ليس بالسوشيل ميديا نهزم المحتل.. بل بالميدان!

يخيم التشاؤم على المناخ العام في لبنان. أسبابه عديدة؛ بعضها بالفطرة مثل النكد، حب الاعتراض، نظرية المؤامرة، التوقعات والخيبات المرتفعة. اللبناني فاقد للثقة بكل شيء. لم يهنأ اللبناني بيوم سعيد في بلده. حرب أهلية واجتياحات وحروب إسرائيلية، خضّات أمنية داخلية، اغتيالات، حرائق، انتفاضة ٢٠١٩، أزمة المصارف والمودعين، انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى حرب ٢٠٢٤.

يعتبر اللبناني نفسه دائماً في خطر. لذلك هو في حالة تشاؤم دائم. هو انفعالي في ردّات الفعل، فيتوقع دائماً الأكثر والأصعب. وعندما يحصل على أقل مما توقع، يبحث عن المؤامرة. وهو قد نسيَ أن في بعض الاحيان، تصبح الانفعالات مضرة بينما العقلانية مفيدة. على سبيل المثال، يتمنى البعض ومن باب الانفعال والحماسة في هذه الحرب، أن يطلق الحزب مئات وآلاف الصواريخ يومياً. لكن تكتيك أهل الميدان وعقلانيتهم تستوجب رؤية مختلفة.
كتبت هذه المقدمة العامة كي أصل إلى نقطة جوهرية، أعرض فيها موضوعاً يلفت انتباهي خلال بعض الجلسات والنقاشات، في الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي.
نتحدث دائماً بلغة الهزيمة، لا الانتصار. نعرض خسائرنا، لا مكاسبنا. ننشر دمارنا لا دمارهم. عدد شهدائنا وجرحانا، لا قتلاهم. ربما كل هذا سببه التشاؤم.
فلنتفاءل قليلاً !
في الحرب، أهتم بقراءة بيانات المقاومة. هي بيانات صادقة واضحة وصريحة. لكن لفت نظري البيان الأخير الصادر عن “غرفة عمليات المقاومة الإسلامية” حول التطورات الميدانية بتاريخ ٢٠ -١١-٢٠٢٤. توقيت اصدار هذا البيان له دلالات عدة. الأولى، صدوره أثناء وجود الموفد الاميركي آموس هوكستاين في لبنان. الثانية، في قلب وذروة المفاوضات لوقف إطلاق النار في لبنان. الثالثة، أنه يعرض شريط الضغط الميداني العسكري الذي تمارسه المقاومة لتعزيز شروط التفاوض.
بدأ البيان من عند عملية حيفا الصاروخية النوعية، حيث بلغت صواريخ المقاومة خمس قواعد عسكرية إسرائيلية، ليدخل أكثر من ٣٠٠ ألف مستوطن إلى الملاجئ.
أما في العمليات البرية، فلا يزال سلاح الجو الإسرائيلي يعتدي يوميًا على القرى الحدوديّة، والتي يزعم السيطرة عليها، بعشرات الغارات من الطائرات الحربيّة والمُسيّرة. هذه الاعتداءات تؤكد عدم تمكن الجيش الإسرائيلي من تثبيت حضوره داخل الأراضي اللبنانيّة التي يزعم أنه احتلها.

لا أحد منا يُحب الحرب، ولا حتى يريدها. الكل ينتظر وقف اطلاق النار، والكل ينتظر نتائج التسوية. لكن الأهم أن تكون التسوية منصفة وتوازي تضحيات شعبنا ولا سيما المقاومين الصامدين الذين يدافعون عن أرضنا وبلدنا وضيعنا بوجه وحشية وإجرام العدو الإسرائيلي

في القطاع الغربي، يشرح البيان تفاصيل الاشتباكات التي ما زالت مستمرة لينفي الأخبار المتداولة عن سيطرة العدو على بلدة شمع. أما في القطاع الأوسط، فيتحدث البيان عن تفاصيل الكمين الذي وقعت به قوّة من الكتيبة ٥١ من لواء غولاني على مثلث عيناتا – مارون الراس – عيترون يوم الأربعاء في ١٣-١١-٢٠٢٤. واحدة من أهم وأصعب المعارك في تاريخ لواء غولاني. أما في القطاع الشرقي، فقد انسحب العدو للمرة الثانية من الخيام. ليصل البيان إلى عرض المحصلة الأخيرة لخسائر العدو الإسرائيلي عسكرياً:
– مقتل أكثر من 110 وجرح أكثر من 1050 من ضباط وجنود جيش العدوّ.
– تدمير 48 دبابة ميركافا و9 جرّافات عسكريّة وآليّتي هامر ومُدرّعتين وناقلتي جند.
– إسقاط 6 مُسيّرات من طراز “هرمز 450” ومُسيّرَتين من طراز “هرمز 900” ومُحلّقة “كوادكوبتر”.
لا أقلّل من حجم الدمار الذي حدث في معظم المناطق اللبنانية، ولا حتى من عدد الشهداء والجرحى من مقاومين ومدنيين وأطفال ونساء وأبرياء ومسعفين. في هذه الحرب لا بل في كل حروبنا مع عدونا، كنا وما زلنا ندفع فيها أغلى وأكبر الأثمان.

