بات خطاب الولايات المتحدة وتقارير وزارة الخارجية الأميركية الأخير حول سلاح حزب الله، في صلب “التقاليد الأميركية” منذ ربع قرن، كما نعته بـ”المنظمة الإرهابية”، وصولاً إلى القول إن تسع دول اتخذت خطوات ضد حزب الله بإدراجه على قوائم “الإرهاب” أو حظره أو تقييده، بعد جهود دبلوماسية أجرتها واشنطن لمواجهة الحزب عبر أوروبا وأميركا الوسطى والجنوبية.. حرب ستتوالى فصولاً في المدى المنظور.
أما جديد الإتهامات الاسرائيلية، فيتمثل في الإدعاء ان حزب الله تلقى اسلحة كيماوية من سوريا وانه قد يستعملها ضد اسرائيل (في أي حرب مقبلة)، كما أن سفير إسرائيل في الأمم المتحدة نظّم جولة لاثني عشر سفيراً الى الحدود الشمالية مع لبنان، واطلعهم على ما قال انها “تهديدات حزب الله ضد اسرائيل”، متهماً الحزب بتجهيز شبكة أنفاق على الجانب اللبناني من الحدود.
في دول الخليج تتزايد الحملات ضد حزب الله وكأنه خطر داهم على حدود هذه الدول أو في داخلها. السبب الحقيقي هو حرب اليمن، لكن لا بأس من شيطنة الحزب واتهامه بتهريب حبوب الكبتاغون المخدرة الى دول الخليج. لا تتحدث اتهامات التهريب عن الفريق الآخر الذي يتلقى المواد المهربة في داخل تلك الدول وهو الفريق الاساس، اي الشاري والمروّج اذا سلمنا ان البائع موجود في لبنان وأنه حزب الله بقضه وقضيضه. زدْ على ذلك أن دولة جوار مع إحدى دول الخليج، عندما قررت التشدد في إجراءات مكافحة تهريب الكبتاغون، جاءتها تعليمات من جهة أمنية رسمية في إحدى دول الخليج بإبقاء قبضتها رخوة لا أن تكون متشددة!
ماذا عن الداخل اللبناني؟
تتخذ الحملة عندنا شكلاً أقرب ما يكون إلى الهزل منه الى السياسة. قد تكون هناك معارضة سياسية وللكل الحق في المعارضة انما ان تصدر عن بعض المعارضات مواقف مثيرة للسخرية فهذا هو الواقع المستغرب. كيف نفسر الحديث عن “الاحتلال الايراني للبنان” في الوقت الذي لم يعلن أيٌ من المتحدثين انه شاهد قوات ايرانية او السفير الايراني يجول في مؤسسات الدولة كما يفعل سفراء دول أخرى. والاطرف هو ازاحة الستار عن لوحة الاحتلال الايراني في لبنان من دون ذكر مكان وجود هذه القوات التي شبّهها هؤلاء بالقوات الفرنسية التي احتلت لبنان من عام 1918 الى عام 1946 او الى قوات الفراعنة التي دخلت لبنان منذ آلاف السنين.
من الطبيعي ان يقيم الإسرائيلي الدنيا ولا يقعدها اعتراضا على حيازة حزب الله لسلاح أو صاروخ دقيق، اما ان يعترض لبنانيون على الصواريخ الدقيقة التي يعترف العدو انها تشكل تهديدا له فذلك أمر لا تفسير له. الاجدى ان يعترض هؤلاء وغيرهم على كل سلاح متفلت يضرب امنهم واستقرارهم وارزاقهم في طرابلس وصيدا وخلدة وبعلبك والضاحية الجنوبية
نغمة الاحتلال الايراني كانت مدعاة للسخرية ليس من مؤيدي حزب الله (وهذا بديهي) بل بين معظم المراسلين الأجانب في بيروت. في المقابل، راجت نغمة السلاح غير الشرعي والسلاح المتفلت على السنة عدد من السياسيين والاعلاميين. طبعا هم يقصدون بـ”السلاح المتفلت” سلاح حزب الله حصراً، لكن الحقيقة تكمن في مكان آخر. هناك ترسانة صاروخية مخبأة وموجهة نحو اهداف داخل اسرائيل، الأمر الذي وفّر مظلة ردع لها عن مهاجمة لبنان وشن حروب جديدة عليه. وغني عن البيان ان اسرائيل اجتاحت لبنان مرتين في العامين 1978 و1982. أيضاً نفذت مجازر بعد إحتلالها فلسطين وأبرزها مجزرة حولا (1948). كما نفذت إعتداءات جوية وبحرية وبرية ضد قرى وبلدات جنوبية لبنانية منذ نهاية الستينيات الماضية. خرجت اسرائيل في العام 2000 من الجنوب اللبناني تحت وطأة ضربات المقاومة اللبنانية، لتكرس أول إنسحاب لها من أرض عربية بلا قيد أو شرط.
