يُعتقد على نطاق واسع أن الزيارة الأولى لمحمد بن سلمان إلى واشنطن، للمرة الأولى منذ سبعة أعوام، ستشكل فرصة كبيرة لإعطاء دفعة كبيرة للعلاقات بين أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مصدر للنفط، في المجالات الاقتصادية والسياسية والدفاعية، خصوصاً وأن تحضيرات متواصلة سبقت تحديد موعد الزيارة.
ويُعلّق ترامب، منذ ولايته الأولى، أهمية كبيرة على انضمام السعودية إلى الاتفاقات الإبراهيمية، التي رعاها بين دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان من جهة وإسرائيل من جهة ثانية عام 2020. وهو يُعوّل على أن الانضمام السعودي، سيكون مفتاحاً لـ”الفجر الجديد في الشرق الأوسط”.
وإبّان ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، قطعت واشنطن والرياض شوطاً مهماً نحو إقامة علاقات مع إسرائيل، في إطار صفقة تتضمن توقيع أميركا على اتفاق دفاعي شامل مع السعودية وبأن تساعدها على انشاء مفاعل نووي مدني. وفي المقابل، تعمل الولايات المتحدة على الحصول من إسرائيل على تعهد بالتزام “مسار جدي” يوصل إلى إقامة دولة فلسطينية، لكن تلك الجهود الأميركية تعرقلت، في أعقاب هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على “غلاف غزة”، وما تلاه من حروب إسرائيلية ما تزال مستمرة فعلياً حتى اليوم، تحت غطاء وقفين هشين للنار في غزة ولبنان، وتلويح باستئناف الحرب مجدداً على إيران، وذلك استكمالاً للجولة العسكرية التي انخرطت بها الولايات المتحدة، إلى جانب إسرائيل، في حزيران/يونيو الماضي.
وبعد تقدم ترامب في أيلول/سبتمبر بخطته المكونة من 20 بنداً والضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقبول بوقف النار اعتباراً من 10 تشرين الأول/أكتوبر، يرى الرئيس الأميركي أن خطة “اليوم التالي” لغزة، هي المقدمة للعودة إلى مسار توسيع الاتفاقات الإبراهيمية.
ومن المؤكد، أن ترامب سيسعى إلى تقديم خطته، كحافز لمحمد بن سلمان كي يتخذ خطوات في موضوع التطبيع، مع أن الخطة أحالت الدولة الفلسطينية إلى البند الـ19 من أصل بنودها العشرين. إذ نصّت بلغة ضبابية تحمل أكثر من تأويل، على أن “الظروف قد تتوافر أخيراً لمسار ذي صدقية نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة، وهو ما نعترف به طموحاً للشعب الفلسطيني”.
وقبل يومين من الزيارة، أدخلت واشنطن تعديلات على مشروع قرار تقدمت به إلى مجلس الأمن حول انشاء قوة الاستقرار الدولية المؤقتة التي يفترض، وفق الخطة الأميركية أن تحل محل “حماس” والقوات الإسرائيلية في تولي الأمن بقطاع غزة. وينصُ التعديل الذي عارضته إسرائيل، على تضمين مشروع القرار فقرة تتحدث عن “تقرير المصير للشعب الفلسطيني”، فيما تسعى السعودية بالتنسيق مع دول إسلامية إلى تضمين المسودة الأخيرة إمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل.
ومع ذلك، ليس مُرجحاً أن يعلن محمد بن سلمان موقفاً جديداً من مسألة التطبيع، في وقت قادت فيه الرياض بالتنسيق مع فرنسا جهوداً حثيثة لاستصدار قرار بغالبية ساحقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في الصيف الماضي، يدعو إلى حل الدولتين، سبيلاً لوضع حد للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
هناك احتمال كبير بأن توافق إدارة ترامب على تزويد الرياض بمقاتلات “إف-35″، على رغم الاعتراضات الإسرائيلية، وتحفظات مؤيدي إسرائيل في الكونغرس على قرار كهذا. وقد بعث البنتاغون بموافقة تمهيدية على الصفقة، التي قد تتضمن شراء ما يصل إلى 46 مقاتلة من هذا الطراز، الذي يعتبر الأكثر تفوقاً في العالم، ويصل ثمن المقاتلة الواحدة إلى مئة مليون دولار. وتمتلك إسرائيل ما بين 50 و60 طائرة من الطراز نفسه، وتنتظر حصولها على 75 طائرة أخرى في السنوات المقبلة
وكان ترامب خلف إقدام كازاخستان على إعلان انضمامها إلى الاتفاقات الإبراهيمية في 5 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، على هامش القمة التي عقدت في البيت الأبيض مع دول آسيا الوسطى الخمس، في إطار ما يعرف بدول “سي 5 زائد واحد”. هذا مع العلم بأن كازاخستان تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل منذ 33 عاماً. لكن ترامب أراد على ما يبدو التذكير بأن هذه الاتفاقات ما تزال حية، عشية زيارة ولي العهد السعودي. وفي كل الحالات، لن تشكل كازاخستان تعويضاً عن السعودية.
