حرب أميركية بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا

لفهم الوضع الحالي في أوكرانيا، يجب أن نفهم الدور المركزي الذي تلعبه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الصراع الدائر هناك منذ البداية، أي منذ أن خطَّطت واشنطن وأدارت ما يُعرف بـ"ثورة الميدان الأوروبي" (الإنقلاب الأوكراني) في عام 2014، حتى بدء العملية العسكرية الروسية في شباط/فبراير الماضي.

أدى الإنقلاب الأوكراني عام 2014 إلى تفكك أوكرانيا على أثر دمج شبه جزيرة القُرم مع روسيا، تلاه ما يمكن اعتباره بـ”حرب أهلية محدودة” بين كييف (دعمتها واشنطن)، والجمهوريات الانفصالية في دونباس (دعمتها موسكو). بعد ثماني سنوات من تلك الحرب، تصاعد التوتر مرة أخرى في أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022، مع زيادات هائلة في الدعم العسكري والتدريب الأميركي، واستمرار الهجمات من قبل كييف على دونباس، وذلك في انتهاك واضح وصارخ لـ”اتفاقيات مينسك” لعام 2014. وهذا ما دفع بروسيا للتدخل في أوكرانيا بشكل مباشرة، وحوَّلت ما كان حرباً أهلية إلى حرب واسعة النطاق أسفرت حتى الآن عن نتائج مروّعة. كل ذلك ساهم في إبراز حقيقة أن ما كان يجري في أوكرانيا أكبر بكثير من مجرد حرب أهلية بين كييف ودونباس، وأن الوضع الأمني الراهن ما هو إلا نتيجة حرب بالوكالة تقودها بين الولايات المتحدة /”الناتو” منذ عقود ضد روسيا.

إنها حرب بالوكالة

عن الدور الأميركي في الحرب الروسية الأوكرانية، يقول ليون بانيتا، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية (2009-2011) ووزير الدفاع (2011-2013) في إدارة الرئيس باراك أوباما: “الطريقة الوحيدة للتعامل مع فلاديمير بوتين في الوقت الحالي هي أن نقوي أنفسنا. هذا يعني تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية للأوكرانيين لكي يواصلوا المعركة ضد الروس.. نحن منخرطون في صراع هنا. إنها حرب بالوكالة مع روسيا، سواء قلنا ذلك أم لم نقل. هذا ما يحدث بشكل فعلي. ولهذا السبب، يجب أن نقدم أكبر قدر ممكن من الأسلحة للأوكرانيين.. فالدبلوماسية لن تنفعنا بشيء ما لم يكن لدينا نفوذ. والطريقة التي نحصل بها على النفوذ هي الإنخراط بالحرب بشكل جدّي وقتل الروس”.

ما قاله بانيتا إعتراف واضح وصريح بأن الولايات المتحدة منخرطة في “حرب بالوكالة” طويلة الأمد مع روسيا، ستخوضها أوكرانيا بشكل مباشر، حيث تعمل القوات العسكرية في كييف كوكيل غربي في صراع جيوسياسي أكبر. ويتمثل الدور الأميركي/ “الناتو” من وجهة النظر هذه في “توفير أكبر قدر ممكن من الأسلحة”، والتصعيد من وتيرة الحرب بدلاً من البحث عن حلول دبلوماسية.

الحرب بالوكالة، بحسب التعريف الذي قدمه الإستراتيجي السياسي-العسكري أندرو مومفورد في عام 2013، هي نزاع “يتدخل فيه طرف ثالث بشكل غير مباشر من أجل التأثير على النتيجة الإستراتيجية لصالح فصيله المفضل”، مع سعي الطرف الثالث؛ المهيمن دائماً؛ لتحقيق أهدافه الخاصة بصرف النظر عن وكيله. وعادة تكون الحروب بالوكالة “خيار مفضل” في النزاعات التي تنشأ بين القوى العظمى، ولكنها غالباً ما تُستخدم أيضاً من أجل تحقيق غايات إمبريالية. وفي حالة أوكرانيا، يبدو الأمر كما لو أن الأوكرانيين عبارة عن “عامل عرضي” للعملية ليس إلا. بمعنى أنهم موجودون هناك كهدف للجيش الروسي، والمطلوب منهم فقط أن يموتوا بأعداد كبيرة، لأن الهدف الحقيقي من هذا الأمر برمته هو تدمير الدولة الروسية وبالتالي تدمير شخص فلاديمير بوتين”، بحسب المستشار الخاص السابق لوزير الدفاع الأميركي العقيد دوغلاس ماكغريغور.

