حرب اليمن.. الظلم بحبر “الأمم”

يرتفع منسوب الأزمة السياسية اليمنية ويحتدم المعطى الميداني في ظل تقارير أممية عن تدهور الوضع الإنساني في البلاد، فضلاً عن سقوط 377 ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى وبروز حالة مجاعة غير مسبوقة في هذا البلد.

منذ تأسيسها إلى اليوم لم تزل مقاصـد الأمـم المتحدة في “حفظ السلم والأمن الدولي”، منصوصةً ومتصدرةً ميثاقها، دون تعديل أو تغيير، حيث تنص على منع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وأهمية التعاون الدولي من أجل رفاه الشعوب وأمنها.

برغم حضور النصوص لتستخدم من قبل المجتمع الدولي عندما تدعو الظروف لإستخدامها، إلا أن سبع سنوات من حرب اليمن لم تكن كفيلة باتخاذ قرار دولي بوقف هذه الحرب، إنما بفرض عقوبات على جزء من شعب اليمن دون جهة أخرى حيث يسقط “احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً” في اليمن ليتسع التمييز “بسبب الجنس أو اللغة أو الدين”.

لم تكن المادة السادسة في ميثاق الأمم المتحدة كفيلة لفصل دول التحالف السعودي الإماراتي من عضوية الأمم المتحدة برغم انتهاك مبادئ الميثاق التي لا يمكن حصرها في انتهاك السلم والأمن الدولي وخرق سيادة الدول الأخرى والإمعان في قتل المدنيين العُزّل.

برغم انضمام اليمن إلى الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم (29) عام 1947، والقاضي بضم اليمن إلى عضوية هيئة الأمم إلا أنّ قرارات مجلس الأمن لم تكن منصفة بحق هذا البلد. لقد دخل اليمن في عدة حروب أهلية وتعرض لإعتداءات خارجية في حقب زمنية مختلفة، وخلال تلك الفترات كانت القرارات الأممية غائبة أو بعيدة عن الحل الحقيقي لتلك الحروب التي تتسم بالدعم الخارجي لأحد أطراف النزاع الداخلي.

وبعد غياب أممي طال قرابة سبعة عقود، لم يُصدر خلالها مجلس الأمن سوى أربع قرارات في مواجهة عشرات الأحداث والحروب الأهلية والاعتداءات الخارجية على اليمن، أصدر منذ انطلاق أحداث العام 2011 (بالتزامن مع ما يُسمى “الربيع العربي”) ثمانية عشر قراراً بخصوص حرب اليمن.

وجّه مجلس الأمن إجراءاته لتشجيع الحرب، ما نقل الصراع في اليمن من نزاع سياسي عسكري داخلي في إطار ضيق، إلى صراع ذي طابع دولي تورطت فيه عشرات الدول من مختلف قارات العالم وتوسعت جغرافيته لتشمل عدة دول

لا بد من إستعراض مخالفات مجلس الأمن، من خلال قراراته، لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها المتعلقة بالحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذلك ما يتعلق بصلاحيات مجلس الأمن الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والتي حصرت تدخله في حال وجود حوادث تشكل خطراً حقيقياً يُهدد السلام والأمن الدوليين، أو في قمع جريمة عدوان على بلد ما، فمنذ بداية الحرب على اليمن في 26 اذار/مارس 2015 وجّه مجلس الأمن إجراءاته لتشجيع الحرب، ما نقل الصراع في اليمن من نزاع سياسي عسكري داخلي في إطار ضيق، إلى صراع ذي طابع دولي تورطت فيه عشرات الدول من مختلف قارات العالم وتوسعت جغرافيته لتشمل عدة دول وبما جعل مجلس الأمن ينتقل من حامٍ للأمن والسلم الدوليين إلى مُشجّع لإنتهاكهما، كما لإنتهاك القانون الدولي.

وفي سبيل ذلك سعى المجلس لفرض وصايته غير القانونية على اليمن من خلال أربع مراحل، وهي كالآتي:

المرحلة الأولى: محاولة إقناع المجتمع الدولي أن الحالة في اليمن تهدد الأمن والسلم الدوليين عبر القرارين (2014) عام 2011 و(2051) عام 2012.

المرحلة الثانية: إصدار القرار (2140) عام 2014 الذي قرر فيه مجلس الأمن أن الحالة في اليمن تهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة وفرض قرارات تندرج في خانة “التدخل في الشؤون الداخلية” اليمنية بموجب الفصل السابع، على الرغم من فشله في إثبات ولو حادثة واحدة تهدد الدول المجاورة أو السلام والأمن الدوليين، بجانب تأكيده في مختلف قراراته بأن الأحداث في اليمن لا تتعدى الشأن والجغرافيا اليمنية، وأنها أحداث يغلب عليها الطابع السياسي فيما يتعلق بانتقال السلطة وتشكيلها، بل ورحب في القرار نفسه وبشكل غير مسبوق بالمتغيرات السياسية الإيجابية وتعاون جميع الجهات المعنية في اليمن في العملية الانتقالية.

نتيجة لذلك كان قرار مجلس الأمن رقم (2140) يُمثل انقلاباً على المنظومة والقوانين والأعراف الدولية، كما شكّل هذا القرار مخالفة صريحة ومتعمدة لمقاصد وميثاق الأمم المتحدة وقراراته المُحدِدة لأسباب التعامل مع الدول بموجب الفصل السابع، والمؤكدة على عدم جواز التدخل في شؤون الدول الداخلية والخارجية وانتهاك سيادتها ومصادرة حقوق شعبها في تقرير مصيرهم بدون أي تدخل أو تهديد خارجي.

