بقيمة تجاوزت مبلغ 2.4 مليون يورو.

ويقول غولنيش: “بمناسبة الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت ينبغي النظر الى الأزمة المتعددة التي يعاني منها لبنان كأزمة يكمن مصدرها بلا شك في التوترات الاقليمية والدولية التي تستهدف الشرق الأوسط وانما ايضاً نتيجة عدم التئام جرح الحرب الأهلية”. ويضيف “اللبنانيون اليوم هم في قلب المعاناة والاسى والذهول، وهذا ما يؤدي الى إفتقاد القدرة على تحديد سبل معالجة الشلل. على المجتمع الدولي ان يلعب دوره للحؤول دون انجرار لبنان الى عنف مدمر يترك آثاراً قد تتعدى حدوده وصولاً الى تهديد التوازنات الدولية”.

وحسب غولنيش فإن المنقذين الحقيقيين للبنان هم اللبنانيون أنفسهم “وعلى لبنان ان يرفع رأسه وعلى اللبنانيين ان يستعيدوا اعتزازهم بانتمائهم للبنان”، ويضيف: “لدى لبنان فرصة ينبغي المحافظة عليها واستغلالها. ينبغي اولاً، انقاذ شبكة المدارس اللبنانية وهي حيوية للاجيال الجديدة واساسية للتوازن الاجتماعي للبنان. وينبغي ثانياً، انقاذ القطاع الاستشفائي والعمل على تأمين سبل بقاء العاملين في المجال الصحي على ارضهم وتامين وصول الادوية الاساسية. وسيكون من المؤسف ان تستفيد البلدان الاوروبية من هذه الازمة لتسهيل هجرة هؤلاء العاملين لمصلحتها. وينبغي ثالثاً اعادة اطلاق الاقتصاد من خلال اتخاذ مبادرات ممكنة على الارض في مجالات متعددة كالصناعة والزراعة والحرف”.

ويلفت غولنيش الإنتباه الى ان اللبنانيين على حق في عدم انتظار اي شيء من دولة فاشلة، “ولكن في لبنان يجب ان نتمكن من التحرك خارج اطار الدولة. ولدى اللبناتيين القدرة على اتخاذ هذه المبادرات. ان فرنسا والكنيسة تقفان الى جانبهم ولكن لا يمكنهما الحلول مكان شجاعة وعمل اللبنانيين انفسهم”.

ويرى غولنيش “أن الوقت ليس وقت الانين والاتهامات وتصفية الحسابات بل هو وقت الانصراف الى استكشاف مسارات جديدة لاخراج لبنان من ازماته الماساوية. ان لبنان ولد من خلال توازن طائفي فريد في الشرق الاوسط مكّنه من العيش في ظل حقوق الانسان والحريات الاساسية في الشرق الاوسط. وهذه فرصة كبيرة وكل تعرض لهذا التوازن يضع لبنان في خطر قاتل. على العكس ينبغي الاستعداد للانتخابات (النيابية) المقبلة والعمل على تجديد الطاقم السياسي وتمكين بروز مسؤولين جدد والعمل على اعداد العلمانيين في خدمة بلدهم”.

وينهى غولنيش حديثه قائلاً: “لبنان سيعيش وسيتغلب على هذه الازمة وينبغي ان بستمر مثالاً للعيش المشترك والمسؤولية المشتركة وان يبقى نوراً للشرق بأكمله. ان رسالة اللبنانيين هي داخل لبنان وعلى اللبنانيين في الانتشار تنظيم انفسهم بشكل ملح من اجل دعم مواطنيهم. واخيرا ينبغي ان تتوفر الشروط لكي يتسنى للاجئين العودة سريعاً الى ارضهم”.

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  أين القضاة الشرفاء في لبنان؟