هذا السلاح الذي حرّر لبنان ومنع إسرائيل من تحقيق أهداف حرب الثلاثة وثلاثين يوماً في 2006، لم يشارك في الحرب الاهلية. هذا السلاح الذي قام حاملوه بعد التحرير بتسليم اعوان المحتل الاسرائيلي الى القضاء اللبناني لكي يقدمهم الى العدالة ولم يتخذ بحقهم اي اجراء عقابي انتقامي. هذا السلاح منع في أعقاب التحرير حصول اي عمليات انتقام او حرق منازل او تهجير سكان مثل تلك التي حصلت في مراحل عديدة في الحرب اللبنانية. هذا ليس سلاحا متفلتا ابداً بل كانت اهدافه واضحة دائماً.
في مثل هذه الأيام من العام 2020، وجّه الصحافي الأميركي المخضرم توماس فريدمان، في مقالته الأسبوعية في “نيويورك تايمز”، نصيحة للذين يستعدون للإحتفال بعودة جو بايدن إلى الإتفاق النووي، وقال لهم “احتفظوا بالشمبانيا في الثلاجة. المسألة معقدة”، مُلمحاً إلى أن العقدة الأساس بين إيران والولايات المتحدة هي عقدة الصواريخ الدقيقة وليس السلاح النووي.
ها هي الجولة السابعة من مفاوضات فيينا تنتهي وهذا ما سيكون عليه مصير الجولة الثامنة ما لم تقدم إيران “جواباً مطمئناً” للولايات المتحدة بشأن ترسانة الصواريخ الدقيقة. ولو عدنا إلى الوراء، نجد أنه منذ نحو اربع سنوات، إرتفعت نبرة الحديث في اسرائيل عن حيازة حزب الله منظومة الصواريخ الدقيقة وعقد رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو مؤتمرات صحافية بعضها ارفقه بخرائط تدل على “معامل” و”مخازن الصواريخ الدقيقة” ووصل به الامر ان اجرى تدليلا على الخريطة في قاعة الجمعية العامة للامم المتحدة واظهر ما ادعى انه مكان وجود الصواريخ الدقيقة .
من الطبيعي ان يقيم الإسرائيلي الدنيا ولا يقعدها اعتراضا على حيازة حزب الله لسلاح أو صاروخ دقيق، اما ان يعترض لبنانيون على الصواريخ الدقيقة التي يعترف العدو انها تشكل تهديدا له فذلك أمر لا تفسير له. الاجدى ان يعترض هؤلاء وغيرهم على كل سلاح متفلت يضرب امنهم واستقرارهم وارزاقهم في طرابلس وصيدا وخلدة وبعلبك وبعض أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت.
وللتوضيح لهؤلاء وغيرهم؛ الصواريخ الدقيقة تكون عادة مجهزة بتقنية توجيه إلكترونية عالية الدقة تجعل احتمال اصابة الهدف عالياً جداً وبهامش أمتار معدودة، وهذا ما يثير قلق اسرائيل ويدفعها إلى شن حملة عنيفة على حزب الله وعلى هذه المنظومة الصاروخية التي لا مكان لها في الإعراب في الحيز الداخلي اللبناني.
وللعلم فان اجهزة التوجيه الدقيقة الخاصة بالصواريخ الدقيقة هي عبارة عن رقائق تشبه شريحة الهاتف الخليوي التي تصلنا بالعالم.. ورقائق التوجيه تقرّب الصاروخ من هدفه وحتماً ليس بين أهدافه سرقة مصرف أو قطع طريق أو قتل مواطن أو حرق أي منشآت أو مؤسسات عامة أو خاصة.