الماضي انتهى. الحاضر انتحر. المستقبل سراب. إياك والتنبؤ. استعن بالصمت. النسيان شفاء. فانسَ.
كان يا ما كان، وطن يُدعى لبنان. كان يجب أن يولد. ولد، ولكن ارحامه المتعددة، صادرته وادعت أبوته. الطوائف تعيش على الغزو. الله هاجرهم كلهم. قال: “لا شفاء لهم”. أغلق الأبواب ونصحنا بأن ننسى.
لبنان الوعد، انوأد. أخذوه قطعة قطعة. تقاسموه وعلى جلده اقترعوا. خطفوه، وراحوا يبحثون عنه عندنا. نحن لاجئون كنا. المواطنة مستحيلة. هذا ليس بوطن.. إنسَ.
حدث أن غضب الناس. نزلوا الى الشارع. وجدوه خصباً جداً. وعداً بحرية. كانت القبضات شاهرة كلاما جديداً. دب التفاؤل في عروق البلد. ان ولادة جديدة قادمة. هتفت الحناجر. خفقت قلوب. تجرأت الكلمات. سمّت الاشياء بأسمائها. ضربت مواعيد حاسمة.
ولكن.. إنسَ.
لوّحت الطوائف بالويل والثبور. ايقظت أفاعي الفتنة. احضروا القبضات والآيات وجنازير القمع. أفلتوا حثالاتهم الموبوءة على أنقياء العقول والقلوب.
يا الهي. لقد أجهضوا الأمل قبل أن يطأ الزمن الجميل مكانه.. فيما كان الفتية والفتيات والأباء والأمهات.. حتى الأطفال، يرسمون وطناً تخفق له القلوب، أقدمت جحافل الردة، واطبقت بقبضتها على عنق الأمل.. خنقته. مات. إذاً، إنسَ.
سبات عميق ساد. ما عاد أحد يحلم. حلَّت الكوابيس مكان الأمل. هاجر التفاؤل. مضى إلى حيث لا يرجع.
اليوم، باستثناء فجور القادة والطوائف، حالة من الموت تعممت. هاجرت الحناجر شوارعها والساحات. بات اليأس حالة واقعية جداً. لا ابتسامة على شفتين، لا علامة رضى على جبهات متغضنة. الاستسلام فضيلة بناءة. التفاؤل عبث مريض. إنسَ.
ولكن كل هذا الكلام مردود لدى من يخوض معركة طواحين الهواء. يقولون: سنغيّر. الانتخابات النيابية بوابة العبور إلى الغد. من يُصدق ذلك؟ الانتخابات الملزمة دولياً، ستكون نتائجها أسماء مزمنة ومهلهلة ومرتكبة. الطوائف ستجدد حيويتها. الموارنة ينتقلون من “تيار” إلى “قوات”. و”التيار” و”القوات”، من سبط طائفي واحد. ابنان شرعيان للكيان. قايين وهابيل، مداورة. الشيعة بمتراسين، واحد متجذر والآخر متأخر. اثنان نقيضان ويرضعان من ثدي طائفي واحد. لا هزيمة تنزل بواحد من الاثنين. مكانك يا واقف. السنّة في كل واد يهيمون. لن يكون إلا سنّة طائفية ومذهبية معادية ومغضوب عليها. الدروز مكانك يا واقف. لا زيادة يعتد بها، ولا نقص يحسب. أما الشعوب الطائفية الأخرى، فهي تشبه “الفراطة”. تجمع ولا تزن. إنسَ. هذا هو لبنان الرث بأحزاب طائفية غثة.
يا الهي. لقد أجهضوا الأمل قبل أن يطأ الزمن الجميل مكانه.. فيما كان الفتية والفتيات والأباء والأمهات.. حتى الأطفال، يرسمون وطناً تخفق له القلوب، أقدمت جحافل الردة، واطبقت بقبضتها على عنق الأمل.. خنقته. مات. إذاً، إنسَ
يعوِّل “السياديون” على التغيير. إنسَ. “السياديون”، عنوان “مبهبط” جداً. هؤلاء، يخوضون معركة بقانون إنتخابي طائفي، وعلى لوائح طائفية، وبأصوات طائفية.. “وخبز رح ناكل”. إنسَ. هذا دنس بلا حبل.
إذاً ماذا؟
لا شيء. الحلول متعذرة ومستحيلة. لم ينجب اللبنانيون ولا مرة تسوية من صنعهم. باستثناء ميثاقية بشارة الخوري ورياض الصلح: لا شرق ولا غرب. تسوية لم تنفذ. ظلّ لبنان منقسماً بين شرق حميم وغرب وخيم. إنفجر لبنان مراراً. التسوية يصنعها الخارج.
اللبنانيون في حالة عقم. الطائفية لا تتنازل. إنسَ.
ما زال الوقت باكراً. العرب اداروا ظهرهم للبنان. تركوه. هم ليسوا بحاجة اليه. هو يتسوَّل فُتاتاً منهم. أغدقوا كثيراً. النتيجة “فالصو”. ما عادوا البقرة الحلوب. فليقلع اللبنانيون اشواكهم بأيديهم. وهذا الامر ليس من اختصاص الطائفيين، لأنهم يروجون الاشواك، وكل الممنوعات اللا أخلاقية.. يقولون كان لديهم وطناً، جعلوه مصيدة.. العرب، الخليج، الاصدقاء. إنسَ.
العالم لم يعد حائراً. يعرف السياسيين “حلي ونسب”. ولا واحد جدير بالاحترام. يعتبرونهم زبائن وأحيانا زبانية. الغرب حيسوب لا يتبرع. جده شايلوك. كل “تريك بترنتيك”. لا يسخو مجاناً. يريد ثمناً سياسياً. ومن هم عندنا اعتادوا على الأخذ، وليس عندهم ما يعطونه. ما يحبذه فريق يخونه خصم. لم يلتئم لبنان مرة. جاءته “مساعدات” مشروطة، استطاعت الطغمة أن تأكل الطعم وتعملها على الصنارة. قيادات مكحكحة. مزمنة. مؤبدة. متناسلة. مدعية. جريئة، جرأة الـ… في شارع المتنبي.
إذاً ماذا؟ إنسَ.
هل هناك بعد أسوأ؟ طبعاً. لم يعد الموت سراً. اللبناني يموت روحياً، ويموت جدياً. المرضى لا يجرأون على عتبة المشافي. ما جناه كبار السن من مال، سرقه قراصنة المصارف وزعران السياسة ولصوص الطوائف.. لا دواء للشفاء، إلا للأغنياء، ومن تيَّسر له في المغتربات.
يا أولاد الأفاعي. أيها المجرمون السفلة. شعب لبنان كان يتطلع إلى الأفق بجبهة عالية. لقد دستم بنعالكم على أحلامه. حولتم جباههم إلى نعل أحذيتكم.. لن نجد أجرأ منكم على الارتكاب، في وضح النهار، وتغسلون ايديكم من الزنى السياسي، بالمياه والاموال القذرة.
لا شتائم تناسبكم. لأنكم الشتيمة المقيمة.
ماذا بعد؟
لا شيء أبداً.
هل غداً يوم الأربعاء؟ فليكن الغد بلا أسماء.
هل دخلنا عاماً جديداً؟ إذا، كل عام وأنتم لستم بخير.
ماذا بعد؟
اكرع كأسك يا أخي. مقفى. وليكن النسيان صراطك إلى النهاية. لا راحة للبناني غير طائفي، الا بملاقاة وجه نهايته. حيث لا رب يسأله ويحاسبه.
يللا.. إنسَ.