إنه الغاز.. نقطة عمياء في عقوبات الغرب على روسيا!

إستثنت العقوبات الأميركية ـ الأوروبية ضد موسكو الغاز الروسي إلى أوروبا، خشية أن يؤدي ذلك إلى حدوث اضطرابات اقتصادية في الأسواق الأميركية والأوروبية على حد سواء. يقول أندرو سالمون مراسل صحيفة "آسيا تايمز" في شمال شرق آسيا إن هذا الأمر "مثير للسخرية"!

“لقد اهتز العالم لمجرد إنتشار خبر عن إندلاع حريق في محطة نووية أوكرانية، بينما الأوكرانيون، من سُكان “ماريوبول”، يقبعون في الظلام نتيجة انقطاع إمدادات الطاقة (الكهربائية) عن المدينة المُحاصرة. لكن، وفي حين أن “الحصار” هو هدف روسيا الرئيسي، فإن الخطوات التي يقوم بها الغرب لمساعدة المواطنين الأوكرانيين المحاصرين تتخبط وتتعثر بسبب نقطة عمياء ضخمة في الإستراتيجية الغربية: منتجات الطاقة الروسية التي تشكل 60٪ من الصادرات الوطنية.

أضف إلى ذلك أن المصرفين الروسيين الرئيسيين اللذين يتعاملان مع الجزء الأكبر من هذه الصادرات، لا يزالان بمنأى عن العقوبات، ولم يتأثرا بقرار منع المؤسسات المالية الروسية الأخرى من التعامل بنظام SWIFT العالمي.

يستند هذا الإصرار الدؤوب من قبل الحكومات الغربية على عدم استخدام الأداة الأهم لجعل العقوبات أكثر فعَّالية إلى جملة من الحقائق الاقتصادية الصعبة. فالاقتصادات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي. وأكثر ما تخشاه الولايات المتحدة هو ارتفاع أسعار الغاز، لأنها لا تريد وضع حلفائها الأوروبيين تحت مزيد من الضغوط لا داعي لها ولا يمكن تبريرها.

تخشى بروكسل وواشنطن؛ بلا شك؛ من التأثيرات والتداعيات السلبية الضخمة المرتقبة على الاقتصاد العالمي؛ الهش والمُهتز أصلاً، إذا ما تم إستبعاد ثالث أكبر مورد في العالم من أسواق الطاقة. وهذا يعني أنه على الرغم من الاتساع غير المسبوق للعقوبات الغربية على روسيا، غير أنها لم تمس بعد نقطة الضعف الرئيسية في النظام المالي-الإقتصادي لموسكو.

إنطلاقاً من إعتمادها شبه الكلي على الغاز الروسي، تُعرّض الحكومات الغربية إقتصاداتها الرئيسية للخطر باختيارها المواجهة مع موسكو وتأييدها للعقوبات، وهذا ما تؤكده إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)، التي تعترف بأن “أوروبا هي السوق الرئيسي لروسيا وخصوصاً لصادراتها من النفط والغاز الطبيعي، وبالتالي، أوروبا هي المصدر الرئيسي لعائدات روسيا”

من المؤكد أن نظام العقوبات المُطَبَّق على روسيا؛ والذي يطال تقريباً كل القطاعات، من الصناعة إلى الإعلام والتمويل والرياضة؛ هو نظام عقابي كاسح ومؤثر. لقد خفَّضت وكالات التصنيف العالمية للتو الديون السيادية الروسية إلى مرتبة عالية المخاطر، ما زاد من احتمال التخلف عن سداد الديون.

لكن الدفاع الأقوى لدى روسيا في وجه هكذا سيناريو يكمن في صادراتها من الطاقة المُستدامة، والتي تصل إلى كافة الأسواق الغربية تقريباً من بينها أسواق الولايات المتحدة.

فبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA) كانت روسيا ثالث أكبر منتج للبترول والسوائل الأخرى في العالم (بعد الولايات المتحدة والسعودية) في عام 2020 وثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي غير المُسال في عام 2020 (الثانية بعد الولايات المتحدة).

كما أن روسيا هي أيضاً موطن لنحو 6٪ من احتياطيات النفط العالمية ولـ20٪ من الغاز الطبيعي. ولدى شركة الطاقة الوطنية العملاقة “غازبروم”؛ المزود الرائد للغاز الطبيعي في العالم؛ أكثر من 400 ألف موظف. أضف إلى ذلك أن إجمالي صادرات روسيا في عام 2021 بلغت نحو 493.3 مليار دولار، 59.3٪ منها كانت من قطاع الطاقة.

