“أوميكرون”.. كورونا بحلة جديدة ومرعبة!

إنّها ليست توقعات مشاهير المنجمين في بلادنا، بل كلام العلماء منذ انطلاق جائحة كورونا قبل سنتين: هذا الفيروس لن يكفّ عن مباغتتنا فتوقعوا متغيّرات دائمة.

للأسف لم يؤخذ هذا الكلام على محمل الجد، لا مع النسخة “ألفا” وكل أنسبائها وصولًا إلى “دلتا”.. واليوم مع متحوّر جنوب أفريقي جديد أطلقت عليه منظمة الصحة العالمية إسم: “أوميكرون” (Omicron).

أكثر من 30 طفرة (تغيير) جينية موجودة في المادة الوراثية لهذا المتغيّر “أوميكرون”، وحسب تعبير العلماء “فإنّها مقلقة للغاية” لأنّ هذه الطفرات اجتمعت في البروتين الشوكي spike protein وهنا مكمن الخطر كونها تتيح له التملص من المناعة المكتسبة عبر اللقاحات بل والإصابات السّابقة، بالإضافة إلى سرعة انتشار كبيرة في بعض أنحاء دولة جنوب أفريقيا ومن ثمّ انتقاله عبر البحار بالاعتماد على المسافرين إلى دول أخرى في أوروبا وشرق آسيا.

10 طفرات على مستقبلات الربط والدخول إلى الخلايا خلف هذه السرعة العالية في الإنتشار، بينما المتغيّر “دلتا” إجتاح العالم بطفرتين فقط، إذًا هل نحن أمام كابوس الرعب ذاته من جديد؟

هذا القدر العالي من الطفرات لا بدّ أنّه أتى من مريض واحد لم يستطع جسمه التغلّب على الفيروس، فتغيّر هذا الأخير داخله مرّات ومرّات حتى وصل إلى هذه النسخة الجديدة التي سبّبت العدوى لمن حوله.. فكان المريض رقم صفر الجديد.

لا تأكيدات علميّة تثبت فعالية عالية للقاحات المتاحة بين أيدينا ضدّ هذا المتغيّر الجديد، ولكن تبقى هي الحلّ الأمثل لمكافحة الانتشار الجديد ولا بدّ من التأكيد دائمًا أنّ السّبب الأساس في ظهور المتغيّرات أصلًا هو ضعف التلقيح من جهة (نسبة الملقحين في جنوب أفريقيا لم تتجاوز الـ 24% وفي الهند 3% عند انتشار المتحوّر “دلتا”) والسّماح بانتشار الفيروس على مستوى واسع بين السّكان من جهة ثانية، وهذا ما حصل فعلًا في بريطانيا والهند.

ولكن حتى الآن لا يمكن الجزم بأنّ هذا المتغيّر سيكون أكثر شراسة وفتكًا وإماتة، فالدراسات حوله هي في بداياتها وعلينا الانتظار أكثر، وخلال هذا الوقت علينا الإبقاء على الكمامة على الفم والأنف وعدم التهاون أبدًا في ما يتعلّق بالإجراءات الصحيّة.

نواجه على المستوى الوبائي خطرين مجتمعين سويًا: الأول هو فيروس كورونا ومتغيّراته الدائمة، والثاني هو فيروس الانفلونزا الموسمي الذي يتنامى خطره مع الطقس البارد والجاف الذي نقف على أعتابه هذه الأيام، وما يزيد من خطر العدوى هو التجمعات البشرية في أماكن مغلقة

كيف نتعامل في لبنان؟

“لا تقلق إنّه رشح بسيط”، “لا تهتم هذه حساسية موسمية”، “لا مشكلة إنّها ليست كورونا”، “لقد خضعت منذ قليل لفحص pcr وها أنا الآن معكم”!

هذه عيّنة من الأجوبة اليومية التي نسمعها عندما نسأل عن الإجراءات الوقائية، وقلّة تتعامل مع الأمر بجديّة مطلوبة إلى حدّ اعتبار العوارض العادية اليوم مؤشر إصابة يجب عدم التهاون معها، حماية للمجتمع المتهالك أصلًا.

