18010/09/2023
يقارب الكاتب في "هآرتس" يوسي ميلمان في مقالة له مسألة التطبيع بين السعودية وإسرائيل بدفع أميركي، وذلك على مسافة قريبة من اللقاء الذي يفترض أن يجمع الرئيس الأميركي جو بايدن برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو على هامش أعمال الجمعية العام للأمم المتحدة هذا الشهر في نيويورك.
“خلال الأسبوع الماضي، تمت استضافة وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في حفل تبرعات أقامته مؤسسة “أصدقاء الجيش” في شيكاغو. أراد غالانت استغلال الزيارة، بهدف لقاء وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ومسؤولين كبار في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي، إلّا إن بنيامين نتنياهو لا يسمح لوزرائه، باستثناء رون ديرمر، بلقاءات مع مسؤولين في الإدارة من المستوى الأول. وذلك بسبب رفض الرئيس، جو بايدن، المستمر دعوة رئيس الحكومة إلى زيارة رسمية. ويبدو أنهما سيلتقيان خلال الشهر الحالي، وذلك خلال زيارة نتنياهو للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.
لذلك، وبدلاً من واشنطن، سافر غالانت إلى نيويورك، والتقى هناك بربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط،، وبريت ماكغورك، مبعوث الإدارة الأميركية إلى الشرق الأوسط. وكان في مركز هذه اللقاءات الخطورة التي ينطوي عليها تطوير خطة نووية مدنية على الأراضي السعودية، وهي مركّب مركزي في الصفقة الأوسع التي يتم التحضير لها بين الولايات المتحدة والمملكة الوهابية، وتتضمن بالأساس التطبيع بين إسرائيل والسعودية وتنازلات إسرائيلية للفلسطينيين، بهدف الدفع بالمفاوضات السياسية قدماً.
هناك معارضة كبيرة في الجيش الإسرائيلي و”الموساد” ولجنة الطاقة الذرية لقيام السعودية بتخصيب اليورانيوم على أراضيها، ذلك بأنه يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلُّح نووي يغيّر وجه الشرق الأوسط. مَن يعبّر عن هذه المعارضة، علناً، هو رئيس “الموساد” سابقاً، تامير باردو، خلال مقابلة أجراها مع صحيفة “ريبوبليكا” الإيطالية، نُشرت، الأربعاء الماضي. وعلى الرغم من ذلك، فإن نتنياهو يبدو متلهفاً للتوصل إلى إنجاز سياسي كبير (تطبيع مع السعودية)، لدرجة أنه يبحث في عدم معارضة القضية. وهو ما يمكن الشعور به لدى سماع أقوال رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي والوزير ديرمر. فكلاهما قلّل من خطورة الموضوع.
إذا تم السماح للسعودية بتخصيب اليورانيوم على أراضيها، فإن السيناريو المتوقع هو أن تطالب دول إضافية في الشرق الأوسط (مصر، تركيا، الإمارات، الجزائر، المغرب) بمطالب خاصة بها في هذا الشأن. هذا بالإضافة إلى أن التاريخ يثبت أن أغلبية الدول التي طوّرت أسلحة نووية، قامت بذلك، استناداً إلى بنية مدنية
لم يتطرّق وزير الدفاع غالانت إلى قضية تحوُّل السعودية إلى دولة نووية، لكن لا شك في أنه يصغي إلى مواقف رؤساء الأجهزة الأمنية أكثر مما يصغي إلى موقف نتنياهو وديرمر. خلال لقاءاته في نيويورك، عرض على الإدارة عدة أسئلة عن رقابة وسيطرة الولايات المتحدة على دائرة الوقود النووي عموماً، وتخصيب اليورانيوم بصورة خاصة. وفقط بعد وصول الرد الأميركي، سيبحث غالانت ومساعدوه في الموضوع، ويتشاورون مع أجهزة الأمن، ويتخذون قراراً. وعلى الرغم من ذلك، فإن غالانت أشار في لقاءاته إلى “خط دفاع ثانٍ”، وقال إنه في حال سمحت الولايات المتحدة للسعودية ببرنامج نووي مدني، يجب ضمان الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل بالتعويض.
