“بعد عدة أيام على إطلاق قذائف من ثلاث جبهات، سوريا وغزة ولبنان، هل نحن على أعتاب حرب ستُفتح ضد إسرائيل؟ هل كان الهدف من وراء القصف هو فحص ردّ إسرائيل كتحضير للمعركة ضدها؟ الجواب أن الإشارات تشير إلى أن الأمور من الممكن أن تكون كذلك فعلاً (…).
تتراكم في الأيام الأخيرة إشارات تدل على جاهزية الطرف الإيراني للحرب. قبل عدة أيام (4/8)، أعلنت القوات المسلحة الإيرانية أنها على مستوى الجاهزية الأعلى. أكثر من ذلك، فإن سلاح البحرية التابع للحرس الثوري الإيراني أجرى تدريبات استثنائية يوم 4/9 في مضيق هرمز، وسبب ذلك، بحسب الإعلام الإيراني، هو التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني (يوم الجمعة المقبل هو “يوم القدس العالمي” ويتخلله خطاب للمرشد الإيراني علي خامنئي والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله).
أما صحيفة “نيويورك تايمز” فقد نشرت يوم 4/10 أن الحرس الثوري جاهز لإلحاق الضرر بكل سفينة ترفع العلم الإسرائيلي، أو حليفة لإسرائيل، في الخليج الفارسي (أوردت “معاريف” أن إيران نشرت مئات المُسيرات في العراق لشن هجوم محتمل على إسرائيل).
ومؤخراً، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بياناً جاء فيه التالي: “تتحمل الدول الإسلامية مسؤولية القضية الفلسطينية. وجود النظام الصهيوني يشكل خطراً على استقرار وأمن المنطقة. الشعب الفلسطيني يقف على رأس النضال ضد النظام الذي صدّر الإرهاب إلى كل دول المنطقة (…). حظنا جيد أننا نشهد نهوض الأمة الإسلامية. نحن متأكدون من أننا سنرى في يوم القدس مشهد الدول الإسلامية وكل دول العالم الحرة وهي تعبّر عن دعمها للشعب الفلسطيني المقموع وحقوق الفلسطينيين.”
حزب الله وسوريا
جاء هذا البيان بعد يوم على نشر محادثة بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وبين الرئيس السوري بشار الأسد الذي قال إن “جرائم إسرائيل هي إشارة إلى ضعف النظام ودليل على المستقبل المشرق لجبهة المقاومة.”
وفي اليوم ذاته، قال القيادي في حزب الله نبيل قاووق أن “إسرائيل تعيش أيامها الأسوأ منذ سنة 1948، وذلك بفضل معادلات المقاومة. النيران تحاصرها من الداخل والخارج.” مضيفاً أن حزب الله موجود في الصفوف الأمامية لمساعدة الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، وسيستمر من دون تردُّد.”
الشيخ كمال الخطيب أيضاً، رئيس الحركة الإسلامية – الجناح الشمالي في إسرائيل، غرّد على موقع “تويتر” باقتباس من القرآن يتحدث عن معركة بدر ضد الكفار. بعدها، شرح الخطيب كيف كان المسلمون، حينها، أقلية في مقابل أغلبية؛ ضعفاء في مقابل أقوياء، وعلى الرغم من ذلك، فإنهم انتصروا، لأن رمضان هو شهر النصر، وعلينا أن نكون على قناعة بأن النصر سيكون حليفنا قريباً.
حتى أن حركة طالبان في أفغانستان لم تبقَ على الحياد، إذ نشرت قبل أيام بيان دعم للفلسطينيين، وأشارت إلى أنه “إذا سمحت لها دول المنطقة، فسترسل أفضل مقاتليها للقتال على أرض إسرائيل.”
يمكن ربط العدد الكبير من البيانات والتطرف فيها إلى ما حدث في المسجد الأقصى، وأيضاً كتضامن مع الفصائل الفلسطينية التي تدخلت في المواجهات.
حزب الله و”حماس“
يوم 4/9، التقى الأمين العام لحزب الله وفداً من حركة “حماس” في بيروت برئاسة إسماعيل هنية، وبحضور نائبه صالح العاروري، وبحسب ما نُشر في الإعلام، فإن الطرفين بحثا في “التطورات المهمة على الساحة الفلسطينية، وأحداث المسجد الأقصى والمقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة.”
تصريحات نصرالله أيضاً تشير إلى ارتفاع في درجة التهديدات، حين قال إن “الإسرائيليين يأكلون أنفسهم من الداخل”، وأشار إلى أن دولة إسرائيل لن تحتفل بعيد استقلالها الثمانين.
وفي مقابل اللقاءات في بيروت، وصل قبل عدة أيام، استثنائياً، قائد “قوة القدس” في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى سوريا لإجراء بعض اللقاءات، كما يبدو، مع ممثلين للجيش السوري وحزب الله و”حماس”. هذه اللقاءات، في أغلبيتها، جرت في أجواء من التوتر العسكري، ومن خلال منع تسريب ما يجري فيها ومضامينها استخباراتياً.
هذا بالإضافة إلى أن الفيلق الرابع في الجيش السوري، تحت قيادة (ماهر الأسد) شقيق الرئيس بشار الأسد، يقوم بنقل تعزيزات عسكرية وأسلحة إلى جنوب سوريا، على الحدود مع إسرائيل. يمكن ربط هذا الإجراء بالتطورات التي حدثت في الأسابيع الأخيرة، وما قام به سلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة، إلا إن التوقيت هنا أيضاً يطرح أسئلة كثيرة.
