“تفاهم مار مخايل”..  هل يتحول الى تحالف سياسي؟

سبعة عشر عاما أتمها "تفاهم مار مخايل" بين تيارين شعبيين كبيرين، وهو جاء ثمرة حوارات ولقاءات امتدت من باريس منفى "الجنرال" ميشال عون الى لبنان يوم شكّلت عودته ما وُصِفَ بـ"التسونامي" الذي تجمّعت في مواجهته احزاب المنظومة في انتخابات عام 2005.

كانت أكثر من مواجهة. ثمة عملية عزل تعرض لها الجنرال ميشال عون مع عودته إلى لبنان، ولكنه صمد في مواجهتها حاصداً تأييداً مسيحياً فاق السبعين في المئة قبل 18 عاماً، وتحت ضغط جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والاتهامات الجاهزة التي رافقتها وصولاً الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وقع حزب الله في شرك المنظومة، عندما زيّنت له ان التحالف الرباعي في مواجهة عون انتخابياً سيعيد انتظام الامور وطنيا ويبعد الفتنة المذهبية.

انخرط حزب الله في التحالف الرباعي المناهض للتيار الوطني الحر، ولم تكد تنتهي الانتخابات، حتى وجد الحزب نفسه ضحية إنقلاب اركان التحالف الانتخابي على وعودهم وتعهداتهم، في محاولة منهم لتطويق حزب الله بسلاح الفتنة المذهبية ومن خلال فرض وقائع حكومية غير تلك التي اتفق عليها والدفع الى تكريس خيار المحكمة الدولية لا المحكمة المختلطة أو العربية التي كان حزب الله قد وافق عليها.

صار حزب الله معزولاً وطنياً، وهو حال التيار الوطني الحر الذي وجد نفسه معزولاً مع عودة “الجنرال” من باريس. هنا تلاقى “المعزولان”، وسرّعا الاجتماعات التي افضت في السادس من فبراير/شباط الى لقاء السيد حسن نصرالله والجنرال ميشال عون في كنيسة مار مخايل في محلة الشياح، وهي نقطة تماس في زمن الحرب الاهلية.

وقد شكّلت ورقة التفاهم التي وقّع عليها نصرالله وعون نقطة تحول في الحياة السياسية اللبنانية، اذ شكل كل منهما للآخر فضاءً وطنياً يحتاجه في مواجهة سياسة العزل التي مورست بحق كل منهما.

اول اختبار عملي لـ”تفاهم مار مخايل” كان حرب يوليو/تموز عام 2006. يومها إتخذ التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون موقفاً جريئاً منذ الأيام الأولى للحرب واصطف الى جانب المقاومة، وشارك بفعالية في أعمال الاغاثة الانسانية من ايواء للمهجرين وتقديم المعونات الغذائية والطبية وغيرها، واختبر جمهور الحزب والتيار للمرة الأولى التفاهم ميدانياً من خلال هذا التلاقي الانساني على مستوى القواعد الشعبية.

تتالت المواقف التكاملية بين الحزب والتيار، من مواجهة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الى اتفاق الدوحة مروراً بالحرب على الارهاب وصولاً الى انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 اكتوبر/تشرين الاول 2016، نتيجة تسوية رئاسية بأركان ثلاثة: التيار الوطني الحر وحزب الله وتيار المستقبل، قبل أن تنضم اليها لاحقاً قوى اخرى ابرزها القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، واول اختبار واجهته “التسوية” كان اعتقال رئيس الحكومة سعد الحريري في السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر 2017. يومها خاض عون ومعه وزير الخارجية (رئيس التيار الوطني الحر) جبران باسيل وحزب الله ورئيس مجلس النواب معركة دبلوماسية افضت الى عودة الحريري الى لبنان في يوم عيد الاستقلال في 22 تشرين/نوفمبر من السنة نفسها.

لم تمض سنتان على العهد العوني، حتى بدأت الانتكاسات تتوالى، وكل من كان يلتقي الرئيس ميشال عون كان يسمع منه عتباً ناعماً على حزب الله الذي لم ينخرط في ما سبق واتفق عليه في قضية بناء الدولة، حتى بدأت الامور تدخل دائرة الجفاء كون الحزب قرر الوقوف على “تلة الانتظار” مراقباً، بعدما اعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري الجهاد الاكبر في مواجهة العهد، وحصلت لقاءات ونقاشات اصطدمت جميعها بثابتة عدم إستعداد حزب الله لان يذهب في اي خطوة تكون نتيجتها سقوط ولو نقطة دم واحدة في البيئة الشيعية.

كانت مطالبات للرئيس عون بالخروج عن صمته ومصارحة اللبنانيين وتحديداً جمهوره بالعقبات التي تعترض مسيرة عهده، وأيضاً كانت مطالبات بإجراء مراجعة ذاتية لكيفية تعاطي التيار الوطني الحر عبر رئيسه جبران باسيل مع العهد، لأن الكثير من الخيارات لم تكن موفقة وتحديدا على الصعد الوزارية والادارية وحتى النيابية، اذ ليس معقولاً ان يذهب باسيل الى خيارات لا تكمل معه ولو إلى منتصف الطريق لتنقلب فجأة الى الضفة الاخرى.