حتى أن المقاومة لم تُقلل يوماً من الخسارة لا بل الخسائر التي أصابتها. قالها الشهيد السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير قبيل استشهاده بأيام قليلة حين اعترف بالضربة الموجعة التي لحقت بالحزب في تفجيرات البايجيرات وأجهزة اللاسلكي. ثمنٌ عرفناه أيضاً مع اغتيال قادة الحزب بمن فيهم السيد نصرالله. لكن هل انتهت المقاومة؟هل فُكّك حزب الله؟ هذا كان هدف نتنياهو الأبرز، ليكتفي من بعدها بالهدف المعلن وهو إعادة سكان الشمال إلى مستوطناتهم. تحدث نتنياهو في مؤتمره الصحفي الأخير عن تدمير ٧٠-٨٠٪؜ من قدرات حزب الله الصاروخية، لترد المقاومة بقصف تل أبيب للمرة الأولى بعد ثلاث ساعات من مؤتمره الصحفي.
يواجه نتنياهو الكثير من المصاعب في الداخل الإسرائيلي. ضغوط سياسية وإعلامية وشعبية في ملفات عديدة. المحكمة العليا (ملف الفساد)، تجنيد “الحريديم” الذي يُهدّد إئتلافه الحكومي، تضاعف نسبة المتغيبين عم العمل بسبب الخدمة الإحتياطية، ظاهرة رفض الالتحاق، خسائر الجيش الإسرائيلي الكبيرة، الأسرى الإسرائيليون، مستوطنو الشمال، شل الحركة السياحية، شل حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، تراجع التصنيف الإئتماني لإسرائيل، إنسحاب المئات من كبار المستثمرين، خسائر اقتصادية في قطاعات عدة بينها البورصة فضلاً عن عجز تجاوز الـ7 %، إقفال مطار بن غوريون في تل أبيب بين حين وآخر، خراب ودمار وعدم استقرار وتعايش مع صفارات الانذار، ملايين المستوطنين ينزلون يومياً إلى الملاجىء، تضرر سمعة إسرائيل دولياً بدليل صدور مذكرتي التوقيف عن المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، سؤال يطرحه الإعلام العبري: ماذا حقّق نتنياهو في حربه؟
إنني على المستوى الشخصي متفائل منذ حوالي الشهر، ويزداد تفاؤلي يوماً بعد يوم بأن الحرب تكاد تبلغ خواتيمها. وقف إطلاق النار سيفرضه الميدان، إلى جانب ما ينتظر نتنياهو من مصاعب داخلية (أكثروا من متابعة إعلام العدو بدلاً من التلهي بالأخبار العاجلة أو فوضى السوشيل ميديا هنا وهناك).
لا أحد منا يُحب الحرب، ولا حتى يريدها. الكل ينتظر وقف اطلاق النار، والكل ينتظر نتائج التسوية. لكن الأهم أن تكون التسوية منصفة وتوازي تضحيات شعبنا ولا سيما المقاومين الصامدين الذين يدافعون عن أرضنا وبلدنا وضيعنا بوجه وحشية وإجرام العدو الإسرائيلي. هؤلاء الأبطال هم المفاوضون الحقيقون. هم من يرسمون التسوية ويضعون بنودها الصحيحة؛ عملياتهم العسكرية هي من تُعزّز شروطنا في المفاوضات وتفرض وقف اطلاق النار وتطبيق القرار ١٧٠١ للمرة الأولى على الطرفين وليس على طرف واحد.

إقرأ على موقع 180  نبيع دولتنا حتى نحفظ هياكلها

إسرائيل لم تعد دولة آمنة وبيئة حاضنة ليهود العالم في ضوء كل مسار ما بعد 7 أكتوبر.. وها هو المؤرخ الإسرائيلي الشهير إيلان بابيه يتحدث عن هجرة 700 ألف إسرائيلي منذ سنة حتى يومنا هذا..

المهم الآن، أن لا نُساهم في التشويش وأن نترك الكلمة للميدان. “بيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان”، قالها الشهيد السيد حسن نصرالله.

Print Friendly, PDF & Email
يوسف كليب

ناشط سياسي، لبنان

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  نبيع دولتنا حتى نحفظ هياكلها