إيران في الصين والصين في إيران.. من الرابح والخاسر؟

يختتم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اليوم (الخميس) زيارة رسمية إلى الصين إستمرت ثلاثة أيام، بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ، تخللها توقيع إتفاقيات ثنائية جديدة والتشديد على تفعيل إتفاقيات سابقة ولا سيما تنفيذ وثيقة التعاون الإستراتيجي الشامل التي تم توقيعها في العام 2021 لمدة 25 عاماً.

هذه أول زيارة لرئيس إيراني إلى الصين منذ العام 2018، وتأتي في وقت يواجه فيه البلدان تحديات وضغوط داخلية وخارجية، أبرزها تصاعد التوتر بين كل منهما من جهة والولايات المتحدة من جهة ثانية؛ إيران نتيجة تعليق المفاوضات النووية؛ والصين على خلفية أمور تجارية وتكنولوجية وعسكرية، فضلاً عن ملف تايوان.

ويمكن القول إن علاقات إيران بالصين هي الأكثر إستقراراً بالمقارنة مع علاقاتها بباقي الدول الكبرى بما فيها روسيا، طوال العقود الأخيرة، بإستثناء محطات عابرة، كان آخرها ما رافق القمة الصينية العربية في الرياض مؤخراً من بيان تضمن إنتقادات لإيران، فضلا عن تبني الموقف الخليجي والعربي من قضية الجزر الثلاث موضع الخلاف بين طهران وأبو ظبي.

ثمة نقطة يمكن أن يلتقي عندها كلا الجانبين. لا إيران تناور أو تريد إبتزاز الغرب بالإقتراب من الصين ولا الصين تريد أن تضحي بعلاقاتها بالغرب من أجل إيران. لا إيران تريد إستبدال مكاسب محتملة من الإتفاق النووي بمكاسب من نوع آخر مع الصين، ولا الصين بوارد أن تعطي أي إشارة إلى إيران بشأن إستعدادها للتضحية بمصالحها الضخمة مع الغرب ولا سيما الولايات المتحدة من أجل عيون الإيرانيين.

ثمة نقطة تتصل بالمصالح المتبادلة للدولتين، فإيران تبحث عن مدى شرقي حيوي يحميها ويساعدها في فك عزلتها في ظل أوضاعها الإقتصادية التي يدركها القاصي والداني، وذلك من دون كبير أوهام بإمكان تحقيق هذا الهدف من خلال سياسة إدارة الظهر للغرب، بل على العكس من ذلك، ستبقى إيران مهتمة بإعادة إحياء الإتفاق النووي لكن ليس بأي ثمن وليس على حساب مصالحها. بالمقابل، فإن الصين تعتبر إيران ركيزة إستراتيجية ضمن “مبادرة الحزام والطريق”، وهي مهتمة بتوسيع قاعدة التعاون والتكامل الإقتصادي الإستراتيجي مع إيران في مجالات متعددة كالإتصالات والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والنفط والموانىء وسكك الحديد والتربية والثقافة، فضلا عن تعزيز الإتصالات بين وزارتي الدفاع في البلدين وصولاُ إلى إقامة تدريبات ودورات عسكرية مشتركة، حسب وكالة بلومبرغ للأنباء.

لا يعني ذلك أن الصين تملك مقاربة مختلفة جذرياً عن مجموعة 5+ 1 في الشأن النووي. على العكس، تبدو بكين مهتمة بتشجيع طهران على التوصل إلى اتفاق شامل ومستقر مع الغرب قبل 18 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، موعد إنتهاء كل القيود المفروضة على إيران، بموجب إتفاق العام 2015، ولا سيما حظر الأسلحة. إذا أُعيدت الحياة إلى الإتفاق النووي، فإن تطبيع علاقات إيران الإقتصادية مع الأسواق العالمية الغربية، يوفر بيئة آمنة للإستثمارات الصينية مع إيران. لهذا السبب، تحاول الصين لعب دور مركزي في المفاوضات لحل المشاكل العالقة بين إيران والغرب بدل خلق مشاكل إضافية ولا سيما في الملف النووي. وقال الرئيس الصيني إن بكين تدعم طهران في حماية حقوقها النووية المشروعة.

في هذا السياق، أكد وزير الخارجية الصيني تشين جانغ أنه يتعين على الجانبين مواصلة دعم بعضهما البعض في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية لكل منهما، وتعزيز التنسيق والتعاون في الشؤون الدولية والإقليمية، وكذلك بذل جهود مشتركة لتعزيز السلام والاستقرار على المدى الطويل في المنطقة الى جانب الحفاظ على المعايير الأساسية. كما أشار إلى أن بلاده تدعم إيران في الحفاظ على حقوقها ومصالحها المشروعة في الملف النووي وتطلب من الأطراف الأخرى المعنية بهذا الملف القيام بأنشطة جادة.

