من دون إعلان مسبق، وصل وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى طهران يوم الأحد الماضي حاملًا رسالة أميركية “تتعلق بالقضايا الإقليمية والمفاوضات النووية وصولاً إلى إطلاق محاولة جديدة لإعادة جميع الأطراف إلى طاولة محادثات فيينا”، على حد تعبير مصادر غير رسمية في العاصمة الإيرانية.
بطبيعة الحال، ليست الزيارة الأولى من نوعها للمسؤول القطري. سبق أن إستقبلته طهران في الأشهر الأخيرة أكثر من مرة، “في محاولة لإحداث خرق في جدار أزمة العلاقات السياسية بين إيران والولايات المتحدة عبر وساطة قطرية بنّاءة هدفها الوصول بالمحادثات النووية إلى مسك ختامها وفي الوقت نفسه، إطلاق دينامية تتصل بالحوار الايراني – السعودي”، على حد تعبير المصادر الإيرانية.
واللافت للإنتباه أن زيارة الوزير القطري تزامنت في اليوم نفسه، مع إعلان وزير خارجية العراق فؤاد حسين عن زيارة سيبدأها نظيره السعودي فيصل بن فرحان إلى بغداد، اليوم (الخميس) وذلك تلبية لدعوة عراقية وهدفها التحضير لإطلاق الجولة السادسة من الحوار الإيراني السعودي على أرض العاصمة العراقية وبرعاية رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
وقال وزير خارجية قطر قبيل مغادرته العاصمة طهران إن اميركا “أعطتنا سلسلة من الرسائل لنقلها إلى إيران، بخصوص قضايا لها علاقة بالاتفاق النووي”.
وحول تفاصيل الرسائل الاميركية التي نقلها الى إيران، أوضح بأن الرسائل كانت من مختلف الأطراف وتتناول قضايا مختلفة؛ مؤكدًا بأن الفرص باتت مواتية الآن لحل المشاكل المتعلقة بالإتفاق النووي وتهيئة الظروف المناسبة من أجل العودة إلى هذا الاتفاق، مشددًا على أن بلاده تسعى دومًا إلى خلق بيئة ملائمة لعقد جولات تفاوض إضافية بشأن الاتفاق النووي.
من جانبه، تحدث وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره القطري عن المفاوضات الرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي والعلاقات الثنائية والأمن الإقليمي، وقال إن طهران تسلّمت رسائل من الأطراف المشاركة في الاتفاق النووي عبر قطر، ونوه بـ”دور الدوحة الإيجابي من أجل إعادة الأطراف إلى الاتفاق النووي والتوصل لاتفاق مثمر”.
وتشير المعلومات الى أنه “لو نفذت طهران مقترحات قطر، لا سيما قبيل الحرب الأوكرانية، لكانت الظروف السياسية والاقتصادية لإيران أفضل مما هي عليه حاليًا، فضلًا عن أنها كانت ستؤدي الى تكريس تهدئة إقليمية ودولية ورفع قسم مهم من العقوبات الأميركية عن ايران”.
والسؤال الآن: ماذا بعد زيارة وزير خارجية قطر، وهل هناك فرصة متاحة لمواصلة المحادثات النووية، وهل ستعود إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى طاولة مفاوضات فيينا، وهل يمكن أن تكون الزيارة المرتقبة للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي هذا الشهر إلى طهران بمثابة القوة الدافعة لاستئناف المفاوضات، وهل الرسائل الأميركية والأوروبية تضمنت إشارات إيجابية في الملفات النووية والإقليمية؟
ثمة إنطباع أن الأميركيين أعطوا الضوء الأخضر مرة أخرى لاستئناف المفاوضات النووية، وفي الوقت نفسه، أعلنت إيران استعدادها لابرام إتفاق قوي وعادل في الأسابيع الأخيرة. فهل تلتقي الإرادتان الإيرانية والأميركية، أم أنهما ستستمران بالتباعد مع كل وساطة وجولة مفاوضات جديدة؟
بناءً على الاتفاقية النووية للعام 2015، يُعرف 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 باليوم الانتقالي (Transition Day). ووفقًا لـ JCPOA (Joint Comprehensive Plan of Action ) خطة العمل الشاملة المشتركة، يجب رفع بعض القيود النووية وكذلك بعض القيود المتبقية على الأشخاص الخاضعين للعقوبات بحلول 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي هذا التاريخ، يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات لإلغاء عقوبات الكونغرس ضد إيران. فهل سيتم تطبيق هذا البند من الاتفاق النووي؟
تشير المعلومات المتوفرة في طهران إلى أن الرسالة الأخيرة التي نقلها الوزير محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى إيران من الأميركيين والأوروبيين تتعلق مباشرة بهذا التاريخ الذي تم تحديده في إتفاق العام 2015.
في ظل هذه المعطيات والمعلومات، تتبدى ثلاثة احتمالات مستقبلية:
أولًا؛ قبل 19 أكتوبر/تشرين الأول، سيتم التوصل إلى اتفاق بشأن إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة لعام 2015، يعود بموجبه الجميع إلى الاتفاقية، وبالتالي تفي إيران ومجموعة 1 + 5 بالتزاماتهم. وانطلاقًا من هذا الوضع، فإن الأطراف المتفاوضة في فيينا ستنفذ التزاماتها وفق المسودة التي تم إعدادها منذ سبتمبر/أيلول الماضي.. وهذا الإحتمال هو السيناريو الأكثر تفاؤلًا، برغم حظوظه غير الكبيرة.
ثانيًا؛ في حال عدم حصول اتفاق بين أطراف 5 + 1 قبل 19 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، ستوقف إيران تطوير برنامجها النووي وسيتم تمديد الموعد المنشود إلى 19 تشرين الأول/أكتوبر 2025 كإتفاق جزئي يحظى بموافقة الجميع، حتى يتسنى لإيران، أوروبا وأميركا التوصل إلى اتفاق جديد.
ثالثًا؛ لن يتم التوصل لاتفاق قبل 19 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وستواصل إيران تطوير برنامجها النووي، ولن ترفع الولايات المتحدة والغرب العقوبات، فتلجأ احدى الدول الاوروبية (بريطانيا على الأرجح) الى تفعيل خيار آلية الضغط على الزناد وستعود قضية إيران إلى مجلس الأمن ويتم تفعيل جميع عقوبات مجلس الأمن السابقة مرة أخرى ضد إيران.
بحسب المعلومات المتوفرة، من وجهة نظر محايدة، “توجد حكومة يمينية متطرفة في “إسرائيل” حاليًا وفي حال عدم وجود اتفاق نووي ستبادر إلى إتخاذ إجراءات لوقف برنامج إيران النووي من دون العودة إلى البيت الأبيض. مثل هذا الإجراء المحتمل سيؤدي إلى إغلاق أبواب الاتفاق ليس إلى الأبد فحسب بل سيؤدي أيضًا إلى إشعال أزمة كبيرة جدًا في الشرق الأوسط من لبنان إلى اليمن”.
ثمة إنطباع أن الأميركيين أعطوا الضوء الأخضر مرة أخرى لاستئناف المفاوضات النووية، وفي الوقت نفسه، أعلنت إيران استعدادها لابرام إتفاق قوي وعادل في الأسابيع الأخيرة. فهل تلتقي الإرادتان الإيرانية والأميركية، أم أنهما ستستمران بالتباعد مع كل وساطة وجولة مفاوضات جديدة؟