لبنان بين زيارة بابا السلام الأميركي وماما الحرب الأميركية

تحوّل لبنان بكل طوائفه وأحزابه وسلطاته التشريعية والتنفيذية إلى حمّام سلام أبيض للترحيب بالبابا لاوون الرابع عشر الأميركيّ الأصل، وذابت الفوارق بين القوى المتناحرة وعمّ الوئام والسلام بينها، وكأن لا صراع ولا متصارعين.

حملت زيارة البابا لاوون الرابع عشر عنوان السلام بسبب طبيعة الضيف الذي يتربّع على رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، لكنها وبسبب الوضع اللبناني وما يحيط به من تحديات وأخطار، حملت بُعدًا سياسيًا يستفيد منه لبنان إعلاميًا ودبلوماسيًا فقط، ومن غير المتوقع أن يكون للزيارة أي تأثير على مجريات الأمور العالقة، لا سيما أن “إسرائيل” ومن خلفها أميركا استبقتا الزيارة بحملة تهويل وتهديدات بشنّ عدوان واسع على لبنان خلال مهلة أقصاها نهاية الشهر الحالي. فالنفوذ الذي يتمتّع به البابا لا يتجاوز مفاعيل النصح والإرشاد في عالم مجنون تقوده رأسمالية متوحشة جلّ مبتغاها مراكمة رأس المال، وإن كان الطريق إليه هو تقوية وتعزيز صناعة الأسلحة التي تحتاج إلى حروب دائمة لمواصلة ديمومتها.

لا شكّ أن زيارة البابا أعطت متنفسًا للبنان وللبنانيين لينعموا خلال الأيام الثلاثة للزيارة بقليل من الهدوء للمرة الأولى منذ التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية قبل عام. فقد غاب أزيز المسيّرات “الإسرائيلية” عن الأجواء، ولم تحصل غارات جوية على أيّ من المناطق اللبنانية، واقتصرت الخروقات “الإسرائيلية” على إطلاق بعض القذائف المدفعية والمحلقات والقنابل المضيئة على عدد من قرى الحافة الحدودية. وانتشى مسيحيو لبنان برؤيتهم رأس الكنيسة يركع أمام مزار القديس شربل في عنايا ويضيء شمعة أحضرها معه من روما، كما أعرب شيعة لبنان عن ترحيبهم الحار بالبابا عبر نشر كشافة المهدي قادتهم وأشبالهم وزهراتهم على طول الأوتوستراد الذي يشق الضاحية الجنوبية باتجاه القصر الجمهوري، حيث كان نواب حزب الله في طليعة المرحّبين بالبابا إلى جانب الرئيس جوزاف عون و”الأخ الأكبر” رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام.

تخلل الزيارة كلام ودود من كل الأطراف السياسية، وإن كان البعض منه مجرد غلاف لسكاكين مسنونة ضد الشريك في الوطن، تمامًا كما حصل خلال زيارة البابا الأسبق يوحنا بولس الثاني إلى لبنان في العام 1997. لذلك ينبغي ألّا يُعوَّل كثيرًا على ما قيل وسيُقال لبنانياً خلال الزيارة، لأنه وبحسب المثل اللبناني: “أصلك عوجا يا عوجا”.

واللافت للانتباه أنه لم تمضِ ساعات على مغادرة بابا السلام لاوون الرابع عشر لبنان، حتى وعدتنا “ماما” الحرب الأميركية مورغان أورتاغوس بالقدوم من تل أبيب إلينا حاملة للبنان واللبنانيين المزيد من التهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم تبادر السلطة اللبنانية إلى نزع سلاح المقاومة سلمًا أم حربًا لا فرق ضمن مهلة زمنية محددة شمال نهر الليطاني. وإن كان من السابق لأوانه الكلام عمّا ستفعل أورتاغوس “الإسرائيلية” الهوى خلال الزيارة، لكن المكتوب يُقرأ من عنوانه، فهناك ضوء أخضر أميركي لـ”إسرائيل” لمواصلة استباحة السيادة اللبنانية، برًّا وبحرًا وجوًّا، تحت عنوان القضاء على التهديد الذي يستهدف أمنها القومي أينما كان وأياً كان..

في هذا السياق، يُمكن القول إن مبادرة قيادة قطاع جنوب الليطاني في الجيش اللبناني إلى دعوة الصحافيين إلى جولة ميدانية في منطقة عملها هي خطوة موفقة من قيادة الجيش في إطار الحرب الإعلامية مع “إسرائيل”، لا سيما أن الجولة شملت دخول الصحافيين إلى أحد الأنفاق الأساسية للمقاومة في جنوب لبنان للتأكيد على جدية نزع سلاح المقاومة في منطقة جنوب الليطاني. لكن العقل “الإسرائيلي” لا يتأثر بمثل تلك الخطوات، فمنطق القوة لديه يعمل وفق قاعدة فرض الشروط لتحقيق المزيد من التنازلات تحت الضغط العسكري. من هنا، فإن رمزية الخطوة هذه لا تتجاوز حدود الإعلام بالنسبة لـ”إسرائيل”.

وبين زيارة البابا وزيارة أورتاغوس، يُعوّل الكثير من اللبنانيين على الدور الذي يُمكن للبابا أن يلعبه، فيما يطرح آخرون تساؤلًا كبيرًا عن مدى قدرته عبر اتصالاته الدولية ورمزية موقعه على لجم شهوة الحرب لدى الحكومة الفاشية في “إسرائيل” ومن خلفها الرأسمالية المتوحشة في أميركا. وهنا يأتي الرد في رواية جرى تداولها كثيرًا بعد الحرب العالمية الثانية، ومفادها أنه عندما اجتمع في مدينة يالطا السوفياتية في الرابع من شباط/فبراير عام 1945 زعماء الدول المنتصرة في الحرب: جوزيف ستالين عن الاتحاد السوفياتي، ونستون تشرشل عن بريطانيا العظمى، فرانكلين روزفلت عن الولايات المتحدة الأميركية، وتقاسموا النفوذ في عالم ما بعد الحرب. وقبل انتهاء المؤتمر طلب تشرشل الكلام وقال: لقد غاب عنا إعطاء حصة في مناطق النفوذ لبابا روما. فسأله ستالين حينها: كم دبابة يملك البابا؟ فقال له تشرشل إن البابا لا يملك سلاحًا بل هو زعيم الكنيسة الكاثوليكية في العالم التي يبلغ عدد رعاياها أكثر من مليار ونصف المليار نسمة. فقال له ستالين: إذا كنت حريصًا على إعطائه حصة فلك أن تعطيه من حصتك. فانتهى النقاش بأن بقيت السلطة الفعلية للبابا خلف جدران جمهورية الفاتيكان التي تعتبر أصغر دولة في العالم بمساحة تبلغ 440 مترًا مربعًا فقط.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  ترامب عندما يُمسك بسياسة بلاده.. الخارجية
سلطان سليمان

صحافي لبناني؛ كان يُوقّع مقالاته باسم "ماهر أبي نادر" لضرورات عمله

Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  كميل شمعون.. عندما ذهب بعيداً في عروبته!