حرب أميركا ـ إسرائيل ضد إيران.. مَن الرابح ومَن الخاسر؟

قبل الكلام عن "المنتصر" و"المهزوم" في نهاية الحرب "الإسرائيلية"- الإيرانية التي استمرت 12 يوماً، لا بد للقارىء بموضوعية أن يُحدّد من هم أطراف هذه الحرب ولمن الكلمة الأخيرة فيها كي يستطيع الوصول إلى الاستنتاج الموضوعي، وعليه بالامكان استشراف المرحلة المقبلة من الصراع في المنطقة وفي أي منحى تتجه.

لا بد من العودة بعقارب الزمن إلى لحظة بدء العدوان على إيران والذي أطلقته “إسرائيل” بضربة مزدوجة جوية وأرضية في العمق الإيراني، شارك فيها المئات إن لم نقل الآلاف من عملاء جهاز الموساد “الإسرائيلي” على الأرض ومئات الطائرات الحربية من الجو، وكانت هذه الضربة مؤلمة لإيران لأنها طاولت العديد من قياداتها العسكرية من الصف الأول وعلماء نوويين من كبار أدمغتها، كما طاولت عشرات مواقع المنصات والمصانع الصاروخية الباليستية بالاضافة إلى مواقع عسكرية ومدنية في قلب العاصمة طهران.

في المقابل، تمكنت القيادة الإيرانية خلال بضع ساعات من استيعاب الضربة، على الرغم من نتائجها المؤلمة، وأطلقت العنان لمسيراتها وصواريخها البعيدة المدى لتضرب عمق “إسرائيل” في ضربات غير مسبوقة في تاريخ الكيان العبري، ومع تواصل التراشق بين البلدين بدا واضحاً أنهما دخلا في حرب استنزاف لا امكانية للكيان الصهيوني تحمل استمرارها لفترة طويلة فيما كان باستطاعة إيران أن تتحملها إلى مدى كبير جداً.

وصولاً إلى اليوم العاشر من العدوان على إيران، بدا واضحاً أن “إسرائيل” أصبحت عاجزة عن مواصلة القتال، فمشاهد الدمار التي طاولت عاصمة الكيان السياسية تل ابيب والعاصمة الصناعية حيفا بالاضافة إلى مدن اخرى من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بالإضافة إلى نزول الملايين من مستوطني الكيان إلى الملاجىء كل يوم لعدة مرات وتعطل الحركة الاقتصادية بالكامل، كل ذلك أصبح يُشكّل عبئاً لا يمكن للقيادة السياسية والعسكرية “الإسرائيلية” تحمله ولكن لم يكن بامكانها النزول عن شجرة الأهداف التي وضعتها لعدوانها وهي: أولاً؛ تدمير البرنامج النووي. ثانياً؛ تدمير برنامج الصواريخ الباليستية. ثالثاً؛ اسقاط النظام الإيراني. رابعاً؛ تسيد “إسرائيل” على الشرق الأوسط بصفتها قوة إقليمية لا تُقهر. عند هذه النقطة دخلت الولايات المتحدة الحرب على إيران وقصفت المواقع النووية الإيرانية (فوردو وأصفهان ونتانز) ووضعت القيادة الإيرانية أمام خيار مواصلة الحرب، ولكن معها هذه المرة وليس مع “إسرائيل”، أو خيار القبول بوقف لاطلاق النار. فردّت إيران بقصف قاعدة العديد الجوية الأميركية في قطر وقبلت بوقف اطلاق النار.

إن تسلسل الاحداث بهذا الشكل يجب ألا يخفي حقيقة الدور الخديعة الذي لعبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما أوحى للإيرانيين أن هناك خلافاً جدياً بينه وبين رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو بشأن المفاوضات النووية وأنه مصر على التوصل إلى تسوية مع إيران، وكان قد أعلن مع الجانب الإيراني عن موعد الجولة السادسة من المفاوضات في العاصمة العمانية مسقط، الأمر الذي كان يُفترض أن يحصل في الخامس عشر من يونيو/حزيران، لكن “إسرائيل “استبقت هذا الموعد بيومين وشنّت عدوانها المفاجىء على إيران بضوء أخضر أميركي، بحسب ترامب نفسه.

ومن خلال هذا الدور – الخديعة الذي لعبه ترامب ومن خلال دخوله الحرب في اليوم العاشر بالامكان القول إن هذه الحرب كانت قراراً أميركياً، وبإدارة أميركية، وبتسليح أميركي، ولم تكن “إسرائيل” سوى الأداة التي نفّذت القرار الأميركي وهي بهذا المعنى كانت الوكيلة التي عجزت عن تحقيق الأهداف المعلنة للعدوان فاضطر الأصيل الأميركي إلى دخول الحرب.

