الشعوب العربية غائبة، بقرار سياسي- أمني. الشعارات ممنوعة. التظاهرات مُحرَّمة. الحرية خطيرة ومعتقلة. الأمن أولاً. الصمت دائماً. أنت، أيها العربي، ممنوع أن تكون عربياً. كن عدماً. هكذا يتم الإعتراف بك. إن شئت أن تنتمي، أمامك ملل ونحل صامتة. أمامك وسائل ترفيه. نعيمك الدائم، أن تهجس بالمال والأعمال والإستهلاك. الأفكار والسياسات والقضايا، كلمات لا تعني شيئاً. التفاهة رأسمال منتج. أبواب السياسات مقفلة. وحدها السجون مفتوحة.
يُعوّضُ عن هذا الجفاء الإنساني، باختراع أدوار سياسية ترفيهية، يُنفق عليها من الأموال، ما يُوفّر للإنسان تحشيشاً فنياً. طبعاً بكل فخامة واتقان. هنا، التسلية أفيون الشعوب. وعليه، تنشغل الأنظمة العربية، باستثناء لبنان، بتعقيم “المواطن” العربي، وتلقينه لغة يعلكها، بإتقان ورفاهية كاذبة، حتى يُعترف به تابعاً وفيّاً وأميناً. وتسهر السلطة العربية المنتشرة في الخارطة المترامية، على إنتاج إعلام بعبقرية الإنحياز والكذب والتلفيق.
وحده الفلسطيني، جدير بالبقاء. هو الآخر المختلف. الآخر الذي لا يرتبط بالكلمات، ولا تعوزه الأفكار، حتى ولو كانت جميلة. جملته مختصرة جداً. هذه بلادي، هذا وطني. هذه روحي. هذه سمائي
لم تشهد البشرية “ثورة تجهيل الانسان”، مثل “العبقريات” العالمية وفي طليعتها العبقرية العربية، بهدف قيادة مواكب الموت السياسي، وإحياء جحيم الحروب والفتن والتخريب والإستتباع.
نجحت الرأسماليات العربية، في تعميم الموت السياسي: لا أحزاب. لا نقابات. لا ديمقراطيات. لا مساءلة. لا مواطنة. لا حرية. لا قيم. لا عروبة. لا فلسطين. هذه قضايا قيد الكتمان، وإلا..
بعض هذه الكيانات، تنطحت لقيادة محاور في المنطقة. أشعلت حروباً. أحرقت شعوباً. دمّرت بلاداً. قسّمت الناس أديانا ومذاهب. داحس وغبراء عربية، مرة تلو مرة. المراصد الدولية، أحصت عدد الحروب في العالم. عدّاد الحروب العربية – العربية يأتي أولاً. عدّاد الحروب الاهلية، يفوق التصور. عدّاد الصراعات المذهبية، بدأت من أزمنة السقيفة، إلى الزمن الراهن، ولا بد أن تحتل الزمن القادم.
لبنان نموذجاً: حروب فاشلة. نجاح في القتل والتهجير والسرقة. الحرية لا ترقى إلى عتبة حرية “شارع المتنبي”. سوريا أضحت “سوريات”، طوائف ومذاهب ومحاور وخراباً وتمزقاً وتشلعاً. العراق الغني منهوب. أغنى دولة وأفقر شعب و”أشطر حُكّام”. الصلاة في هذه البلاد: انهبوا ما طاب لكم مثنى وثلاثاً.. ومئات. عراق ينزف شعوبية. ولكل شعوبية حصة وشراكة. العراق، ملتقى شُذّاذ الدين والنفط والمال والأقليات والأكثريات والأقواميات.. هذا العراق، هو عراك مستدام. الأردن، يمارس صمتاً بأثمان مجزية. الفقر إلى ازدياد. الإقتصاد “الإسرائيلي” يحلب البقرة الأردنية. إمارة قيد الإفلاس. التسول لم يعد مجدياً. مصر غارقة في ثنائية الفحش والإفقار. دولة عظمى مُفلِسة. الرأسمالية تأكل الأخضر واليابس. الجيش حارس الأمن يفرض الصمت ويروج لسفاسف الأقوال والمواقف، ويبحث عن كيفية إطفاء الديون..