وإنطلاقاً من هذا الإعتماد شبه الكلي، تُعرّض الحكومات الغربية إقتصاداتها الرئيسية للخطر باختيارها المواجهة مع موسكو وتأييدها للعقوبات، وهذا ما تؤكده إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)، التي تعترف بأن “أوروبا هي السوق الرئيسي لروسيا وخصوصاً لصادراتها من النفط والغاز الطبيعي، وبالتالي، أوروبا هي المصدر الرئيسي لعائدات روسيا (ألمانيا هي الزبون الرئيسي، تليها إيطاليا وفرنسا).

والجدير بالذكر أن المصارف الروسية الرئيسية التي تتعامل مع مدفوعات الطاقة هي “غازبروم” و”بنك شيربنك”. وعلى الرغم من الضجة الكبيرة التي أحاطت بإخراج شركات مالية روسية أخرى من نظام معاملات SWIFT العالمي، فإن المصرفين الرئيسيين المذكورين أعلاه لا يزالان يحتفظان بإمكانية الوصول إلى SWIFT، وهذا لا يناسب كييف أبداً.

فقد دعا وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا الحكومات الأجنبية إلى فرض “حظر كامل” على قطاعي النفط والغاز الروسيين. ولكن، على الرغم من الإغلاق المبكر لخط أنابيب “نورد ستريم 2″، فإن ذلك لم يحدث.

في المقابل، ورداً على سؤال عمَّا إذا كان الغرب سيفرض عقوبات على صادرات الطاقة الروسية، اكتفى الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، بالرد على المراسلين الصحافيين وعلى الهواء مباشرة (على هامش اجتماع وزراء الخارجية في بروكسل، الجمعة الماضي) بالقول: “إن كل شيء مطروح على الطاولة”.

لكن أندري كوبولييف، الرئيس السابق لشركة الغاز الطبيعي الأوكرانية المملوكة للدولة “نفتوغاز”، قال إن “الكرملين يعرف جيداً مدى إعتماد الغرب على روسيا”.

وفي حديثه لصحيفة “بوليتيكو” الأميركية على هامش زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي، أضاف كوبولييف،: “من تجربتي في التعامل مع الفريق الذي يعمل مع بوتين، ومعه شخصياً، أستطيع الجزم أن إمدادات الطاقة مهمة جداً للغرب، من الركائز الأساسية بالنسبة لهم. وبغض النظر عمَّا يفعله الروس في أوكرانيا وغيرها، فسيتم العفو عنهم دائماً”، مشيراً إلى أن الدول الغربية “سوف يزحفون على ركبهم مرة أخرى للمطالبة بالنفط والغاز الروسيين”.

وقد أشارت صحيفة “بوليتيكو” إلى أن الولايات المتحدة تواصل استيراد حوالي 540 ألف برميل من النفط الروسي يومياً، من منطلق أنه إذا أوقفت واشنطن هذه الواردات، يمكن لروسيا ببساطة بيع نفطها في مكان آخر. وأضافت الصحيفة أن الرئيس الأميركي جو بايدن، متردد جداً في موضوع زيادة الضغط على الحلفاء الأوروبيين الذين يعتمدون على روسيا للإبقاء على عجلة اقتصادهم تعمل. كما يجد بايدن نفسه في حرج من ممارسة أي ضغط على الأطراف الذين ينضمون الآن إلى الولايات المتحدة في قضايا تتعلق بعقوبات أخرى.

إقرأ على موقع 180  رؤية إسرائيلية لما بعد كورونا: ترامب مُهدد والتصعيد الإقليمي مستبعد

ولكن الأمر لا يتعلق فقط بأوروبا. في واشنطن، تتلخص القضية السياسية الرئيسية في حساسية المستهلكين الأميركيين تجاه إرتفاع أسعار النفط.

وهذا ما اعترف به مسؤول العلاقات العامة في البيت الأبيض، عندما قال يوم الخميس الماضي: “ليس لدينا مصلحة إستراتيجية في تقليص الإمداد العالمي للطاقة… فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي سيرفع الأسعار في مضخة الغاز للأميركيين”.

ومع ذلك، فإن الإنتقادات آخذة في التزايد.

قد يكون الإحجام الغربي عن ضرب الصادرات الرئيسية لروسيا أساسه ليس فقط الإعتماد المُفرط على هذه الصادرات فحسب، ولكن أيضاً الظروف الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة والعالم أجمع

“الجمهوريون” ينتقدون إدارة بايدن بسبب إلغاء خط أنابيب Keystone XL الذي يضخ حوالي 800 ألف برميل يومياً، فيما تستمر في شراء النفط الروسي. وكان بايدن أعلن قراره هذا لأسباب تتعلق بمكافحة الاحتباس الحراري وقضايا تغير المناخ. وتم تقديم مشروع قانون من الحزبين (الجمهوري والديموقراطي) روَّج له 18 من أعضاء مجلس الشيوخ (الخميس)، يطالب واشنطن بوقف وارداتها من النفط الروسي.

