الشرع في واشنطن: صناعة رئيس جديد لسوريا أم إعادة تدوير للمصالح؟

رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض. زيارة تحوّلت، بالصور التي تخللتها والمضمون الذي تم التركيز عليه، مادةً مثيرةً للجدل في سوريا وخارجها. الزيارة، التي حملت طابعًا استثنائيًا من حيث التوقيت والدلالات السياسية، عكست حجم التحولات في الموقف الأميركي من دمشق، لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كان هذا التقارب يعكس فرصة تغيير كبيرة أم باكورة تبعية سياسية طويلة الأمد؟
أولاً: الشكل قبل المضمون
برزت حالة من الاستياء الشعبي في سوريا والعالم العربي من مظاهر وصور رافقت الزيارة.
فقد اعتُبرت مشاهد استقبال الشرع في واشنطن انتقاصًا من كرامة الدولة السورية، التي كانت لعقود تمثّل موقعًا قوميًا ووطنيًا صلبًا في مواجهة الاستعمار القديم أو الجديد.
رأت الكثير من النخب السياسية والاجتماعية أن الشرع لم يُستقبل كرئيس دولة، بل كـزعيم محلي يُدارفي سياق ترتيبات إقليمية جديدة ترسمها القوى الكبرى.
وهذا ما أثار المخاوف من أن تتحول سوريا إلى ساحة لإعادة توزيع النفوذ بدل أن تكون طرفًا فاعلاً في المعادلة الإقليمية.
ثانيًا: رمزية اللقاء ودلالاته السياسية
اللقاء بين الشرع وترامب لم يكن تفصيلاً بروتوكوليًا، بل حمل رسائل سياسية واضحة.
فقد تمّ استقبال الشرع في مبنى إيزنهاور الإداري المجاور للبيت الأبيض، وليس في المبنى الرسمي المخصص لرؤساء الدول، في إشارة فسّرها مراقبون بأنها تعكس تعامل واشنطن معه كشريك ظرفي لا كرئيس دولة ذات سيادة.
المقارنة مع مواقف الرئيس الراحل حافظ الأسد في التسعينيات كانت حاضرة بقوة.
فحين رفض الأسد الأب دخول البيت الأبيض وأصر على لقاء نظيره الأميركي في جنيف بيل كلينتون، أراد بذلك ترسيخ مفهوم الندية والسيادة الوطنية.
أما مشهد الشرع في واشنطن، فقد بدا، وفق كثير من المراقبين، انعكاسًا لانكسار الرمزية السيادية السورية أمام ضغوط الواقع الجديد.
ثالثًا: رفع العقوبات
ترافقت الزيارة مع قرار واشنطن رفع العقوبات عن سوريا، في خطوة فُسّرت على أنها مكافأة سياسية سريعة تهدف إلى ترسيخ معادلة جديدة: “التعاون مقابل الشرعية”.
هذا القرار فتح الباب أمام مرحلة قد تحمل فرصًا استثمارية كبيرة، لكنه في المقابل أثار جدلاً واسعًا حول هوية الاقتصاد السوري المقبل وهل سيُبنى على أسس وطنية أم على اشتراطات أميركية وإسرائيلية؟
ويرى محللون أن رفع العقوبات جاء ضمن صفقة شاملة تشمل إعادة دمج سوريا في النظام الدولي مقابل التزامها بخارطة مصالح تضمن أمن إسرائيل واستقرار مناطق النفوذ الأميركي في المنطقة.
رابعًا: الزيارة في سياقها الإقليمي
لم تكن زيارة الشرع إلى واشنطن حدثًا منفصلًا، بل حلقة في مشروع سياسي–أمني متكامل تسعى من خلاله الولايات المتحدة إلى إعادة إنتاج النخب الحاكمة في المنطقة بما يخدم مصالحها.
وفي هذا السياق، يُنظر إلى الشرع كشخصية قادرة على الجمع بين إرث النظام السابق وخطاب الانفتاح على الغرب، ما يجعله ملائمًا لإدارة مرحلة انتقالية تمهّد لهيكل سياسي جديد في سوريا.
إلى جانب البعد السياسي، حمل اللقاء بعدًا أمنيًا واضحًا، إذ انضمت دمشق رسميًا إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب، مستفيدة من معرفة الشرع ببنية التنظيمات المتطرفة.
هذا الانخراط الأمني يمنح واشنطن موقعًا مميزًا في رسم خرائط النفوذ الاستخباراتي داخل سوريا، ويكرّس تبعية دمشق في ملفات مكافحة الإرهاب.
خامسًا: قراءة تحليلية عامة
تُظهر نتائج الزيارة أن سوريا تدخل مرحلة تحول بنيوي في مفهوم السيادة، حيث باتت العلاقة مع الولايات المتحدة محددًا رئيسيًا في صياغة القرار الوطني.
وبرغم أن بعض الأوساط ترى في الخطوة فرصة لإعادة بناء الدولة، إلا أن غياب المشروع الوطني السوري الجامع يجعل المخاوف من ضياع التوازن الداخلي أكثر واقعية.
في المقابل، تبدو واشنطن مصممة على صناعة نموذج سياسي جديد في دمشق يتلاءم مع منظومتها الإقليمية، مستفيدة من الشرع كواجهة انتقالية لإعادة تعريف دور سوريا في الشرق الأوسط.
وهذا ما يجعل المرحلة المقبلة اختبارًا حاسمًا لمدى قدرة السوريين على استعادة زمام المبادرة قبل أن تتحول البلاد إلى ساحة نفوذ دائم للغرب.
خاتمة
لم تكن زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن مجرّد حدث بروتوكولي، بل علامة فارقة في إعادة تشكيل هوية الدولة السورية وموقعها الإقليمي.
فما بين مساعي الشرع لتثبيت شرعيته الدولية ورغبة واشنطن في فرض نموذجها السياسي، يقف السوريون أمام سؤال مصيري:
هل تمثّل هذه الزيارة بوابةً لعودة سوريا إلى المشهد العالمي، أم خطوة أولى نحو تكريس التبعية وفقدان السيادة؟
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  العار الذي تبدّلت كينونته في زمن التوحّش المُعولَم
هشام الأعور

أكاديمي وكاتب سياسي لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  الورقة الأميركية تُغيّر هندسة الحكم السوري.. المقاتلون الأجانب بالمرصاد!