المرحلة الثالثة: محاولة التفاف مجلس الأمن على نجاح ما تُسمى “ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014” وإعلان كافة الأطراف والمكونات السياسية توقيع “اتفاق السلم والشراكة”، حيث اكتفى المجلس بالترحيب والدعوة للالتزام بالاتفاق.

وبعد استقالة عبدربه هادي وخالد بحاح، وإعلان “اللجنة الثورية العليا”، كسلطة مؤقتة لإدارة البلد وإنقاذه من الفراغ الدستوري حتى تنفيذ بقية بنود “اتفاق السلم والشراكة”، وصولاً لإجراء إنتخابات رئاسية ونيابية وتسليم السلطة سلمياً لمن يختاره الشعب، توالت بيانات الإدانة والشجب من دول مجلس التعاون الخليجي وتوّجها مجلس الأمن بقراره (2201) الصادر في 15 شباط/فبراير 2015، حيث تراجع عن إلزام اليمنيين بالتقيد بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وأعلن دعمه للمبعوث الأممي في رعاية الحوار اليمني.

إقرأ على موقع 180  الشرق الأوسط أسير مفاوضات ـ مواجهات مباشرة أو بالوكالة

المرحلة الرابعة: محاولة مجلس الأمن فرض وصاية على اليمن بتشجيعه تنفيذ دول التحالف حربها ضد اليمن في 26 اذار/مارس 2015، فعلى الرغم من استجابة “أنصار الله” (الحوثيون) لكافة طلبات المجلس الواردة في القرارات (2140) و(2201) و(2204)، وخلال فترة الأربعين يوماً من “سياسة الصبر الاستراتيجي”[1]، شنّت قوات التحالف بقيادة السعودية مئات الغارات على مختلف المحافظات اليمنية، وفي المقابل، لم يقم مجلس الأمن بالدور المتوقع منه ولو بإصدار قرار يقضي بإدانة أو وقف العدوان مكتفياً بإلتزام الصمت تجاه المجازر ضد الإنسانية.

وبعد صمت مجلس الأمن لقرابة سبع سنوات عن حرب دول التحالف على اليمن، جاء قرار مجلس الأمن رقم 2564 في 25 شباط/فبراير2021، وكان قراراً استثنائياً ألغى التزامه بتطلعات الشعب اليمني، والذي كان يكرره في كل ديباجة من القرارات السابقة ترافق التزامه بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية، كما أعلن فيه لأول مرة إدانة أحد أطراف النزاع الذي نشأ نتيجة قيام دول التحالف بقيادة السعودية بشن حرب ضد اليمن منذ 26 آذار/مارس 2015 حتى تاريخه، لكن الإدانة لم توجه نحو الطرف الذي يقصف اليمن بالصواريخ والقنابل ليلاً ونهاراً ويجوّع شعبه بحصار مستمر منذ قرابة سبع سنوات، بل كانت إدانة مجلس الأمن “الشديدة”، لـ”التصعيد المستمر في مأرب باليمن، بما في ذلك العملية التي نفذها الحوثيون في 7 شباط/فبراير 2021”. وأيضاً على “استمرار هجمات الحوثيين على المملكة العربية السعودية، بما في ذلك على مطار أبها الدولي”، داعياً إلى “وقف فوري للهجمات دون شروط مسبقة”.

لولا الدعم الأمني والاستخباراتي والعسكري للتحالف العربي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بدء حرب اليمن، لما شكلت السعودية تحالفا «عربيا»، وشنت حربا على اليمن

مؤخراً، جدّد القرار 2624، الذي صدر في 28 شباط/فبراير 2022، نظام العقوبات على اليمن لمدة عام، ووصف الحوثيين بأنهم “جماعة إرهابية”، وأدرج الحوثيين ككيان في قائمة عقوبات اليمن، تحت حظر السلاح المستهدف في القرار 2216، لتورطهم في أعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن، وهذا يعني استمرار الهجمة الأممية على اليمن عبر قرارات مجلس الأمن.

وليس خافياً أنه لولا الدعم الأمني والاستخباراتي والعسكري للتحالف العربي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بدء حرب اليمن، لما شكلت السعودية تحالفا «عربيا»، وشنت حربا على اليمن فارضة عليه حصاراً جوياً وبحرياً، بذريعة حماية أمنها القومي ودعم «الشرعية» المتمثلة بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وقد أنشأت الولايات المتحدة غرفة عمليات مع السعودية «خلية التخطيط المشترك» لتنسيق العمليات العسكرية والاستخبارية في اليمن وتوفير الدعم الأمريكي لتزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو والتبادل المحدود للمعلومات، وتشير التقارير إلى أن الدعم الأمريكي اللوجستي والعسكري لعاصفة الحزم قد بلغ نحو 174 مليار دولار.

ولولا الرافعة التي شكلتها الولايات المتحدة في مجلس الأمن، لما كانت صدرت كل هذه القرارات الأممية الهادفة إلى تغطية هذه الحرب التي أكدت بالبرهان أن الأمم المتحدة تجاوزت دورها الذي حدّدته المعاهدات والمواثيق التي أنشأت من أجلها المنظمة، في تعاطيها مع الملف اليمني، الأمر الذي يتعارض كلياً مع طبيعة مهامها واختصاصاتها الأساسية التي حدّدها ميثاق المنظمة.

[1] عرفت سياسة الحوثيين في معركتهم ضد التحالف الخليجي بـ”سياسة الصبر الاستراتيجي”، وهي الانتظار الواعي الذي يضع نصب عينيه الهدف الجماعي، فيما يقوم بتحين الفرص والتقدم خطوات نحو الأمام؛ الأمر الذي يجعل الهدف المنشود يقترب يوما بعد يوم. إلا أنه قد ورد كمصطلح على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

باحثة لبنانية

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  العولمة والهوية.. نموذج إستهلاكي ثقافي واحد