القضية الفلسطينية عند بايدن.. معيشية!

تصوّر بعض العرب أن الشعب الفلسطينى عليه أن ينتظر الكثير من الإيجابيات من إدارة جو بايدن، إلا أنه وبعد مرور عام ونصف العام على وصول بايدن للبيت الأبيض، يتأكد أنه لا يوجد لدى إدارة بايدن ما يمكن أن ينصف، ولو حتى بالقدر الضئيل الجانب الفلسطينى.

بعد وصوله الحكم فى يناير/كانون الثاني 2021، تعهد جو بايدن بإعادة المبادئ الحاكمة التى وجهت السياسة الأمريكية نحو الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، ويشمل ذلك تقليديا دعم حل الدولتين، ومعارضة أى أنشطة إسرائيلية لضم الأراضى وبناء المستوطنات. لكن بايدن أكد كذلك أنه لن يتراجع عن قرار ترامب نقل سفارة واشنطن إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
وقبل ذلك وخلال حملته الانتخابية، تعهد الرئيس جو بايدن بإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس، وكرر وزير الخارجية تونى بلينكن عدة مرات القول إن بلاده «ستمضى قدما فى عملية فتح قنصلية القدس الشرقية فى إطار تعميق هذه العلاقات مع الفلسطينيين». ويبرر أنصار بايدن عدم تحركه تجاه إعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس إلى تعمق الانقسامات السياسية داخل إسرائيل والانتخابات المتكررة التى أفضت لتشكيل حكومة يمينية فى يونيو/حزيران 2021، وهو ما يحد من قدرة بايدن على تنفيذ وعده بإعادة افتتاح القنصلية بالقدس الشرقية حتى الآن.

***

تتجاهل إدارة بايدن أى حديث عن خططها لإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس، ويرجع ذلك بصورة كاملة إلى إدراكها أن الحكومة الإسرائيلية لن تدعم مثل هذه الخطوة، ولن تعطى واشنطن الضوء الأخضر لأى خطوة من هذا القبيل. وبدلا من ذلك تماطل إدارة بايدن وتركز على دعم مبادرات وخطوات اتفاقيات أبراهام التطبيعية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية والتى تم التوصل إليها فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
ويؤمن بايدن أنه يمكن شغل الفلسطينيين بموضوعات ومبادرات لتحسين حياتهم اليومية اقتصاديا ومعيشيا، وتجاهل قضية الاحتلال أو المسائل السياسية التى لا ترغب إسرائيل فى التطرق إليها، ولا تجد نفسها مضطرة لذلك فى غياب رغبة أو ضغط من جانب واشنطن، وتجاهل من جانب العواصم العربية.
ولا يضع بايدن أى أولوية عالية للقضية الفلسطينية، ويسهل ذلك قفز الجمهوريين فى الكونجرس بمشروع قرار يهدف إلى منع إدارة بايدن مستقبلا مما يعتبرونه استرضاء للشعب الفلسطينى وتقسيم القدس عن طريق إعادة فتح قنصلية بلادهم بها.
ولا يجب القبول فى عالم اليوم بذريعة أن اللوبى المؤيد لإسرائيل يتمتع بنفوذ هائل فى الكونجرس، وهو ما يكفى لتحدى أو حتى تقييد يدى الرئيس بايدن بصورة جدية.

***

وقبل أسابيع من زيارة الرئيس جو بايدن المرتقبة إلى الشرق الأوسط، غيّر البيت الأبيض منصب السيد هادى عمرو، الذى يشغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشئون الإسرائيلية والفلسطينية منذ يناير/كانون الثاني 2021، ليصبح منصبه الجديد «المبعوث الخاص إلى الفلسطينيين».

يمثل استمرار دعم بايدن لأكثر الحكومات يمينية وتطرفا فى التاريخ الإسرائيلى بمثابة توفير غطاء لما نشهده من أعمال عدوانية إسرائيلية جاءت عقب صمت واشنطن وفشلها فى إدانة أعمال العنف من المستوطنين واليمينيين المتطرفين الإسرائيليين فى ساحة المسجد الأقصى

وتأتى ترقية عمرو، الأمريكى صاحب الجذور اللبنانية، كجزء من جهود الإدارة لإعادة ضبط علاقتها مع القيادة الفلسطينية فى الضفة الغربية.
واعتبر بعض الخبراء أن الخطوة الأمريكية الجديدة تتناسب مع توجهات إدارة بايدن المختلفة عن الأجواء العدائية التى ميّزت توجهات الإدارة السابقة لدونالد ترامب تجاه الشعب الفلسطينى.
إلا أننى أعتبر هذه الخطوة دليلا إضافيا على عجز إدارة بايدن، وتهربه من التعهدات الكبيرة التى كررها أثناء حملته الانتخابية خاصة تجاه إصلاح ما قام به ترامب من خطوات عدائية سافرة تجاه الشعب الفلسطينى فى خروج صريح عن خط كل الرؤساء الأمريكيين السابقين سواء الجمهوريين منهم والديمقراطيين.

***

وبعيدا عن سجل بايدن الطويل المناصر لإسرائيل على طول الخط، اتخذ بايدن خلال رئاسته مواقف سلبية غالبا وعدائية أحيانا تجاه الشعب الفلسطينى. فبعد العدوان الإسرائيلى على غزة العام الماضى، قال بايدن إنه يأمل أن «يتم إنهاء التوتر فى الشرق الأوسط عاجلا لا آجلا»، إلا أنه أكد وكرر ما اعتبره «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها فى وجه آلاف الصواريخ التى تسقط عليها»، وفى حين تجاهل هجمات إسرائيل على الكثير من المناطق السكنية الفلسطينية وهو ما أدى لمقتل العشرات من المدنيين والمدنيات الأبرياء.
وبعد مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، والتى تحمل الجنسية الأمريكية، تتجاهل واشنطن عملية القتل بمطالبتها بإجراء تحقيق سريع وشفاف دون أن تضغط بأى صورة على الجانب الفلسطينى، ودون أن تطلب إدارة بايدن بالمشاركة فى التحقيقات وتجاهل أن الضحية مواطنة أمريكية.
ويمثل استمرار دعم بايدن لأكثر الحكومات يمينية وتطرفا فى التاريخ الإسرائيلى بمثابة توفير غطاء لما نشهده من أعمال عدوانية إسرائيلية جاءت عقب صمت واشنطن وفشلها فى إدانة أعمال العنف من المستوطنين واليمينيين المتطرفين الإسرائيليين فى ساحة المسجد الأقصى خلال الأيام الأخيرة.
لكن الحقيقة المُرة التى يدركها بايدن ويختار تجاهلها هى أن بلاده ليست دولة متفرجة فى صراع الشرق الأوسط، فهى تضر بشكل غير عادل بأحد الطرفين منذ عقود لصالح الطرف الآخر مما جعل تحقيق السلام مستحيلا. ويتهم أركان حزب الرئيس بايدن الديمقراطى الفلسطينيين بأنهم ليسوا شريكا جاهزا للسلام، ويرون فى الوقت ذاته أن الإسرائيليين على ما يرام بدون عملية السلام. وبدلا من استغلال زيارته لإسرائيل والمناطق المحتلة للتأكيد على موقف واضح للرئيس بايدن من مستقبل القدس، ذكرت شبكة “سى إن إن” (CNN) أن بايدن قد يزور مستشفى جمعية المقاصد الإسلامية بمدينة القدس الشرقية.

إقرأ على موقع 180  تفكُّك الدولة اللبنانية - 10 تداعيات على إسرائيل

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  تفكُّك الدولة اللبنانية - 10 تداعيات على إسرائيل