تعرف الولايات المتحدة جيداً معنى تطوير خطة نووية مدنية سعودية. بيع المفاعل والتكنولوجيا المرافقة للأهداف المدنية (صناعة الكهرباء، والبحث، والطب، والزراعة، والصناعة) هو شيء يمكن التعايش معه، أما تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، فإنه أمر مختلف كلياً. في نظر واشنطن، الأفضل هو أن يجري تخصيب اليورانيوم على الأراضي الأميركية، لا أن يكون برقابة أميركية فقط. هذا يسمح بنقل المواد المخصّبة إلى مستوى 3.5% (كافية لتفعيل وتزويد المفاعل بالوقود)، تحت رقابة سعودية كاملة.
إسرائيل أيضاً يمكن أن توافق على صفقة كهذه شبيهة بما جرى سابقاً مع الإمارات (بناء مفاعل وتزويده باليورانيوم المخصّب). إلّا إن وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، مصمم على ذلك، ويطالب بتخصيب اليورانيوم على أراضيه، أسوةً بإيران ومفاعلاتها. حتى أنه لمّح إلى أنه في حال لم يحصل على مطلبه، فسيتوجه إلى الصين، ويمكن حتى إلى روسيا، وكلتاهما ساعدت، وتساعد الخطة النووية الإيرانية.
يجب القول بصراحة إن قدرة تأثير إسرائيل في قضية تحوُّل السعودية إلى دولة نووية ليست عالية. فاسرائيل تستطيع، ويجب أن تحدد موقفها – وهذا ما يقوم به غالانت – لكن القرار في نهاية المطاف ستتخذه واشنطن. من غير الواضح حتى اللحظة ما إذا كان الرئيس بايدن راغباً في إنجازٍ كهذا لسياسته الخارجية المتقطعة (باستثناء خطواته في أوكرانيا)، عندما يكون الطلب الاستجابة لمطالب بن سلمان.
في جميع الأحوال، على إسرائيل التخفيف من سلوكها العلني. وبحسب الإعلام الأجنبي، إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لديها سلاح نووي. الولايات المتحدة، وأيضاً دول “الناتو” والاتحاد الأوروبي، وأغلبية دول العالم العربي مؤخراً، يقبلون هذا بصمت، ولا يطالبونها بتفكيك سلاحها. جميعهم يفهم أن إيران هي التي تهدد وجود الكيان الصهيوني، حتى أن رئيسها المعتدل هاشمي رفسنجاني، قال قبل أعوام إن كل المطلوب لإبادة إسرائيل قنبلة نووية واحدة.
وعلى الرغم من ذلك، فإذا تم السماح للسعودية بتخصيب اليورانيوم على أراضيها، فإن السيناريو المتوقع هو أن تطالب دول إضافية في الشرق الأوسط (مصر، تركيا، الإمارات، الجزائر، المغرب) بمطالب خاصة بها في هذا الشأن. هذا بالإضافة إلى أن التاريخ يثبت أن أغلبية الدول التي طوّرت أسلحة نووية، قامت بذلك، استناداً إلى بنية مدنية. والحديث يدور حول الهند، وباكستان، وجنوب أفريقيا (فككت في نهاية المطاف سلاحها النووي)، وإسرائيل، بحسب الإعلام الأجنبي. وثمة خطر إضافي يبدو الآن بعيداً، هو أنه في حال طوّرت السعودية ودول أُخرى في منطقة الشرق الأوسط أسلحة نووية، فإنها ستُشكل تهديداً في مرحلة ما بالتقدم نحو الخطة النووية العسكرية، في حال لم تُفكك إسرائيل سلاحها النووي، كما يُنسب إليها”.