ترامب يدفن ريغان مُجدداً.. وفانس حارس الشعبوية ما بعد 2028 
Former US President Donald Trump, left, and Senator JD Vance, a Republican from Ohio and Republican vice-presidential nominee, during the Republican National Convention (RNC) at the Fiserv Forum in Milwaukee, Wisconsin, US, on Monday, July 15, 2024. Former President Donald Trump tapped JD Vance as his running mate, elevating to the Republican presidential ticket a venture capitalist-turned-senator whose embrace of populist politics garnered national attention and made him a rising star in the party. Photographer: Al Drago/Bloomberg via Getty Images

خرج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من المؤتمر العام للحزب الجمهوري في مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن، وهو أكثر قوة مما كان عليه في الأشهر الأخيرة، مُحكماً سطوته على الحزب، الذي صار محوره عبادة الشخص، وليس السياسات.   

دفن دونالد ترامب في ميلووكي آخر معالم الريغانية اليمينية المحافظة، وأطلق حزباً جمهورياً بنسخته الشعبوية “لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” المعروفة اختصاراً بـ”ماغا”، واختار السيناتور (جيه. دي. فانس) لمنصب نائب الرئيس على لائحته، ليحافظ على نهجه إلى ما بعد تاريخ انتهاء ولايته الثانية الموعودة في العام 2028.

أسبغ الجمهوريون على ترامب هالة من الإجماع لم تتوفر له حتى في العامين 2016 و2020. ساعده على ذلك الإفلات من رصاصة توماس ماثيو كروكس خلال التجمع الانتخابي في مدينة بتلر بولاية بنسلفانيا في 13 تموز/يوليو الجاري. الرصاصة التي غيّرت وجهة الانتخابات الأميركية، كادت تُغيّر وجه أميركا أيضاً بفارق أقل من ميلليمتر. ترامب فسر نجاته لأن “الله كان إلى جانبي”.

 وخلال قبوله ترشيح الحزب الجمهوري له للمرة الثالثة – وحده ريتشارد نيكسون رشّحه الجمهوريون ثلاث مرات – لم يلتزم ترامب بخطاب التهدئة والوحدة كثيراً، وعاد إلى لغته المفضلة التي يحبها أتباعه. من تكرار نغمة سرقة الانتخابات منه عام 2020، إلى تصويره المهاجرين الشرعيين كتهديد لوظائف الأميركيين، إلى الإضطهاد السياسي عبر رفع 4 دعاوى قضائية ضده بدافع الانتقام السياسي، وصولاً إلى توجيه الإهانات إلى خصومه السياسيين وبينهم “المجنونة نانسي بيلوسي”.

في خطاب (90 دقيقة) هو الأطول في تاريخ خطابات قبول الترشيح في التاريخ الأميركي، صوّر ترامب نفسه بأنه الوحيد القادر على إنقاذ الولايات المتحدة من الهلاك بسبب سياسات الديموقراطيين، سواء في الاقتصاد أو في الخارج. وكرّر بأنه قادر على وقف الحرب الروسية – الأوكرانية بمكالمة هاتفية واحدة، وذكّر كيف التقى بزعماء حركة “طالبان” الأفغانية في البيت الأبيض وكيف التقى الزعيم الكوري الشمالي كيم جون-أون، الذي قال إنه لا شك قد “اشتاق إليه”. وفي لهجة تنم عن ثقة مفرطة بالفوز في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، طالب بإطلاق “الرهائن الإسرائيليين في غزة” قبل أن يتولى منصبه رسمياً و”إلا سيتم دفع ثمن باهظ”.

هذه الثقة، لم تكن فقط وليدة نجاته من رصاصة بنسلفانيا التي أصابت جو بايدن سياسياً، بل من مسارعة كل خصومه الجمهوريين الذين تنافسوا معه في الانتخابات التمهيدية، إلى مبايعته في ميلووكي بمن فيهم المندوبة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي وحاكم فلوريدا رون ديسانتس، وزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل. وغاب عن المؤتمر أصحاب الخط التقليدي أمثال جورج دبليو بوش وميت رومني وليز تشيني ومايك بنس.

في العام 2016، اختار ترامب مايك بنس الرافض للإجهاض والذي يحظى بتأييد في أوساط المتدينين المسيحيين ليكون نائباً له، أما اليوم فاختار فانس المعادي للشركات الكبرى وللعولمة وللهجرة والمؤيد للعمال والمتحمس لـ”ماغا”، علماً أن ليست لديه خبرة سياسية طويلة، ولن يكون عاملاً في توسيع قاعدة ترامب الانتخابية. في الماضي، قال فانس إنه لو كان نائباً للرئيس في 2020، لما صادق على نتائج الانتخابات الرئاسية عامذاك. الآن، بات فانس وريث ترامب. وإذا بالشعبوية التي بدأت كوسيلة غريبة لتلبية طموح رجل، تتحول الى برنامج عمل للحكومة سيمتد الى ما بعد 2028، إذا فاز ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

تبقى الأفضلية التي ترجح كفة ترامب الآن، هي حالة الهزال التي يظهر عليها بايدن، والجدل الدائر داخل الحزب الديموقراطي منذ المناظرة الرئاسية الكارثية، حول ما إذا كان يتعين على بايدن أن ينسحب ويفسح المجال لمرشح آخر، أو المضي في الترشح، مع احتمال أن يُغرق معه الديموقراطيين في مجلسي الكونغرس، مما يجعل ترامب يحكم سعيداً من دون أية قيود