ترف الإنتظار ليس متاحًا أبدًا وعلينا المسارعة لإعادة تفعيل كل الإجراءات الوقائية وكأنّنا عشية 21 شباط/فبراير 2020 (يوم تسجيل الإصابة الأولى في لبنان) وهذا الكلام لا يستند إلى كون الفيروس الجديد مميت أكثر كما أسلفنا بل يستند إلى التهالك الكبير الذي أصاب كلّ القطاعات في لبنان، ومنها القطاع الصحي فما كان متاحًا قبل حوالي السّنة أصبح اليوم في خبر كان، وعليه يبقى السّلاح الأمضى في المواجهة هو إجراءاتنا الشخصية فقط التي تقوم على التباعد الاجتماعي ولبس الكمامة والابتعاد طبعًا عن التجمعات الكبيرة.

نحن اليوم نواجه على المستوى الوبائي خطرين مجتمعين سويًا: الأول هو فيروس كورونا ومتغيّراته الدائمة، والثاني هو فيروس الانفلونزا الموسمي الذي يتنامى خطره مع الطقس البارد والجاف الذي نقف على أعتابه هذه الأيام، وما يزيد من خطر العدوى هو التجمعات البشرية في أماكن مغلقة، نسبة إلى تدني حرارة الطقس والتعرّض للبرد الشديد في ظروف إقتصادية أصبحت التدفئة الأساسية فيها ترفًا لا يستطيع الفقراء الوصول إليها، ففي مناطق الحرمان والفقر التاريخي والمزمن مثل البقاع الشمالي وعكار، تنام العائلات في غرفة واحدة وتحت أغطية مشتركة للمساعة على توفير بعض الدفء، ما يساهم دون أدنى شك بمضاعفة عدّاد الإصابات.

ثمة ملاحظة يوردها معظم الأطباء والعاملين بالقطاع الصحي هذه الأيام مفادها أنّ أغلب المرضى في المستشفيات هم من الذين لم يأخذوا اللقاح حتى اليوم، وعليه لا ندري ماذا ينتظر البعض لتقديم خدمة بهذا الحجم للمجتمع كلّه تتمثل في المساهمة الشخصية في حماية نفسه ومن حوله من العدوى.

فإن كان منشأ اللقاح هو الدافع خلف التأخير بوسعك اليوم أيها اللبناني الاختيار بين مروحة واسعة من اللقاحات فلديك الغربي لأصحاب الهوى الأوروبي والأميركي والشرقي لمناصري التوجه شرقًا، أما إذا كان دافعك خلف التأخير هو انتظار الدراسات اللازمة فيمكنك قراءة دزينة من المقالات حول كلّ من اللقاحات لتحسن الاختيار، برغم انّ الرأي الشخصي هو أن نترك كلّ ما سبق جانبًا والتوجه لأقرب مركز صحي والحصول على الجرعة المتاحة بأسرع ما يمكن.

إقرأ على موقع 180  عندما نمنا لأوّل مرّة من دون بيروت!

تبقى دعوة أخيرة إلى إدارات المدارس الرسمية والخاصة بوجوب التشدد في الإجراءات مخافة تدحرج الوضع الوبائي.. وصولًا إلى إعادة إقفال القطاع التربوي بأسره، وهي نقطة حذّر منها وزير الداخلية بسّام مولوي خلال إجتماعه بمجلس بلدية بيروت هذا الأسبوع، مُلمحًا إلى أن الوزارة تدرس بالتنسيق مع إدارات ومؤسسات رسمية سبل التشدد في الإجراءات.. حتى لو إقتضى الأمر العودة إلى التعليم عبر الأولاين.

Print Friendly, PDF & Email
فؤاد إبراهيم بزي

كاتب متخصص في المواضيع العلمية

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  مقولة "الأفول" الأمريكي.. "النموذج" بلا جاذبية!