قد يكون الإحجام الغربي عن ضرب الصادرات الرئيسية لروسيا أساسه ليس فقط الإعتماد المُفرط على هذه الصادرات فحسب، ولكن أيضاً الظروف الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة والعالم أجمع.

فالحرب الروسية الأوكرانية بدأت وسط ظروف قتصادية عالمية هشَّة. والحكومات تسعى جاهدة للتعافي من تداعيات عامين من جائحة كورونا. وفي مثل هكذا بيئة اقتصادية مهزوزة، تُعد الطاقة السلعة الأساسية التي بسببها يمكن أن يتفاقم التضخم.

وفي هذا الخصوص، صرَّحت بريندا شافير، كبيرة مستشاري الطاقة في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، لشبكة CNBC الأميركية “أن إستبعاد ثالث أكبر مورد للطاقة في العالم عن الأسواق سيشكل “صدمة هائلة” لأسعار النفط العالمية وللاقتصاد العالمي. وإذا ما حصلت مثل هذه الخطوة الهائلة فستكون سابقة لا مثيل لها”. وقالت شافير: “نحن في منطقة غير معروفة.. إن تداعيات سحب 13٪ إلى 15٪ من النفط العالمي من الأسواق في ظلّ العقوبات المفروضة على إيران وفنزويلا لا تحسبها”.

تتناقض هذه الحقائق القاسية؛ والمُحرِجَة في الواقع؛ مع التفاؤل السائد على نطاق واسع بشأن العقوبات من جانب القادة الغربيين، وكذلك من جانب وسائل الإعلام الغربية المتواطئة في التغطية على ما تعنيه هذه العقوبات.

في روسيا، وعلى المستوى الكلي، لا توجد حتى الآن أي إشارة إلى أن صادرات الطاقة سوف يجري تقليصها. أما على المستوى الجزئي، فيتم دمج مستوى معين من مقاومة العقوبات في الاقتصاد الروسي.

على سبيل المثال، قد يكون رفع أسعار الفائدة، التي حدّدها البنك المركزي الروسي، من التدابير التي اعتمدتها موسكو لإحتواء الأزمة، وقد تكون موضع ترحيب في الواقع من قبل المواطن الروسي العادي.

ففي عام 2018 ، تفاخرت روسيا بزيادة معدلات توزيع ملكية المنازل بنسبة 89٪، بفضل نقل صكوك المُلكية إلى السكان بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ما يعني أن نسب الرهن العقاري منخفضة.

علاوة على ذلك، كانت ديون الأسر الروسية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي تشكل فقط 22٪ في عام 2021، مقارنة بـ 79٪ في الولايات المتحدة و87٪ في بريطانيا.

وفي أماكن أخرى من العالم، تتعقد الجهود الغربية الرامية إلى تشكيل جبهة موحدة بسبب أسبقية صناعة رئيسية أخرى في موسكو: الأسلحة.

الهند وفيتنام؛ على سبيل المثال؛ وهما من الدول التي يعتبرهما الغرب عنصراً حاسماً في مواجهته مع الصين، تعتمدان على روسيا بشكل كبير جداً في مجال التسلح.

تقدم روسيا أسلحة محلية الصنع بأسعار مخفضة جداً، ولكن أيضاً متطورة جداً، وتنافس تلك التي يبيعها مصدرو الأسلحة الغربيون. علاوة على ذلك، فقد أشار تقرير الكونغرس الأميركي لعام 2021 إلى مستويات الإعتماد على الأسلحة الروسية في ارتفاع مستمر بين الدول التي تسعى لشراء أحدث الصادرات الروسية في هذا المجال كما تسعى لإقتناء القديم منها على حد سواء.

ومع استمرار تصاعد أعمال الحرب في أوكرانيا، فإن سياسة الغرب الفاترة مع العقوبات لم تؤثر على التصميم الواضح الذي يبديه الكرملين.

في بث تلفزيوني؛ وعلى الهواء مباشرة؛ أصر بوتين على أن يؤكد لشعبه بأن الحرب في أوكرانيا تسير وفقاً للخطة المرسومة. وبالنظر إلى الأخطاء اللوجستية والتكتيكية المتعددة، والخسائر في الأرواح والمعدّات، والأضرار التي تلحق بالمناطق المدنية، يبدو بوتين وكأنه يُجمّل الوقائع.

ولكن طالما أن بوتين وقواته لديهم عائدات النفط والغاز تتدفق من دون عوائق، هناك فرصة كبيرة لينجحوا في مجهودهم الحربي”.

(*) النص بالإنكليزية على موقع “آسيا تايمز“.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  فرنسا غاضبة من "رجال" مصارف لبنان: إنهم مجرمون!