الضفة تشتعل.. كيف تقرأ الصحافة العبرية المشهد هناك؟

شمال الضفة عاد إلى سيرته الأولى، و"عرين الأسود" لم يقتصر على نابلس هذه المرة، بل تعداه إلى مختلف مدن ومخيمات شمال الضفة، وربما قد تجد الأسود طريقها إلى جنوبها، وتبيت في عرائن جديدة، ساعتئذٍ، سوف تحتاج إسرائيل إلى عمليات من "البيوت والحدائق" بدلاً من عملية "بيت وحديقة"، على طول الضفة الغربية وعرضها!

بعد احتدام الاشتباكات في الآونة الأخيرة، بين المقاومين وأجهزة الإحتلال العسكرية والأمنية، وتكثيف الاقتحامات الإسرائيلية لمدن ومخيمات شمال الضفة التي أمست ساحاتها وطرقاتها مسرحاً لجرافات “D9″، صارت الضفة ساحة حرب حقيقية، يريد الإحتلال من خلالها ممارسة سياسة ردعية استباقية تحول دون اندلاع انتفاضة جديدة أو انفجار قنبلة جديدة تؤدي إلى إشغال إسرائيل المنشغلة حتى أذنيها في وحول غزة منذ أحد عشر شهراً.

لقد سقط مئات الشهداء وآلاف الجرحى من أبناء الضفة الغربية منذ عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي حتى الآن، فضلاً عن حوالي عشرة آلاف معتقل، “وما زال هناك من يتساءل لماذا استيقظت المقاومة في الضفة”، حسب الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي في مقالة له نشرتها صحيفة “هآرتس”، إذ يقول “يا لها من مفاجأة! إن المقاومة الفلسطينية العنيفة في الضفة الغربية ترفع رأسها. ها قد استيقظت “الوحوش البشرية” من سباتها، وبدأت بتفخيخ نفسها. لقد عاد “إرهاب” الانتحاريين، وجيش المحللين الإسرائيلي، لديه تفسير عبقري: إنه المال الإيراني. من دون هذا المال، لكانت الضفة هادئة؛ وفي وجوده، إن الناس هناك على استعداد للتضحية بأنفسهم، فقط من أجل الحصول عليه. يا لهذا “الأخطبوط” الإيراني!”.

ويرى زميله تسفي برئيل، في مقالة في الصحيفة نفسها، بأنه “حتى الآن، لم تنجح الحرب في غزة في جرّ الضفة الغربية، وخصوصاً قيادة منظمة التحرير و”فتح”، إلى “توحيد الساحات”، لكن التخوف من الحرب الدائرة التي تشنّها العصابات المتوحشة والإرهاب اليهودي ضد البلدات الفلسطينية، وفي الأساس مسعى السيطرة على الحرم في المسجد الأقصى، والذي يقوم به (إيتمار) بن غفير وشركاؤه، هو الذي سيؤدي إلى إنضاج الظروف لنشوب ثورة فلسطينية عنيفة. وإذا حدث ذلك، فإن السيطرة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح لن تفيد إسرائيل، لا أمنياً، ولا سياسياً”.

أما رون بن يشاي، في “يديعوت أحرونوت”، فيرى بأن “الضغط الشديد والمستمر للقيادة الوسطى وألوية الجيش على مخيمات اللاجئين في جنين ونور شمس، بالقرب من طولكرم، ومخيم الفارعة في غور الأردن، دفع المشجعين على “الإرهاب” وناشطيه إلى البحث عن مناطق أُخرى لا ينتشر فيها الجيش بأعداد كبيرة، ويقوم فيها بجهد دفاعي واعتقالات استباقية، وليس بعمليات هجومية كثيفة، مثل شمال الضفة”.

ويشير بن يشاي في مقالته إلى أن “الجيش الإسرائيلي يشعر بالضغط فيما يتعلق بالقوة البشرية والوحدات القتالية على الحدود. حيث تعمل اليوم في الضفة الغربية ما بين 23 و26 كتيبة ووحدة خاصة من الجيش. كما يتعيّن على الجيش منع تفشّي “الإرهاب” في جبل الخليل كي لا يضطر إلى نقل قوات إضافية، لا يملكها، إلى الضفة الغربية، وبذلك لن يكون في إمكانه التحرك براً كما يجب في قطاع غزة، وفي لبنان عند الحاجة”.