آراء فانس “الإنعزالية” ترعب حلفاء أميركا. إذ أنه تجاوز ترامب في ما يتعلق النزاع الأوكراني، ويقول إن أوكرانيا، على عكس إسرائيل، ليست أولوية بالنسبة للأمن القومي الأميركي، ولهذا يتعين وقف المساعدات العسكرية والاقتصادية عن كييف. فانس تغيب عن الجلسة المشتركة لمجلسي الكونغرس التي تحدث أمامها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

ربما تنبع وجهة نظر ترامب في اختيار شخصية مثل فانس، الذي انتقل من العدائية لترامب إلى الموالاة المطلقة منذ ترشح عام 2022 لمجلس الشيوخ، من كون الأخير ينحدر من ولايات يطلق عليها “حزام الصدأ” وتضم ولايته أوهايو إلى ويسكونسن وميشيغن وبنسلفانيا. وهذه الولايات، التي تضم طبقة من العمال البيض، الذين يروي فانس الحالة المزرية التي يعانون منها في روايته “مرثية هيلبيلي”، لعبت دوراً محورياً في إيصال بايدن إلى البيت الأبيض في 2020. فهل يستطيع فانس قلب النتائج هذه المرة؟

الولايات المتحدة، هي بلاد تعاني استقطاباً حاداً منذ سنوات، يترجم في تصاعد حالات العنف السياسي إلى مستويات قياسية، لم تشهد أميركا مثيلاً لها منذ الستينيات الماضية. وإطلاق النار على ترامب هو تتويج لهذا العنف المتولد عن تفاقم خطابات الكراهية والتطرف لدى الحزبين الديموقراطي والجمهوري والنبرة الخلاصية التي يتبناها ترامب وكذلك الرئيس جو بايدن.

إقرأ على موقع 180  لبنان: التدقيق الجنائي ينطلق.. وفرنسا تُدقّق بإحتياطي الذهب

ويتهم الديموقراطيون ترامب بأنه إذا فاز في الانتخابات، فإنه سيطبق “مشروع 2025” الذي وضعته “مؤسسة هيرتج” ويقع في 900 صفحة، ويدعو إلى حملة تطهير بحق آلاف الموظفين المدنيين، وتوسيع صلاحيات الرئيس، وتفكيك وزارة التربية، وإجراء تخفيضات كبيرة في الضرائب ووقف نهائي لبيع حبوب الإجهاض. لكن الجمهوريين ينفون أن يكون هذا “المشروع” مدرجاً على جدول أعمال إدارة ترامب الجديدة في حال فوزه في الانتخابات.

ومن المؤكد أن الحظ يحالف ترامب في الآونة الأخيرة، إذ مع بدء المؤتمر تلقى ترامب هدية من القاضية إيلين كانون، التي أسقطت قضية جنائية مرفوعة بحقه، بسبب الاحتفاظ بوثائق سرية بصورة غير قانونية. وقبلها بأيام كانت المحكمة العليا قد اعتبرت بأن ترامب يتمتع بالحصانة من الملاحقة القضائية بتهمة محاولة قلب نتائج الانتخابات في ولاية جورجيا عام 2020.

وتبقى الأفضلية التي ترجح كفة ترامب الآن، هي حالة الهزال التي يظهر عليها بايدن، والجدل الدائر داخل الحزب الديموقراطي منذ المناظرة الرئاسية الكارثية في 27 حزيران/يونيو الماضي، حول ما إذا كان يتعين على بايدن أن ينسحب ويفسح المجال لمرشح آخر، أو المضي في الترشح، مع احتمال أن يُغرق معه الديموقراطيين في مجلسي الكونغرس، مما يجعل ترامب يحكم سعيداً من دون أية قيود.

تساؤلات كثيرة تدور حول كيف تمكن ترامب الذي خرج من البيت الأبيض عام 2020 بهزيمة نكراء، وهي لحظة ظنّ الكثيرون أنها نقطة الانهيار بالنسبة له، وبأن الحزب الجمهوري لن يلبث أن يلفظ ترامب ويعود إلى خطه التقليدي.

وقد تكون نانسي بيلوسي التي أصرت على مساءلة ترامب أمام الكونغرس في قضية اقتحام أتباعه لمبنى الكابيتول هيل في 6 كانون الثاني/يناير 2021، هي التي قرأت المستقبل أكثر من أي سياسي أميركي. فلو دان مجلس الشيوخ ترامب في جلسة المساءلة التي عقدت في 13 من الشهر نفسه، لما تمكن الرجل من تولي أي منصب عام في حياته. لكن الديموقراطيين لم يتمكنوا من جمع العدد الكافي من الأصوات لإدانته، وتالياً تمت تبرئته، ليواصل “القتال” ويصل إلى التتويج في ميلووكي، مع احتمال أن يكون ترامب أول رئيس أميركي يخسر انتخابات الولاية الثانية ويعود للترشح والفوز مجدداً منذ الرئيس غروفر كليفلاند الذي خسر في 1882 وفاز في 1892.

المؤكد بعد أسطورة التدخل الإلهي لإنقاذ ترامب من محاولة الإغتيال، كيف سيصدق هو أو أتباعه أنه من الممكن أن يهزم في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. أما ما سيلي ذلك، فإن الأمور ستبقى رهن بأوقاتها!

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  هل من بديل لصندوق النقد؟