بشار الأسد يضع يده بيد نصرالله.. إلى “جبهة التشدد” (115)

في كتابه "انهض واقتل اولاً، التاريخ السري لعمليات الإغتيال الإسرائيلية"، يستعرض الكاتب رونين بيرغمان في فصل بعنوان "جبهة التشدد" الرؤية الصهيونية لتولي بشار الأسد رئاسة سوريا خلفاً لوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد.

يقول الكاتب رونين بيرغمان إن بشار الأسد حاول بناء سياسة بلاده على أساس التحالف مع من يصفهم بالقوى المتشددة في منطقة الشرق الأوسط مثل إيران وحزب الله وباقي المنظمات الجهادية، لا سيما بعد أن لمس والده أن الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لن يعيد لسوريا مرتفعات الجولان المحتلة منذ العام 1967. والهدف من هذا العرض الذي قدمه بيرغمان هو الوصول الى تبرير عمليات الإغتيال التي أطلقتها الأجهزة الاستخبارية “الإسرائيلية” في لبنان. وهنا يسعى بيرغمان إلى شيطنة القيادي في حزب الله عماد مغنية لتبرير عملية اغتياله في قلب العاصمة السورية بعد أن حمّله مسؤولية كل عمليات الإغتيال التي شهدها لبنان في العقد الأول من القرن الحالي ومن ضمنها إغتيال الرئيس رفيق الحريري.

يقول بيرغمان “وصل بشار الأسد الى القيادة بصورة غير متوقعة. فقد تولى حافظ الأسد السلطة في سوريا في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1970 وكان يتوقع أن يخلفه نجله الأكبر باسل ولكن الأخير قتل في حادث سيارة. فكان الخيار الثاني له توريث نجله الأصغر ماهر الذي اختار أن يمتهن الحياة العسكرية، ولكنه أظهر أنه حاد الطباع ويستسلم لنوبات غضب تنفجر بشكل عنيف؛ أما الإبن الثالث، مجد، فقد كان يعاني من مرض خلقي أودى به لاحقاً، هذا الوضع لم يبقِ أمام الأسد الأب إلا نجله بشار الذي كان في التاسعة والعشرين من العمر ويعيش في لندن لمتابعة دراسته التخصصية في طب العيون عندما استدعاه والده إلى دمشق مباشرة بعد وفاة باسل في العام 1994”.

ينقل بيرغمان عن رئيس وكالة الأمن القومي الأمريكي والـ”سي اي ايه” مايكل هايدن في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين قوله “لقد حاولنا أن نتعاون معه (الأسد) ضد الإرهابيين الذين كانوا يقاتلوننا في العراق ولكن آمالنا تلك سرعان ما تبدّدت”

وكان بشار يعتبر دائماً الأضعف بين أبناء الأسد، يقول بيرغمان، وإلى حد ما “كان منعزلاً وحالماً ويبدو وكأنه خائف، وقد يكون والده كان على بينة من نقاط ضعف نجله بشار، ولكن حرصه على استمرارية حكم عائلته لسوريا جعل ذلك في رأس أولوياته، فأرسل بشار إلى الجيش حيث سرعان ما تدرج بالرتب ليصل إلى رتبة عقيد، عندها عينه قائداً للقوات السورية في لبنان من أجل تدريبه على القيادة. وفي نهاية التسعينيات، كان بشار قد أصبح مهيئاً لتولي الرئاسة. توفي حافظ الأسد في حزيران/يونيو عام 2000 وانتخب بشار رئيساً لسوريا في الشهر التالي. لكن وراثة الأسد في تلك اللحظة بالذات كانت مسألة معقدة للغاية، فقد كان الاتحاد السوفياتي قد انهار قبل عقد من الزمن وكانت الحرب الباردة قد إنتهت ولم تعد روسيا ذات تأثير في الشرق الاوسط كما كانت دائماً، وكان المسرح الدولي يعاد بناؤه وكان على بشار الأسد أن يجد مكاناً لسوريا فيه. وكان الإقتصاد السوري في أسوأ أحواله، فخزائن الدولة كانت فارغة، أما جيشها، وبرغم أنه واحد من أكبر جيوش المنطقة، فقد كان بحاجة ماسة لأسلحة حديثة، وأهم من كل ذلك كانت “إسرائيل” لا تزال تتمسك بسيطرتها على مرتفعات الجولان التي احتلتها في العام 1967، وهو الامر الذي شكل جرحاً عميقاً ومفتوحاً لا يسمح الكبرياء الوطني بالتئامه”.

في منتصف العام 2000، يتابع بيرغمان، “كان الأسد أمام خيار إما التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، القوة العظمى الوحيدة المتبقية أو التحالف مع إيران القوة الإقليمية الناشئة. لم يكن ذلك قراراً صعباً، فقبل عشرة أعوام من وفاته صعّق الرئيس حافظ الأسد العالم بموافقته على الإنضمام إلى التحالف الذي انشأته الولايات المتحدة ضد دولة عربية أخرى لطرد صدام حسين من الكويت، على أمل الحصول على منافع إقتصادية مقابلة، مثل إزالة سوريا من اللائحة الأمريكية للدول المتورطة بالإرهاب وتجارة المخدرات، وللضغط على “إسرائيل” لتنسحب من مرتفعات الجولان. لكنه لم يحصل على أي من ذلك”.