فضّل عون الصمت بانتظار انتهاء الولاية الرئاسية، كونه طيلة وجوده في سدة الرئاسة محكوم بقسمه الدستوري ولا يمكنه الذهاب الى فتح جبهات خارج الاطار الدستوري، الا انه لم يتوقف عن محاولة دفع الحزب الى السبر معه في ملفات اساسية وابرزها ملف الكهرباء والتدقيق الجنائي وملفات الفساد التي حوّلها الى القضاء، وكانت النتيجة ان حسابات الحزب الاستراتيجية اختلفت جذرياً عن حسابات العهد الداخلية.

في بعبدا كان الجنرال كلما سأله سائل عن العلاقة بينه وبين السيد يجيب بالعبارة نفسها: “ما بيني وبين السيد لا يعلمه الا الله”. لذلك؛ الإستدراك ممكن ومدخله ألا يتأخر اللقاء بين الجنرال عون والسيد نصرالله (بحضور باسيل طبعاً)، لعله يغسل القلوب ويعيد الامور الى نصابها على قاعدة التحالف السياسي وليس التفاهم الذي يمكن القول إن محاولات ترميمه باتت مستحيلة

اين مرتكز الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني الحر؟

إقرأ على موقع 180  الثنائية.. حتى لا يتكرر مشهد تاريخي في منطقتنا

إن مرتكز الخلاف الاساسي مع حزب الله هو البند الرقم (4) في تفاهم مار مخايل، اي بناء الدولة، وتحديداً الفقرة (ج) والتي تنص على الآتي:

“معالجة الفساد من جذوره، حيث إن المعالجات الظرفية والتسكينية لم تعد كافية، وإنما باتت مجرد عملية تحايل تقوم بها القوى المستفيدة من الفساد بكل مستوياته لإدامة عملية نهبها لمقدرات الدولة والمواطن معاً. وهذا ما يتطلّب:
– تفعيل مؤسسات ومجالس الرقابة والتفتيش المالي والإداري، مع التأكيد على فصلها عن السلطة التنفيذية لضمان عدم تسييس أعمالها.
– إجراء مسح شامل لمكامن الفساد، تمهيداً لفتح تحقيقات قضائية تكفل ملاحقة المسؤولين واسترجاع المال العام المنهوب.
– تشريع ما يلزم من قوانين تسهم في محاربة الفساد بكل أوجهه والطلب الى الحكومة توقيع لبنان على معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
– العمل على إصلاح إداري شامل يكفل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، لا سيما أولئك المشهود لهم بالجدارة والكفاءة ونظافة الكف، وذلك عبر تفعيل دور مجلس الخدمة المدنية وقيامه بصلاحياته الكاملة.
– وضع مهل زمنية لمعالجة هذه القضايا؛ لأن عامل الوقت بات مميتاً، والأمر يتطلب معالجات حكيمة وسريعة في آن، تستخدم الوقت لمصلحتها بدل أن يستخدمه الفاسدون لمصلحتهم”.

هذه الفقرة بالتحديد يرى ميشال عون انها المفتاح الأساس لاستمرار تفاهم مار مخايل وهي المشروع المشترك بينه وبين السيد نصرالله الذي اتفق على تنفيذه عند وصوله الى الرئاسة، ولكن هذا لم يحصل.

انفجرت “القلوب المليانة” بعد مغادرة عون قصر بعبدا، ووقع الحزب في اخطاء ما كان يجب ان يقع بها، اذ كان يُفترض به في الايام الاخيرة من الولاية ان يرسل وفداً قيادياً لوداع عون، لكنه لم يفعل، وأمعن في الخطأ عندما احجم عن ارسال هكذا وفد بعد انتقال “الجنرال” الى الرابية، إلا بعد مرور ثلاثة اشهر، وبعدما وصل الاشتباك بين الحزب والتيار الى نقطة اللاعودة. عملياً، كان لقاء ميرنا الشالوحي (مقر التيار الحر) بين باسيل وحسين الخليل (المعاون السياسي للسيد نصرالله) ومسؤول وحدة الارتباط في الحزب وفيق صفا أشبه بـ”طبخة بحص” لم تثمر الا مزيداً من التعقيدات ولم يلتزم باسيل حتى بالتمني عليه ابقاء الامور الخلافية بين الجدران المغلقة، الا ان ما سمعه وفد الحزب في الرابية لا يمثل نقطة في بحر باسيل، لان عون كان كلامه مباشراً واتهامياً.

تكفي الاشارة إلى أنه في لقاء الرابية بين عون ووفد حزب الله، قال لهم الجنرال “لستم انتم من تسمون رئيس الجمهورية وتبلغونا به لنلحق بكم، نحن نسمي الرئيس ونبلغكم به فتعلنوه، هذه هي معادلتنا في الاستحقاق الرئاسي وبغيرها لا يمكن أن نقبل”.

في بعبدا كان الجنرال كلما سأله سائل عن العلاقة بينه وبين السيد يجيب بالعبارة نفسها: “ما بيني وبين السيد لا يعلمه الا الله”. لذلك؛ الإستدراك ممكن ومدخله ألا يتأخر اللقاء بين الجنرال عون والسيد نصرالله (بحضور باسيل طبعاً)، لعله يغسل القلوب ويعيد الامور الى نصابها على قاعدة التحالف السياسي وليس التفاهم الذي يمكن القول إن محاولات ترميمه باتت مستحيلة.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  أساطير إتفاق الطائف.. وحقائقه!