الجيش والأمن في مصر، حصتهم من الفساد محفوظة. الإنضباط العسكري مُبرم. “الإخوان” في كل وادٍ وسجن يهيمون. ليبيا دمية في ملاعب الدول الكبرى. دول تندلق شهوتها، على نفط سائب ومياه غائرة. الشعب الليبي، بلا هوية وطنية. هذا ما تركه معمر القذافي من فصاحة التأليف والتأريخ.
هل نزور السودان؟ يا حرام. هل نلقي نظرة على الصومال؟ يا ويلنا. هل من يكشف ما خلّف الصمت؟ هل من يدرك أن الجزائر غنية جداً، وشعبها فقير؟ أما تونس، فهي تغامر في التغيير بقرار، وليس بجماهير. ديموقراطيتها تم القبض عليها رئاسياً. الغد مجهول. والإسلام السياسي يستعد للإمساك مجدداً بالشارع.
للفلسطيني فعل إيمان بسيط وخطير: التحرير بحاجة إلى فعل. المقاومة من الداخل، هي الرماية التي تصيب. فلسطين، دين الفلسطيني. إنها ليست سراباً أبداً. الأفكار مدافن الشعوب إن لم تُسَيَّل فعلاً. هذه فلسطين على مرمى طلقاتنا وحجارتنا وصراخنا وجراحنا
أما دول الخليج، فلها النفط والأموال ولها “دول” تحميها. فلا حول ولا قوة..
لبنان ميؤوسٌ منه. عقم تمت صناعته بدقة ومثابرة. وجوده قيد الإلغاء. موته مؤجل دائماً. إنه يشبه مختبراً لفرز النفايات السياسية. تُحيلنا الطوائفية إلى مزيد من الإهتراء. خلص. لبنان عاقر. دولته متهالكة. شعوبه متآكلة. الطائفية رسنه إلى المعلف السياسي.
لا يُعوَّل في هذه القارة الملعونة، إلا على فلسطين. كل الشعارات خارج فلسطين مبتذلة، مدعية، عاقرة. ترطن بشعارات مستحيلة: الحرية، الديموقراطية، العدالة، المساواة، المساءلة.. وكل هذه الرطانة عفن. قيل: “وما نيل المطالب بالتمني”.
أفضل ما يُنصح به اللبنانيون هو الصمت. نعم الصمت. كل ما يقولونه كذب. تدجيل. تجارة. “الطغمة” تتعامل مع الإنسان اللبناني، بكفاءة أدوات الجر وحروف التأنيث. الكلمات لم تعد تعني شيئاً. الإذاعات والصحف والشاشات.. رجاءً، حلّوا عنا. إنكم تشبهون شياطين الطوائف ورؤوس الأموال.
هنا، دين الدولة الفساد. ورجال دين هذه الدولة، معبودون من عبيدهم. لم نعد نعني شيئاً. نحن شعب “فوفاش”.
وحده الفلسطيني، جدير بالبقاء. هو الآخر المختلف. الآخر الذي لا يرتبط بالكلمات، ولا تعوزه الأفكار، حتى ولو كانت جميلة. جملته مختصرة جداً. هذه بلادي، هذا وطني. هذه روحي. هذه سمائي. فليكن الجحيم حصة الإسرائيلي. للفلسطيني فعل إيمان بسيط وخطير: التحرير بحاجة إلى فعل. المقاومة من الداخل، هي الرماية التي تصيب. فلسطين، دين الفلسطيني. إنها ليست سراباً أبداً. الأفكار مدافن الشعوب إن لم تُسَيَّل فعلاً. هذه فلسطين على مرمى طلقاتنا وحجارتنا وصراخنا وجراحنا. “إسرائيل” إلى زوال، ليس كما يرشح البعض نبوءة الزوال، بسبب الانقسام العبري. نعم، لا تُعوِّلوا على الشقاق العبري.
“إسرائيل” سراب وجودي. فلسطين على مرمى دمنا.
ونقطة على آخر السطر.