في ظل هذه الأجواء المحتدمة، ثمة من يطالب إسرائيلياً بشن حرب واسعة ضد الضفة، وإلى هؤلاء انضمت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، التي دعت “الكابينت” إلى اتخاذ خطوات طارئة “بما فيها الإعلان عن حالة حرب في الضفة. هذا، والجيش مصمم على الوصول إلى شهر تشرين الأول/أكتوبر، شهر الأعياد، بينما تكون ساحة الضفة هادئة أكثر من الانتفاضة الصغيرة التي تجري حالياً في الميدان”.

وتقول حنان غرينوود في “يسرائيل هيوم” بهذا الصدد، “في غضون 48 ساعة فقط تحولت الضفة من قنبلة متكتكة إلى قنبلة توجد في مراحل الانفجار. تتعلق المعضلة في جهاز الأمن أساساً بمنطقة الخليل، التي خرجت منها العمليتان المهمتان في الأيام الأخيرة”. وتختم مقالتها بالتعبير عن خشية كبيرة مما ينتظر الجيش الإسرائيلي، ففي الأسبوع الماضي “كانت هذه (الضربة) في غوش عصيون ولكنها قد تقع في القدس، في بئر السبع، أو في تل أبيب”!

عليه، ثمة تخوف يعتري القيادة العسكرية الإسرائيلية من تطور الأمور في الضفة، في الوقت الذي تشي معلومات عن احتمال أن تكثف المقاومة حضورها في جنوب القدس، وربما إلى داخل “الخط الأخضر”، حينها لن يجد رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ضالته في الضفة بعد تعثر جيشه من حسم الوضع في غزة لجهة القضاء على حماس عسكرياً وسلطوياً ومدنياً كما يرغب. ومعضلة مواجهة “حزب الله” في جبهة الشمال..

ويقول يوسي يهوشع في مقالة له في “يديعوت أحرونوت” أن الخطر الآن “هو في أن ينتقل «الإرهاب» إلى منطقة الخليل التي تعتبر ساحة «الإرهاب» لـ»حماس» في الضفة، والتي توجد فيها بنى تحتية منظمة وخطيرة. إذا ما استمعوا إلى توجيهات خالد مشعل، الأسبوع الماضي، «للعودة إلى العمليات الانتحارية» فمن شأننا أن ندخل فترة باعثة جداً على التحدي. معظم القوة المدربة في النظام وفي الاحتياط توجد في قطاع غزة وفي حدود الشمال، وهذه سيستوجب نقلها إلى قيادة المنطقة الوسطى. ولهذا فإنه لو كانت العمليات الأخيرة نفذت كما كان مخططاً، لأصبحت الضفة الساحة الأساس”.

إقرأ على موقع 180  أزمة السد الأثيوبي عند المنعطف.. الأخير

في الخلاصة، ثمة إمكانية للمقاومة الفلسطينية من نقل الأسلحة والمتفجرات من الشمال إلى الجنوب برغم الحواجز الإسرائيلية المنتشرة على مساحة الضفة الغربية، ومن دون مغامرة تهريب السلاح عبر البحر الميت، لا سيما بعد أن تعمّد جيش الإحتلال تكديس آلاف الأطنان من الأملاح المستخرجة من البوتاس وبناء جدار ملحي عملاق بطول 45 كيلومتراً مع الحدود الأردنية من جهة منطقة وادي عربة – البحر الميت.

الأمور في الضفة أكثر من مُعقدة، وسوف تتمدد جغرافياً وزمنياً، وهذا ما أعلن عنه الجيش الإسرائيلي لناحية تمديد العملية الأولى من نوعها منذ عملية “السور الواقي” في العام 2002، لأيام أخرى في مخيم جنين على الأقل، ووصف مصدر أمني إسرائيلي التطورات في الضفة بأنها لم تعد بحاجة لـ”جز العشب” وحسب، إنما لـ”جز الجذر” أيضاً. (المصادر: صحيفة الأيام الفلسطينية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free online course
إقرأ على موقع 180  الصحافة العبرية: الحرارة ترتفع مع لبنان.. لكن الحرب لم تقترب