وقبل ثلاثة أشهر من وفاته ـ يضيف بيرغمان ـ “التقى الرئيس حافظ الأسد بنظيره الأمريكي بيل كلينتون في جنيف وكان ذلك في ذروة الوساطة الدبلوماسية الأمريكية لعقد معاهدة سلام بين سوريا و”إسرائيل”، وفي هذا اللقاء أحضر كلينتون معه رسالة إلى الأسد من رئيس الوزراء “الإسرائيلي” إيهود باراك تضمنت أفضل عرض سبق للأسد أن تلقاه: إنسحاب “إسرائيلي” شبه كامل من مرتفعات الجولان، باستثناء أن “لا يتمكن أي جندي سوري من وضع أقدامه في مياه بحر الجليل (بحيرة طبريا)”، اي أنه لن يكون هناك وجود سوري دائم على الشاطىء. استمع الأسد إلى كلينتون وفجّر القمة بعد وقت قصير من بدئها. وكان ذلك بالنسبة لـ”إسرائيل” والولايات المتحدة برهاناً على التشدد غير المنطقي للرئيس حافظ الأسد وربما كان ذلك بسبب أمراض المعدة والدماغ التي كان يعاني منها. وبالنسبة للأسد، المسكون بنظرية المؤامرة، كانت القمة دليلاً إضافياً على أن الولايات المتحدة كانت مجرد قمر صناعي لـ”إسرائيل” وليس العكس وأنه لن يحظى بمرتفعات الجولان أبداً كما لن يحظى بأي منافع من استمرار صلاته مع الولايات المتحدة”.

كانت “إسرائيل” حينها تبدو أضعف، يقول بيرغمان، “فقد انسحب ايهود باراك من لبنان بلا أية شروط في أيار/مايو عام 2000 وهو انسحاب وفق رؤية الأسد كان يرقى إلى الهزيمة المذلة. بالنسبة إليه، هذا الإنسحاب برهن على أن الاستخدام الفعال لحرب العصابات من شأنه أن يجبر حتى أقوى قوة عسكرية في المنطقة أن تستسلم”.

يضيف بيرغمان “حضّ الرئيس حافظ الأسد نجله بشار على استعادة مرتفعات الجولان ولكنه نصحه في الوقت نفسه بتجنب مواجهة عسكرية مباشرة مع “إسرائيل” لا شك ستخرج منها سوريا مهزومة. كانت إيران حينها قد باتت تمتلك مجموعات “ارهابية” – من ضمنها زعيم حزب الله – تخوض حرباً منظمة ضد اليهود. اعتبر بشار الأسد أنه كان الأجدى أن يترك المتشددين يخوضون حرباً قذرة تجبر “إسرائيل” على تقديم التنازلات، فلماذا إراقة الدماء السورية طالما أن الجهاديين راغبون في إراقة دمائهم الخاصة؟ بناء على ذلك أنشأ الأسد صلاته مع حزب الله ورعاته في طهران حيث المكون الرئيسي لعقيدته الامنية، فوقعت سوريا وإيران سلسلة من الاتفاقيات للدفاع المشترك، وللتمويل بالأسلحة ولتطوير الأسلحة، وقدمت طهران للأسد مليار ونصف المليار دولار لإعادة بناء جيشه”.

إقرأ على موقع 180  "الموساد" يزرع أجهزة تنصت في كرسي أبو مازن! (64)

كان العديد من كبار رجال الدين الإيرانيين ـ يتابع بيرغمان ـ “يعتبرون الأسد وطائفته العلوية زنادقة وخونة للتعاليم المقدسة وكفرة اغضبوا الله، ولكن من جهة أخرى كان لسوريا جيش قوي وحدود مع “إسرائيل” ومصداقية دولية أفضل من تلك التي تملكها طهران. وكان للحكومة الإيرانية مشاكلها الخاصة ايضاً، فقد كانت الدولة تعاني من آلام شديدة ناجمة عن الأزمة الاقتصادية الخانقة، وكانت هناك تشققات مرئية في المجتمع الفارسي وهناك استياء متنامٍ من آيات الله، وقد أصبحت إيران مع العراق وكوريا الشمالية أكثر الدول المنبوذة والمعزولة في العالم. وفي خطابه عن “حالة الإتحاد” في كانون الثاني/يناير عام 2002 وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش هذه الدول الثلاث بأنها “محور الشر”، بعد ذلك بقليل شدّدت الولايات المتحدة العقوبات على إيران. حينها لم يشمل بوش سوريا في “محور الشر” لأن الأمريكيين كانوا لا يزالون يأملون بأنه بالامكان سحبها نحو الغرب، وذلك جزئياً بسبب إقامتها علاقات صداقة مع مع عدة دول غربية مثل فرنسا وألمانيا بصورة خاصة.