تجنيد العالم العربي
في محاولة لتجنيد العالم العربي، أجرى الرئيس الإيراني محادثات مع نظيره الجزائري، وقال له: “نحن نشدد على الحاجة إلى خلق جبهة موحدة للدول الإسلامية ضد الكيان الصهيوني، وهناك حاجة ماسة إلى التعاون بين الدول الإسلامية وصوغ جبهة موحدة ضد الكيان الصهيوني المحتل.” الحاجة الماسة التي يشير إليها الرئيس الإيراني مقلقة جداً من دون شك. الرئيس الجزائري ردّ بأنه يأمل بأن “نستطيع تحرير الشعب الفلسطيني من قمع الصهاينة.”
مؤخراً، راكمت إيران الكثير من القوة، وبصورة خاصة بعد تقديمها المساعدة لروسيا، والاتفاقيات الاستراتيجية التي وقّعتها مع الصين وروسيا، حتى أن المواد “المسربة” من إيران أشارت إلى أن الأخيرة راكمت كمية معينة من اليورانيوم المخصّب إلى مستوى عسكري. بما معناه، يمكن أن يكون لدى إيران منذ اليوم قدرات نووية عسكرية كاملة.
يبدو أن جميع الخطوات الإيرانية منسَّقة مع شريكتيها الاستراتيجيتين – الصين وروسيا. من جانب روسيا، تم تسجيل تشويش واسع جداً على أنظمة GPS في منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط.
يبدو أن مصدر التشويش هو السفن الحربية الروسية، أو سفن أُخرى يتم تفعيلها على يد روسيا. هذا الحجم من التشويش لم يسجَّل في الأعوام الماضية. سبب هذا التشويش ليس واضحاً بعد.
الصين وتايوان
من جانب آخر؛ مؤخراً، بدأت الصين بتعزيز الوجود العسكري حول تايوان. أولاً، الصين أعلنت في الأيام الأخيرة أن حرس السواحل الخاص بها وأسطولها يستطيعان تفتيش أي سفينة أو إيقافها، عسكرية كانت أم مدنية، تبحر في المياه التايوانية. هذا الإعلان الذي لا يتماشى مع قوانين الملاحة البحرية، يسمح للصين بفرض حصار بحري على تايوان.
يوم 4/10 بدأت الصين بتدريب عسكري واسع ومتعدد الأذرع، ويستمر بين 3 و5 أيام، شاركت فيه مئات الطائرات الحربية التي تدربت على مهاجمة أهداف في تايوان، بالإضافة إلى أكثر من 80 سفينة صينية، مع حاملة طائرات وبطاريات صواريخ نُشرت في المياه الإقليمية لتايوان.
هذه الخطوات الصينية تحول التركيز الأميركي وتركيز “الناتو” من منطقة البحر المتوسط، وهو ما يسمح لقوى المحور الإيراني بالعمل في المنطقة، حيث الوجود الأميركي الذي يمكنه مساعدة إسرائيل قليل نسبةً إلى معركة بهذا الحجم.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الولايات المتحدة أعلنت، مؤخراً، أنها أرسلت غواصة نووية إلى البحر المتوسط، بهدف متابعة خطوات روسيا. في الفترة الأخيرة، هذه الخطوة استثنائية من طرف الولايات المتحدة. هل لدى الولايات المتحدة معلومات خاصة بشأن نيات إيران؟
الدعم الصيني والروسي، واحتمال وجود سلاح نووي، بالإضافة إلى كمية أسلحة كبيرة، وحقيقة أن أوروبا والولايات المتحدة قلقتان مما يحدث في أوكرانيا وفي بحر الصين الجنوبي، إلى جانب الأزمة العميقة في إسرائيل – هذه الأمور جميعها، إلى جانب شهر رمضان وقدسيته، يبدو أنها تشجع المحور الإيراني أكثر، ويبدو أن قادة هذا المحور فهموا أن الوقت قد حان لضرب إسرائيل وهي في ذروة ضعفها.
إذا جرى هجوم متعدد الأطراف من المحور الإيراني (حزب الله، “حماس”، الجهاد الإسلامي، سوريا، الميليشيات الشيعية في العراق، الحوثيون في اليمن)، فيبدو أن هذه المعركة ستبدأ بهجوم سيبراني (خلال الأيام الأخيرة، تم تسجيل عدة هجمات سيبرانية على بريد إسرائيل وشركات السايبر ومواقع حكومية وجامعات ومنظومات زراعية في الجليل الأعلى)، إلى جانب قصف صاروخي كثيف وقذائف من جميع الجهات (اليمن، غزة، سوريا، لبنان).
الهدف خلق حالة فوضى، وإلحاق الضرر بالجبهة الداخلية الإسرائيلية لاستنفاد مخزون الصواريخ الدفاعية الاعتراضية (القبة الحديدية والعصا السحرية) التابعة لإسرائيل. المرحلة التي تليها ستتضمن هجوماً برياً، إلى جانب منظومة دفاع جوي كثيف تابعة لقوى المحور الإيراني، وسيكون على الجيش التعامل معها، فوق الأرض وتحتها، ومن البحر والجو.
في نهاية المطاف، كلّي أمل بأن تكون هذه التقديرات في إطار الكلمات المكتوبة فقط، أو تحليلاً خاطئاً للإشارات التي تتراكم في الأيام الأخيرة، ورؤية متشائمة للأمور في منطقة شرق البحر المتوسط”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).