وعندما أصبحت الحرب مباشرة بين أميركا وإيران، قرأت القيادة الإيرانية الصورة بشكل دقيق، فميزان القوى بينها وبين أميركا هو بلا أدنى شك لصالح الأخيرة، وما لم تتمكن إيران من اشراك حليف دولي موازٍ لأميركا في الحرب فإن  المضي بالمواجهة سيكون عبارة عن انتحار سياسي وعسكري، فسارع رئيسها مسعود بزشكيان إلى مهاتفة نظيره الصيني شي جين بينغ مستطلعاً وطار وزير خارجيتها عباس عراقجي إلى موسكو لاستطلاع موقف الحليف الروسي من هذه الحرب، لكنهما لم يجدا ما يشجع إيران على مواصلة القتال، فالصين لا تريد الانجرار إلى حرب ليست هي من قرّر موعدها، وروسيا غارقة في حربها في أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهي تعرف أنها لا تقاتل في هذه الحرب أوكرانيا فقط بل كل دول حلف شمال الأطلسي ومعهم أميركا، لذلك لم تكن روسيا بوارد التدخل في جبهة أخرى، وهي رأت أن إيران وبرغم الثغرة الكبيرة في دفاعاتها الجوية كانت لها اليد العليا صاروخياً على “إسرائيل” عندما كانت وحدها (بالرغم من مساهمة العديد من دول المنطقة ودول أوروبية بتقديم يد العون لها في التصدي للصواريخ الإيرانية)، ولم تجد مبرراً لدخولها الحرب معها وبخاصة أن هناك أكثر من مليون مستوطن “إسرائيلي” من أصول روسية وما يزالون يحملون الجنسية الروسية ولهم أكثر من ثمانية نواب في الكنيست “الإسرائيلي”.

أمام هذا المشهد كان القرار الإيراني بالقبول بوقف اطلاق النار بعد ضربة قاعدة العديد الجوية في قطر التي شكّلت نوعاً من حفظ ماء الوجه لإيران كونها أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط ومقر قيادة المنطقة الوسطى للجيش الأميركي.

بهذه النتيجة بالامكان القول إن أميركا كانت الرابح الأكبر في المعركة كونها ثبّتت نفوذها في الشرق الأوسط بعد سنوات من تزعزع هذا النفوذ على أيدي حلفاء إيران في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، أذ أن أداتها العسكرية في المنطقة “إسرائيل” أضعفت قدرات المقاومة في كل من لبنان وفلسطين فيما تولى الحليف التركي اسقاط النظام الحليف لإيران في سوريا، وقد حصلت هذه النتائج بأكلاف أميركية لا تذكر، فلم يقتل في كل هذه المواجهات أي جندي أميركي ولم تضطر أميركا لاستخدام مشاة جيشها في أي من ميادين القتال كما أن الكلفة المالية التي ترتبت عليها من جراء تزويد “إسرائيل” بالأسلحة والذخائر وما يمكن أن يترتب عليها لاعادة اعمار ما دمّرته الصواريخ الإيرانية في “إسرائيل” لا تتجاوز بضعة مليارات من الدولارات وهو رقم ضئيل جداً مقابل ما تمكن ترامب من جمعه خلال جولته على دول الخليج في الشهر الماضي حيث بلغ مجموع ما حصل عليه بحسب الأرقام التي نشرتها الإدارة الأميركية 5.1 تريليون دولار. أي أن هذه الحرب – بالاضافة إلى النتائج الجيدة لأميركا سياسياً وعسكرياً – شكّلت صفقة تجارية مربحة.

إقرأ على موقع 180  4 نقاط أتت بالإيرانيين إلى الدوحة.. مكانك راوح!  

بالنسبة لـ”إسرائيل”، وبرغم التعتيم الاعلامي على الدمار الذي حصل في منشآتها العسكرية والاقتصادية والمدنية فإن ما يرشح اليوم عن نتائج القصف الصاروخي الإيراني يشير إلى أن “إسرائيل” خرجت مهشمة إلى درجة كبيرة ليس فقط عسكرياً بل اقتصادياً واجتماعياً، وإن كان بالامكان عبر الدعم الأميركي تجاوز الخسائر العسكرية والاقتصادية فان النتائج الاجتماعية تحتاج إلى كثير من العمل لتجاوزها، فهذه الدولة بحسب نتائج الحرب هي عبارة عن قاعدة عسكرية متقدمة لأميركا، والمستوطنون فيها هم أشبه ما يكون بمرتزقة شركة “بلاك ووتر” الأمنية الأميركية ولكن على نطاق واسع، أي باختصار فإن هذه الحرب كرّست صورة “إسرائيل” بصفتها جيشاً بُنيت له دولة وليست دولة بُني لها جيش.

