تقول السجلات السرّية؛ التي يعود تاريخها إلى تسعينيات القرن الماضي، وتم إصدارها لأول مرة من قبل الأرشيف الوطني في كيو- المملكة المتحدة؛ إن الحكومة البريطانية تعتقد أنها كانت تستحق تقديراً أفضل لقاء دورها في حرب الخليج الأولى، و”المساعدة” التي قدمتها للدفاع عن الكويت وتحريرها من الغزو الذي شنه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وتضيف السجلات، أنه ومن هذا المنطلق، سعى رئيس الوزراء العمالي السابق طوني بلير إلى حث الحكومة الكويتية على شراء أحدث سلاح مدفعية بريطاني آنذاك هاوتزر AS90 كـ”تعويض” عن الدعم الذي قدمته بلاده للكويت أثناء حرب الخليج الأولى.
وبحسب السجلات، فإنه وطوال الفترة من 1998 إلى 1999، ضغط بلير مراراً وتكراراً في هذا الموضوع على الكويت، وتحديداً على ولي العهد آنذاك المرحوم الشيخ سعد العبد الله السالم الصُباح. ولم يفوت بلير فرصة ولا مناسبة إلَّا وكان يفتح فيها الموضوع. حتى أنه في إحدى المرات تقصد أن يتوقف في الكويت وهو في رحلة العودة من جنوب افريقيا من أجل أن يتحدث مع الشيخ سعد والتأكيد على الموضوع.
وتُظهر السجلات أن حكومة المملكة المتحدة تعتقد أنها كانت تستحق أن تفوز بعقد صفقات بيع أسلحة ومعدات دفاعية كـ”اعتراف” بدورها في الدفاع عن لكويت بعد الغزو العسكري الذي شنه صدام حسين في آب/أغسطس 1990.
الحكومة البريطانية أصيبت بخيبة أمل كبيرة، لأنها لم تجن سوى القليل القليل جراء مشاركتها في حرب الخليج… رغم أنها كانت صديقاً مخلصاً للكويت على مدى عقود طويلة
ووسط مخاوف حقيقية من أن عقود صفقات الأسلحة ستذهب كلها لصالح الولايات المتحدة، وبطلب من وزارة الخارجية البريطانية، جرى ترتيب إجتماع على عجل في الكويت، في كانون الثاني/يناير 1999. وبحسب محضر الاجتماع، حاول بلير إقناع المسؤولين الكويتيين لكي يشتروا صفقة من سلاح المدفعية البريطاني طرازهاوتزر AS90، بدلاً من M109 الأميركية.
وبحسب مذكرة بعث بها السكرتير الخاص رقم 10 في وزارة الخارجية، فيليب بارتون، إلى زميله تيم بارو، تتضمن مجريات الاجتماع الذي جرى في الكويت، فقد حاول بلير جاهداً إقناع ولي العهد الكويتي بمدى كفاءة وفعَّالية المدفعية هاوتزر AS90، على الرغم من أنه كان يعلم أن واشنطن قد عرضت سلاحها M109.
ويقول بارتون في مذكرته إنه عندما أجاب الشيخ سعد العبد الله بأن سعر هاوتزر AS90 مرتفع جداً، رد عليه بلير “لكنها (المدفعية) ستؤدي مهمتها بشكل صحيح وكامل.. كما أن وزير الدفاع وعد بأن يأخذ موضوع العلاقات بين الكويت والمملكة المتحدة في الاعتبار (في إشارة إلى إمكانية تعديل السعر) وأنا أتمنى أن تتذكر الكويت الدعم الذي قدمته لها المملكة المتحدة”.
وتظهر مذكرات الإحاطة الداخلية من اليوم السابق لإجتماع الكويت، والواردة في السجلات الصادرة الآن عن الأرشيف الوطني في كيو، أن بلير قيل له صراحة إن الحكومة البريطانية “أصيبت بخيبة أمل كبيرة، لأنها لم تجن سوى القليل جراء مشاركتها في حرب الخليج، وفازت بحفنة صغيرة جداً من الصفقات الدفاعية، رغم أنها كانت صديقاً مخلصاً للكويت على مدى عقود طويلة”.
وذكر بارتون أن الكويت وعدت بأن “تضع المملكة المتحدة في الاعتبار” قبل اتخاذ أي قرار حاسم بشأن صفقات الأسلحة التي تريد شراءها.
ومن المحاولات التي قامت بها بريطانيا لجذب الكويتيين، رسالة بعث بها بلير إلى الشيخ سعد العبد الله قبل ثلاثة أشهر من الزيارة، وصف فيها سلاح مدفعية هاوتزر AS90 بأنه “أفضل مدفع عيار 155 ملم في العالم اليوم”، وأن مواصفاتها تتفوق على ما يعادلها في الولايات المتحدة.
وكتب بلير في رسالته يقول: “هذا الطلب الذي نتقدم به إلى الكويت مهم جداً بالنسبة للمملكة المتحدة ولصناعتنا خصوصاً في هذا الوقت العصيب الذي تمر به. سننتظر قرارك بفارغ الصبر”.
لكن كل تلك الجهود لم تؤت ثمارها. فبعد أقل من شهرين من زيارة بلير أعلنت الكويت عزمها شراء صفقة المدفعية الأميركية.
المصادر: صحيفة “الغارديان“، موقع “هيلينغدون وأوكسبريدج تايمز“، موقع “ذا ناشونال نيوز“.