وينقل بيرغمان عن رئيس وكالة الأمن القومي الأمريكي والـ”سي اي ايه” مايكل هايدن في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين قوله “لقد حاولنا أن نتعاون معه (الأسد) ضد الإرهابيين الذين كانوا يقاتلوننا في العراق ولكن آمالنا تلك سرعان ما تبدّدت”.

يضيف بيرغمان أن التحالف مع سوريا “كان الأفضل لمصلحة إيران، فقد كانت طهران تقدم الأموال التي كانت دمشق بحاجة ماسة لها، وتقدم التكنولوجيا العسكرية المتطورة، مثل الفيول الصلب لمحركات الصواريخ البعيدة المدى، وفي المقابل، فإن سوريا تقدم لإيران الوصول إلى أعتى اعدائها وأهم من ذلك تقدم لها جسراً للعالم الأوسع، فقد كانت صادرات إيران ووارداتها تتسلل عبر المطارات والموانىء البحرية السورية، مما يضعف العزلة الدولية المفروضة على إيران. وفي الوقت نفسه، كانت إيران تدير ميليشيا موالية لها في لبنان، حيث كان لسوريا وجود عسكري واستخباري كبير، ومن أجل جعل حزب الله يستمر ويعمل فقد طلب الإيرانيون حرية الحركة التي لم يكن السوريون يسمحوا بها فقط بل أيضاً يسهلونها لهم”.

قرر الأسد الابن من كل قلبه أن يضع كل ثقله مع كل من رجال الدين والجهاديين، ووضع كل موارد سوريا تحت تصرفهم. وبدءاً من مطلع العام 2002 فتح الأسد كل مخازن أسلحته أمام حزب الله مقدماً لهذه المنظمة الأسلحة السوفياتية الحديثة التي كانت حتى إيران تفتقر لها، من ضمنها صواريخ بر- بر بعيدة المدى

ويقول بيرغمان، “على مدى عقود كان حافظ الأسد يسمح للإيرانيين أن ينقلوا جواً الأسلحة عبر دمشق ومنها بالشاحنات براً الى حزب الله. لكن حافظ الأسد ساعد الإيرانيين فقط عبر تركهم يعملون من دون ارتباط به – فهو كان حريصاً ومنتبهاً لأن يتجنب أي صلات وطيدة مع الجهاديين انفسهم، أما بشار الأسد فقد رأى في ذلك فرصة. فقد ترك انتصار حزب الله على “إسرائيل” وعقيدة حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله الذي شبّه “إسرائيل” بأنها “بيت العنكبوت” أبلغ الاثر فيه. فقرر الأسد الابن من كل قلبه أن يضع كل ثقله مع كل من رجال الدين والجهاديين، ووضع كل موارد سوريا تحت تصرفهم. وبدءاً من مطلع العام 2002 فتح الأسد كل مخازن أسلحته أمام حزب الله مقدماً لهذه المنظمة الأسلحة السوفياتية الحديثة التي كانت حتى إيران تفتقر لها، من ضمنها صواريخ بر- بر بعيدة المدى، وفتح أبواب قصره أيضاً لنصرالله الذي كان ينظر إليه على أنه نموذج يحتذى”.

يتابع بيرغمان، “كان لسوريا اهداف عملية ايضاً في تقوية حزب الله، فقد كان لبنان شرياناً اقتصادياً حيوياً لسوريا ولجنرالات الأسد الذين تمتعوا بعمولات سخية من الاتفاقيات التي كانت تجريها الدولة اللبنانية، وبعدها أخذ عدد من الشخصيات القوية وقوى ناشئة في لبنان يطالبون برحيل السوريين من لبنان، رداً على ذلك اطلق عماد مغنية، رئيس اركان قوات حزب الله حملة اغتيالات ضد هذه الشخصيات واحداً تلو الاخر، نيابة عن الإيرانيين والسوريين، ووصلت حملة الاغتيالات تلك الى ذروتها عندما قتل رجال مغنية رفيق الحريري، أهم شخصية سياسية في الشرق الأوسط، والذي تولى رئاسة الحكومة اللبنانية مرتين والذي عمل على تعبئة العالم لطرد السوريين من بلاده”.

يختم بيرغمان هذا الفصل بالقول “بات واضحاً أن هناك تلاقٍ في المصالح بين إيران وحزب الله وسوريا، وأن الأطراف الثلاثة باتوا بصورة فريدة من نوعها يعملون مع بعضهم البعض ويساعد أحدهم الآخر في أوقات الشدة، وهكذا فقد ولد تحالف أسمته المؤسسات الاستخبارية الإسرائيلية جبهة التشدد”.

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  إسرائيل تُفجّر "باخرة العودة".. و"الدرس" التالي "أبو جهاد" (58)