“فيلق السيادة”.. والنوم في “التخت الأميركي”!

أميركا دائماً على "حق". احزموا أفكاركم وأرسلوها إلى النسيان. السياسة الإباحية تروِّض الفكر. ترسم خط مسار إلزامي. تُزوّد الإنسان بقيود في سجون الكرة الأرضية. خلص. لقد تم إعدام القيم والفكر والأمل والحرية ومتعة البقاء والعطاء.

الجريمة وقعت. فاز المجرمون بتحويل الإنسان إلى رقم، إلى كتائب الموت، إلى “جنة” ترسو على قبر حجري، تؤمه البوم، وتفرح به جائحات الرأسمالية المتوحشة التي فازت على العقائد والديانات والقيم وأنجبت سلالة عنوانها: “أنا رأس المال.. فأطيعوني”.

لماذا هذه المقدمة؟

بدا لي المشهد “اللاسياسي” في لبنان، بليغاً جداً. السياسة في لبنان خرافة سخيفة ومملة. لا سياسة في التحازب الطائفي والمذهبي والعرقي والمناطقي. ليس في هذه الفيافي العربية، ومنها لبنان، فسحة للمواطن، وزاوية للحرية، ولغة للحياة.

لغة الرأسمال: “أنا الله.. فأطيعوني”. حصلت الطاعة وبسرعة مثالية. تم إيقاظ قبضايات المواقف السياسية وتلقينهم رسالة “الإله” ترامب: “المرشد الرأسمالي يتمنى عليكم تسمية فلان الفلاني، رئيساً للحكومة”.

فوراً، ثم فوراً، إلى أن طلع الصباح. رموا كل من كانوا على لائحة التسمية، بما فيها أسماء تمت تسميتها قبل ساعات.

كأنني سمعت من “فيلق السيادة”: جاءنا الأمر.. فاتبعوه. غريبٌ. غريبٌ جداً جداً. سياديون، ويقفون “متأهبين”، ويُطوّبون من لم يكن وارداً عند أحد.. نطقت الأكثرية باسم الرئيس المكلف، الذي تحول بسرعة “الأمر” الآتي من خارج الحدود، إلى رئيس جدي جداً للحكومة.

هذا يعني أن لبنان الذي كان ميتاً مراراً وتم دفنه، مُنِحَ مقعداً حساساً جداً، على أن يكون مطيعاً وملبياً، بصوت مرتفع، ومن دون أي تأتأة. كنْ واضحاً معنا وبصوت مرتفع. ولتكن خاتمة الكلمات: “المجد لأميركا”. أما شعار “الموت لأميركا” فقد أصبح شعاراً بائداً. أميركا هي التي تُوزع شعارات “الحياة” وتلاحق شعارات “السيادة” ولو كان حملتها من المطعون بسياديتهم!

بات معروفاً ومعلناً أن إرادة أميركا وأوامرها لا تُرد. وعليه، لم يكن مفاجئاً أبداً، غياب الحضور الفرنسي. الوزراء الجدد، جاؤوا بمعظمهم تلبية لأوامر واشنطن. وزراء الاختصاص والتكنوقراط يلزم أن يكونوا من خريجي الجامعة الأميركية أو جامعات أميركا وأيضاً من حملة بطاقات “الكريديت كارد” الآتية من المصارف الأميركية.

أميركا هي التي تتولى إنجاب الأسماء، وغداً، تبدأ بـ”تصحيح” كل الأهداف. ولن يُترك لأي غربي، وتحديداً لإيمانويل ماكرون، وتحديداً أيضاً، لأي عاصمة عربية، ليكون لها مركز صدارة، إلى جانب “التخت السياسي الأميركي”.

***

                                                                                    اورتاغوس

لنفتح ملف لبنان: السلطة الراهنة، ليس مسموحاً لها أن تطلب وتطالب بما خص الجنوب المُدمّر. ممنوع على هذه الحكومة أن تعطي ولو رأياً إنسانياً بما يحصل في غزة. (غزة بالمناسبة، هي عاصمة العصيان الأبدي.. ولا تحتاج إلى شفقة، بل إلى طلقة).

فيا أيها السادة المطيعون قولوا لنا: هل ستُرد الودائع من المصارف اللالبنانية، والتي لا تزال حية ترزق. (غريبٌ أمر “الشعب” اللبناني الذي ينوء تحت وطأة “النَّأ”). الدولارات متناسلة من الرحم الأميركي. أميركا أُمٌ رحومٌ لمصارف لبنان الدولارية. ثم: قولوا لنا، هل أن الركام المُدمّى في مرفأ بيروت، سيفصح عن القتلة. عن السماسرة. ولو! ولا متهم أبداً حتى اليوم. ومن اتهم ما زال حياً سياسياً وتسلطاً.. والقضاء يمارس القضاء على حقيقة الجريمة العظمى التي دمّرت عاصمة لبنان.