ويعتزم ترامب تقديم بعض الحوافز للسعودية. وأبرزها، كما هو متوقع، اصدار مرسوم تتعهد فيه أميركا بحماية المملكة واعتبار أي هجوم تتعرض له، بمثابة هجوم على الولايات المتحدة، على غرار المرسوم الذي أصدره في شأن قطر عقب الهجوم الإسرائيلي على الدوحة في أيلول/سبتمبر الماضي. هذا الهجوم جعل دول الخليج كافة تهجس بالغطرسة الإسرائيلية، وتسلل إليها القلق هذه المرة ليس من النفوذ الإيراني، بل من التغول الإسرائيلي.
وهناك احتمال كبير بأن توافق إدارة ترامب على تزويد الرياض بمقاتلات “إف-35″، على رغم الاعتراضات الإسرائيلية، وتحفظات مؤيدي إسرائيل في الكونغرس على قرار كهذا. وقد بعث البنتاغون بموافقة تمهيدية على الصفقة، التي قد تتضمن شراء ما يصل إلى 46 مقاتلة من هذا الطراز، الذي يعتبر الأكثر تفوقاً في العالم، ويصل ثمن المقاتلة الواحدة إلى مئة مليون دولار. وتمتلك إسرائيل ما بين 50 و60 طائرة من الطراز نفسه، وتنتظر حصولها على 75 طائرة أخرى في السنوات المقبلة.
وقبل أسبوع من القمة الأميركية-السعودية، استقبل ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية تعليق عقوبات “قانون قيصر” 180 يوماً أخرى. وربما تعمّد ترامب من خلال ثالث لقاء يعقده مع الشرع، طمأنة الرياض إلى أن واشنطن تبذل جهوداً حثيثة لدعم النظام السوري الجديد، الذي تعتبر السعودية من أكبر الداعمين له. وسبق أن عبّر مسؤولون سعوديون عن تحفظهم حيال عدم ممارسة ترامب مزيداً من الضغط على الكونغرس من أجل رفع دائم للعقوبات عن سوريا، بحيث يتسنى للشركات السعودية الاستثمار في هذا البلد، وتحقيق توازن مع المنافسين الأتراك والقطريين؛ علماً أنه كان لافتاُ للانتباه تزامن وجود وزير الخارجية التركي حقّان فيدان، في البيت الأبيض، بالتزامن مع وجود الشرع، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول حرص واشنطن على جعل أنقرة شريكة في كل شاردة وواردة في الملف السوري، بعكس تعاملها مع دول الخليج.
وليس بخافٍ، بأن السعودية تراقب بدقة تطور العلاقات الأميركية مع تركيا وقطر عقب وقف النار في غزة، وطموح أنقرة إلى لعب دور كبير في “اليوم التالي” لغزة.
وسيستغل ترامب هذه النقطة، ليدعو السعودية لتكون مساهماً أساسياً في إعادة إعمار القطاع، لأنه من المستبعد أن تشارك المملكة في قوة الاستقرار الدولية المقترحة.
وإلى جانب الملف الإقليمي، تحتل العلاقات الاقتصادية حيزاً بارزاً في جدول أعمال زيارة محمد بن سلمان، وبينها عقد منتدى استثماري أميركي- سعودي لرجال أعمال من البلدين. وسبق أن تعهدت السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة في حقول مختلفة وبشراء أسلحة بـ146 مليار دولار.
وتوظف السعودية استثمارات مهمة في الذكاء الإصطناعي، كجزء من “رؤية 2030” لتنويع الاقتصاد بما يتجاوز الاعتماد على النفط. وهي تطالب برفع القيود التي فرضتها إدارة بايدن على تصدير الرقائق المتطورة في ميدان الذكاء الاصطناعي في 2023، في ضوء تطور العلاقات بين السعودية والصين.
وينقل موقع “بلومبرغ” الأميركي عن أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون برنارد هيكل، أن محمد بن سلمان ينظر في نهاية المطاف إلى زيارته، على أنها تتعلق بإقامة شراكة مع الولايات المتحدة من شأنها إرساء أسس شرق أوسط جديد. ويضيف أن “لدى السعوديين رؤية لمنطقة يسودها السلام الدائم وبأنهم هم محورها ومركزها الاقتصادي”.
وعلى هذه الخلفية، يهم محمد بن سلمان خلق الظروف المناسبة لخفض التصعيد في المنطقة، ويبدو أن السعودية لا تتحفظ على دعوة ترامب إيران إلى إبرام اتفاق نووي جديد، على عكس ما كان عليه الوضع عام 2015.
وقد نأت السعودية بنفسها أيضاً عن المواجهات الأميركية مع الحوثيين خلال العامين الأخيرين، كي لا يؤدي ذلك إلى انهيار وقف النار في اليمن واستئناف الحرب، فيما زاد انخراطها في الملف اللبناني منذ انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة نواف سلام.
وخلال فترات من التوتر مع واشنطن، مالت السعودية إلى الانفتاح بشكل واسع على الصين وروسيا، لكن من دون أن تتخلى يوماً عن النظر إلى أميركا بصفتها شريكها الاقتصادي والسياسي والدفاعي الأساسي.