على الجانب الإيراني، لا شك أن خسائر إيران كبيرة جداً، فمسلسل اضعاف حلفائها في المنطقة الذي بدأ قبل عامين بالهجوم “الإسرائيلي” على قطاع غزة بعد عملية “طوفان الاقصى” وبعده الهجوم على المقاومة في لبنان ومن ثم اسقاط حليفها الاستراتيجي على مدى عقود نظام البعث في سوريا وصولاً إلى الهجوم عليها مباشرة، كل ذلك متوجاً بالهجوم الأميركي على مفاعلاتها النووية ما أدى إلى تأخير برنامجها النووي لبضعة أشهر، بحسب تقارير استخبارية أميركية أثارت استياء إدارة ترامب.

حتماً ثمة خسائر استراتيجية إيرانية تستدعي من طهران إعادة نظر في مجمل استراتيجيتها في الإقليم وبخاصة أن هذه الاستراتيجية كانت قائمة على فرضية خوض المعركة مع “إسرائيل” ولم تكن تأخذ بالحسبان أن أميركا ستدخل المعركة في التوقيت المناسب لحسمها، كما لا بد أن تأخذ اعادة النظر هذه بالحسبان نقاط انكشاف إيران في مواجهة أعدائها.

أولى نقاط الانكشاف هي الانكشاف الأمني الذي جعل جهاز “الموساد” يتوغل في عمق إيران ويُقيم بنى تحتية أمنية كان لها الدور الأكبر في اغتيال القادة العسكريين والعلماء النووين في قلب طهران كما في باقي المدن الإيرانية، وهنا تتحمل الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإيرانية مسؤولية كبيرة جداً عن هذا الخلل الذي بدأ في العام 2009 وتواصل وتنامى وصولاً إلى العدوان الذي حصل في 13 يونيو/حزيران الجاري.

أما نقطة الانكشاف الثانية فهي الدفاع الجوي، فالاستراتيجية الدفاعية لإيران كانت قائمة على أساس ترسانتها من الصواريخ الباليستية البعيدة المدى التي يمكن أن تكون عامل ردع لأعدائها، لكن الحرب الأخيرة أثبتت أن هذه الصواريخ وإن كانت لعبت دوراً حاسماً في مسار الحرب لكن افتقاد إيران لشبكة دفاعية جوية فعالة شكل عنصر ضغط كبير على جبهتها الداخلية.

ونقطة الانكشاف الثالثة هي هشاشة تحالفها مع كل من الصين وروسيا، فاستراتيجية إيران كانت قائمة على أن وجود هذين الحليفين يشكل عامل ردع لأميركا لدخول الحرب ضدها، ولكن مع ثبوت عدم فعالية هذا التحالف في مواجهة العدوان الأميركي لا بد لإيران من إعادة النظر في مضامين اتفاقات التحالف مع كل من روسيا والصين.. وأن تسعى للبحث عن شراكات إقليمية أبرزها مع باكستان.

نقطة الانكشاف الرابعة هي برنامجها النووي، فكل التسهيلات التي قدّمتها إيران لوكالة الطاقة الذرية الدولية لم تفدها بشيء بل على العكس كانت عاملاً مساعداً للعدوان على هذا البرنامج من خلال تزويد الوكالة الدولية لكل من “إسرائيل” وأميركا تفاصيل البرنامج ومواقعه ناهيك بتقديم الغطاء السياسي والتقني للعدوان عبر التقييم غير الصحيح الذي كانت تقدمه الوكالة لبرنامج إيران النووي. وحسناً فعلت إيران بقرار عدم التعاون مع هذه الوكالة وطرد مفتشيها من أراضيها. أما عن نتائج القصف الأميركي للمواقع النووية فإن إيران ستعتمد سياسة الغموض الإيجابي بشأنها، وان كانت الكثير من التقارير تشير إلى أن ما فعلته الغارات الأميركية على المواقع النووية هو أنها طمرتها تحت أطنان من التراب والصخور ولم تتمكن من تدمير المنشآت تحت الأرض. ختاما وباختصار فان إيران ربحت الحرب مع الوكيل “الإسرائيلي” وخسرتها أمام الأصيل الأميركي.

Print Friendly, PDF & Email
سلطان سليمان

صحافي لبناني؛ كان يُوقّع مقالاته باسم "ماهر أبي نادر" لضرورات عمله

Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  أباطرة الصناعة والتجارة الدولية إلى أين يذهبون بنا؟