إذا أُعيدت الحياة إلى الإتفاق النووي، فإن تطبيع علاقات إيران الإقتصادية مع الأسواق العالمية الغربية، يوفر بيئة آمنة للإستثمارات الصينية مع إيران. لهذا السبب، تحاول الصين لعب دور مركزي في المفاوضات لحل المشاكل العالقة بين إيران والغرب بدل خلق مشاكل إضافية ولا سيما في الملف النووي

والجدير ذكره أن حجم الإستثمارات الصينية في الأسواق الايرانية، بموجب وثيقة التعاون الإستراتيجي الشاملة، يُقدر بنحو 400 مليار دولار خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، وهي تعادل 2 إلى 3 بالمئة فقط من حجم الاستثمارات السنوية التي تحتاجها ايران خلال الفترة المشار إليها كما أن ايران بمقدورها أن تستقطب في العام الواحد استثمارات أجنبية تقدر بـ 400 مليار دولار والدليل على ذلك الاستثمارات المعطلة أو المجمدة في قطاع النفط الايراني فقط والتي تقدر بحوالي الـ 300 مليار دولار.

وتستحوذ الصين عملياً على الحصة الأكبر من الإقتصاد الايراني على مدى العقدين الماضيين، وقد ارتفع التبادل التجاري بين ايران والصين من 200 مليون دولار عام 1992 إلى 30 مليار دولار عام 2012 وحوالي الـ 15 مليار دولار في العام 2022، وكان من الممكن أن يصل إلى 40 مليار دولار في العام الواحد لو لم تُفرض العقوبات الأمريكية على طهران. وتطمح إيران إلى تحقيق إستثمارات بمجال الطاقة في الصين بقيمة 40 مليار دولار، حسب التلفزيون الصيني.

إقرأ على موقع 180  الإستحقاق الرئاسي السوري.. مفتاح التغيير الداخلي العميق

لذلك يمكن القول إن إدعاء معارضي الشراكة الايرانية ـ الصينية بأن ايران ستصبح مستعمرة صينية، هو إدعاء باطل، فالشراكة الاستراتيجية بين البلدين تحققت عملياً منذ أكثر من عقدين من الزمن من دون أن تخضع ايران للنفوذ الصيني طوال هذه السنين.

ومن المفيد التذكير أن حجم الصادرات الصينية إلى أمريكا يصل إلى حوالي المليار دولار في اليوم الواحد، أي أن حجم الاستثمارات التي سوف تنفذها الصين في الأسواق الايرانية خلال 25 عاماً لن يتعدى حجم ما تُصدّره الصين إلى الأسواق الأمريكية خلال سنة واحدة، وهذا ما يُفسر حرص الصين على إبرام الإتفاق النووي وكسر الجليد بين واشنطن وطهران..

وثمة من يُردد في طهران أن أساس العلاقات الخارجية لأي دولة “يتمثل في الحفاظ على التوازن في العلاقات الدولية، بمعنى إذا كنا إيجابيين في التعامل مع الشرق يجب أن نكون إيجابيين أيضاً في التعامل مع الغرب والعكس صحيح”.

أما مؤيدو تعزيز العلاقات مع الغرب في ايران، ومعظمهم من فريق الإصلاحيين، فيمكنهم أن يتفاءلوا بالشراكة الصينية الإيرانية إذا كانت كفيلة بإعادة الغرب إلى طاولة المفاوضات مع طهران، لأن طهران بهذه الشراكة أرسلت رسالة إلى الغرب مفادها بأنها ليست عاجزة عن إيجاد السبل من أجل الحفاظ على استقلالها.

بكل الأحوال، ما تم التوقيع عليه بين ايران والصين قبل حوالي السنتين هو عبارة عن خارطة طريق، لمدة 25 عاماً، تعكس إرادة ورغبة كل من بكين وطهران بتطوير علاقاتهما الثنائية، سياسياً وإقتصادياً وأمنياً وثقافياً وعسكرياً. لذا، تبدو طهران حريصة على أن شراكتها مع بكين لا تعني أبداً التنازل عن أي نقطة أو منطقة ايرانية ولا منح أية حقوق حصرية للصين في أي قطاع من القطاعات الايرانية، ولا إسناد إدارة أو إستثمار أي منطقة للصينيين ولا منح إمتياز نشر قوات عسكرية على الأراضي الايرانية سواء للصين أو لأي دولة على وجه الكرة الأرضية.

لقد تعلم الإيرانيون عدم ربط مصالحهم القومية بأي دولة عظمى، ولذلك يجب أن نترقب كيفية مقاربة ملف علاقاتهم الإستراتيجية بدول أخرى مثل روسيا والهند لكي تحافظ طهران عملياً على سياسة التوازن بين المعسكرين الغربي والشرقي بشكل عملي وبالتالي أن تُرسّخ إستقلالها وتحافظ عليه.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  نص أوروبي بين واشنطن وطهران.. الخيارات محدودة