وبالطبع، ثمة عواقب وخيمة للترويج لحرب بالوكالة في أوكرانيا، تمتد إلى ما هو أبعد من الجيش لتشمل السكان المدنيين أيضاً.

ليون بانيتا: إنها حربنا بالوكالة ضد الروس.. ويجب تقديم أكبر قدر ممكن من الأسلحة للأوكرانيين.. فالدبلوماسية لن تنفعنا بشيء

بدأت الحرب بالوكالة الأميركية في أوكرانيا، بالإنقلاب الأوكراني عام 2014 الذي رعته وأدارته واشنطن. تلت ذلك ثماني سنوات من الحرب الأهلية بين كييف ودونباس (توقف لفترة وجيزة بموجب اتفاقيات مينسك)، ما أدى إلى مقتل حوالي 14000 شخص. في شباط/فبراير 2014، كان 130 ألف جندي أوكراني؛ وبأوامر من كييف؛ على حدود جمهوريتي دونباس الانفصاليتين (دونيتسك ولوهانسك)، يطلقون النار على المدنيين، ما أجبر السكان بالفعل على العيش لسنوات في الملاجئ تحت الأرض.

إشعال حرب غير محددة

خلال أكثر من عقدين من الزمن (1991 إلى 2014)، زوَّدت واشنطن كييف بحوالي 3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية. من عام 2014 إلى عام 2021، بلغت قيمة المساعدة العسكرية الأميركية المباشرة لكييف 2.4 مليار دولار، شملت أسلحة متطورة وفتَّاكة. تطورت المساعدات العسكرية أكثر مع بداية إدارة الرئيس جو بايدن في عام 2021. وكانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي أي إيه) قد بدأت بالفعل؛ خلال إدارة الرئيس الاسبق باراك أوباما؛ بتدريب قوات مكافحة التمرد الأوكرانية بهدف “محاربة الروس”، وامتدت التدريبات إلى إنشاء “كتيبة آزوف” وغيرها من التجمعات العسكرية للنازيين الجُدد في أوكرانيا. شاركت المملكة المتحدة وكندا في تدريب 55000 جندي أوكراني. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وضعت إدارة بايدن ميثاقاً جديداً بينها وأوكرانيا بشأن الشراكة الإستراتيجية، ما أعاد التأكيد صراحة على هدف ضم أوكرانيا إلى “الناتو” ووضع شروط لمزيد من الدعم العسكري من شأنه تعزيز هذا الهدف بشكل فعَّال، وبالتالي تخطي كل الخطوط التي أنشأتها روسيا فيما يتعلق بأمنها. أدَّت العملية العسكرية التي بدأتها روسيا في أواخر شباط/فبراير إلى تدفق هائل للأسلحة الغربية في أوكرانيا والمسرح الأوروبي. قدمت 32 دولة، (جميعها تقريباً أعضاء في “الناتو”) تدريبات ومساعدات عسكرية مباشرة إلى كييف، أو وعدت بتقديم مساعدات، مع تدفق أسلحة بمليارات الدولارات إلى البلاد لإشعال حرب غير محددة (من دون سقف زمني ولا جغرافي).

إقرأ على موقع 180  الجيوستراتيجيا في محيط الصين (4/2)

الدبلوماسية “مرفوضة”!

حالياً، تعارض واشنطن بشدة إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع. في ظل هذه الظروف، من المرجح أن تستمر الحرب بالوكالة، والتي تهدف بوضوح إلى إضعاف الدولة الروسية إن لم يكن تدميرها، وبالتالي تهديد البشرية جمعاء. ويترتب على ذلك من جميع أطراف النزاع، والعالم بأسره، التركيز على تعزيز شروط السلام الدائم من خلال الدبلوماسية، الأمر الذي يتطلب احترام المصالح الأمنية الحيوية لجميع اللاعبين الإقليميين. ومع ذلك، من المهم أن نذكّر أنفسنا بأن هذه حرب بين الرأسمالية مع كل المخاطر التي تنذر بها. والسلام العالمي يتطلب نضالاً طويل الأجل.

-عن “Monthly Review

(*) انتهت ثورة الميدان الأوروبي، أو الانقلاب الأوكراني، في شهر شباط/فبراير عام 2014، بسلسلة من الأحداث العنيفة شارك بها متظاهرون وشرطة مكافحة الشغب ومسلحون مجهولون في كييف، بطرد الرئيس الأوكراني المُنتخب، فيكتور يانوكوفيتش، وإسقاط نظامه.

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  أين القضاة الشرفاء في لبنان؟