لن يتغير شيء. المصارف والمصارف لهما الحظوة راهناً. الذين قتلونا سيُفصح عنهم قريباً عبر فرض ضريبة النسيان علينا.

***

كأنني سمعت من “فيلق السيادة”: جاءنا الأمر.. فاتبعوه. غريبٌ. غريبٌ جداً جداً. سياديون، ويقفون “متأهبين”، ويُطوّبون من لم يكن وارداً عند أحد.. نطقت الأكثرية باسم الرئيس المكلف، الذي تحول بسرعة “الأمر” الآتي من خارج الحدود، إلى رئيس جدي جداً للحكومة

قيل: التكرار يُعلّم الحمار، إلا في لبنان. الحمار هو الذي يُعلّم التجار. تجار المال والدماء والقيم. لسنا بحاجة إلى البنادق. الحرب الأهلية متنامية، من دون سلاح يجرح. لأن السلاح بأيد “الخاء” يجرح.

أما السؤال الفادح، فالإجابة عليه مستحيلة وهو الآتي: هل ستعود إلى الدولة أملاكها؟. فشرنا جميعاً. الشواطئ محتلة. مستشفيات الدولة، اختصاصها الأسبيرين.. وقليل من الفيتامين.. وقليل جداً مما له علاقة بالعمليات الجراحية.. مستشفيات الفقراء، “على الله”. فيا الله، قل لهم: “سدوا بوزكم”.

ثم، هل سيتم منع “التقاسم بالتراضي”؟ أو فليأخذ كل منهم حصة على “قد” ما تعطيه القوى المستقوية.. ثم هل سيُحَاكم المجرمون الكبار، الذين حكموا وتحكموا بحياة اللبنانيين. ثم هل ستعود المياه إلى حنفيات البيوت؟ طبعاً لا. شركات التعبئة التي تسرق المياه، كما تسرق شركات الموتورات الضوء وتبيعه، هل ستُلاحق، أم سيلتحق بها كثيرون منتظرون.. ثم عشرات الأسئلة التي تضمر جرائم بحق الشعب اللبناني الذي تمت معالجته بالتخدير الطائفي، وبرفع منسوب الخطاب العدائي الطائفي والمذهبي.

إقرأ على موقع 180  رئاسة الجمهورية عندما تتجاوز حدود سلطتها

***

أخيراً؛ الحق ليس على أميركا أبداً. لبنان متفوق في مدرسة الفساد. يشع الفساد في كل الاتجاهات، ويزور كل العائلات الروحية المتخمة غنى ومالاً وعقارات ومؤسسات و.. “ستوب.. أحسن ما تاكلا يا نصري”. كل العائلات السياسية حية ترزق، خوَّة والتحاقاً وتوظيفاً اعتباطياً. ثم… هل من رقابة على مافيا الدواء. (الأمراض اللبنانية تعالج بمزيد من الأدوية.. ولا شفاء.. كأن الدواء داء لا تجتنبوه).

متعبٌ الاستمرار والتكرار.

لبنان هذا معروض حالياً ليكون برعاية أميركية فقط. فرنسا برَّا. الدول العربية برَّا.

معه حق ترامب عندما يعلن الأهداف المستحيلة. مضمون قوله أو أقواله: أنا ربكم فاتبعوني. يقول لغزة “برَّا.. برَّا..”، لا صوت يعلو.

الخاتمة، هي ما يلي:

– تفاءلوا قليلاً.. سنأكل التين من دون تعب.

– غزة لها ربّ يحميها.. وترامب ليمحوها.

– لبنان في الجيبة. أين موقع الشيعة؟ خارج الجيب أم قريباً منه؟

– ارتحال الحب وفوز الصفقات.

***

قليل من العاطفة: كيف أقدر على حبك يا لبنان؟

هل سأكتفي بالتلويح بالكوفية الفلسطينية فقط؟ هل سأصفق لكل من “يأخذ أمي فأسميه عمي”؟ كيف أقف في ظلال علمك إن لم أكن حراً. كيف أمنحك قلبي القوي الذي أملكه ملكاً أبدياً.. أنا لبناني بكليتي. عربي من زمان. أحب هذه الأرض المصابة بقلبها.

هل أضع عصبة على عينيّ، وأقول: هذا المدى أعمى؟

خلص: البحث عن الحقيقة مستحيل. التخلص من الأحاسيس والحب مستحيل.

سأقيم في المستحيل، وسأختم بالمرثية الآتية:

“شوهد وهو يسير. فاحرثوا أيها الأصدقاء، قبراً من حجر ومن حلم، لجثمان الشاعر قرب نافورة يبكي فيها الماء، مُردداً إلى الأبد، الجريمة التي وقعت في غرناطة..”

وغرناطة العرب: غزة في فلسطين.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  لحرب غزة خصوصياتها.. هل تحمل نهاياتها مفارقات جديدة؟