

المرأة هدفًا للصراعات
منذ سنوات طويلة، تشهد المنطقة العربية اضطرابات سياسية متواصلة، من العراق وسوريا إلى فلسطين واليمن والسودان وليبيا. الحروب في هذه البلدان لم تكن مجرد مواجهات بين جيوش أو مليشيات متناحرة، بل كانت – وما تزال – مجازر مفتوحة تستهدف المدنيين، وتحديدًا النساء، اللاتي وجدن أنفسهن ضحايا لآلة الحرب الجهنمية.
الاغتصاب سلاحًا سياسيًا
في مناطق النزاع، أضحى جسد المرأة ساحة معركة يستخدم فيها الاغتصاب كسلاح للإذلال وكسر شوكة الخصوم. ففي سوريا، وثّقت تقارير دولية استخدام النظام والميليشيات المسلحة للعنف الجنسي كأداة قمعية ضد المعتقلات في السجون والمحتجزات في مناطق النزاع. في العراق، دفعت الإيزيديات ثمنًا مرعبًا حين وقعن في أسر “داعش”، حيث تعرضن للاغتصاب والاستعباد الجنسي تحت راية التطرف.
أما في السودان، فقد شهدت البلاد في السنوات الأخيرة موجات عنف جنسي مروعة خلال التظاهرات ضد النظام العسكري، حيث تم استهداف النساء المتظاهرات بالعنف والاعتداء الجسدي لترهيبهن وكبح مشاركتهن في الحياة السياسية.
القوانين القمعية والانتهاكات الممنهجة
بعيدًا عن ساحات الحروب المباشرة، ما تزال المرأة العربية تعاني من منظومة قوانين ذكورية تُكرّس التمييز ضدها. ففي بعض الدول، ما تزال المرأة محرومة من حقوقها الأساسية، مثل منح الجنسية لأطفالها أو التصرف بحرية في حياتها الشخصية من دون وصاية. حتى في الدول التي تدّعي التقدمية، يبقى العنف ضد المرأة ظاهرة مستشرية، تعكس أزمة أعمق في البنية الثقافية والمجتمعية.
وفي مناطق النزاع، حيث تضعف سلطة القانون، تكون المرأة أول من يفقد الحماية القانونية، فتتعرض للقتل على الهوية، والاختطاف، والتعذيب دون أي محاسبة للمجرمين.
المرأة كقائدة للثورة والتغيير
وبرغم كل هذا القهر، لم تستسلم المرأة العربية لدورها كضحية فقط، بل كانت دائمًا في صدارة التغيير، من مصر إلى لبنان والسودان والعراق، حيث تصدّرت النساء المظاهرات، وهتفن ضد الاستبداد، وطالبن بالحرية والكرامة. لكن المفارقة أن هذه الشجاعة كثيرًا ما قوبلت بالقمع المزدوج، إذ لم تواجه هؤلاء النساء فقط بطش الأنظمة، بل أيضًا التمييز الاجتماعي الذي يرى في مشاركتهن تجاوزًا للأعراف والتقاليد.
مناسبة للمحاسبة لا للاحتفالات الفارغة
في يوم المرأة العالمي، لا يمكن للاحتفالات الرمزية والخطابات الرنانة أن تغطي على واقع النساء في عالمنا العربي. فالمرأة ليست بحاجة إلى باقات ورد أو رسائل دعم جوفاء، بل إلى تغيير حقيقي يضمن لها الأمن، والعدالة، والمساواة. لا بد من وقف الحروب التي تذبح النساء، ومحاسبة الأنظمة والجماعات التي تستغل أجسادهن كأدوات في معارك السلطة.
إن الحديث عن حقوق المرأة في ظل الاستبداد، والطائفية، والاحتلال، والعنف المسلح، يبقى ناقصًا إذا لم يُربط بالنضال السياسي والاجتماعي الأشمل من أجل الديموقراطية والحرية. في النهاية، لا تحرر للمرأة في ظل أنظمة قمعية، ولا كرامة لها في دول تستبيح حقوق الإنسان. يوم المرأة يجب أن يكون يومًا للمحاسبة، لا مجرد مناسبة للاستهلاك الإعلامي.
وسائط التغيير غير التقليدية
كيف تصنع النساء مستقبلهن خارج القوالب الجاهزة؟
في ظل عالم يزداد تعقيدًا، تواجه النساء تحديات كبيرة تعوق تحقيقهن لذواتهن، سواء بسبب البنى الذكورية الراسخة، أو القوانين المقيدة، أو النزاعات السياسية، أو حتى الحواجز الثقافية والاجتماعية. لكن التغيير لا يأتي بالانتظار، بل بخلق أدوات جديدة لكسر القيود وإعادة تشكيل الحياة وفق رؤية أكثر عدلًا وإنصافًا.
أعرض في ما يلي بعض الوسائط غير التقليدية التي يُمكن أن تعتمدها النساء لإحداث تحول حقيقي في حياتهن ومجتمعاتهن:
أولاً؛ التكنولوجيا كأداة تحرر وتواصل:
-التكنولوجيا: توفّر التكنولوجيا للمرأة العربية نافذة مفتوحة على العالم خارج قيود الواقع التقليدي. من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يُمكن للنساء بناء منصات مستقلة للتعبير عن آرائهن، وتوثيق تجاربهن، وتبادل المعرفة، وحتى قيادة حملات اجتماعية من دون الحاجة إلى إذن من السلطة الذكورية التقليدية.
-التعليم الرقمي: بديل قوي لتجاوز القيود المفروضة على المرأة في بعض المجتمعات. دورات مجانية ومنصات مثل (Coursera) و(EdX) تُمكّن النساء من التعلم الذاتي واكتساب مهارات مهنية جديدة من دون الحاجة إلى السفر أو الالتزام بالمؤسسات التقليدية.
-ريادة الأعمال الرقمية: يُمكن للنساء استغلال التجارة الإلكترونية والعمل الحر عبر الإنترنت لتحقيق الاستقلال المالي، بعيدًا عن سوق العمل التقليدي الذي قد يحدّ من فرصهن بسبب العادات الاجتماعية.
ثانياً؛ الفن والإبداع كمساحة مقاومة:
-الفن: الفن بكل أشكاله؛ من الكتابة إلى الموسيقى والرسم والسينما؛ يُمكن أن يكون سلاحًا قويًا في يد المرأة لإعادة تعريف صورتها في المجتمع، وكسر التابوهات، والتعبير عن قضاياها بكل حرية.
-الأدب النسوي الجديد: بدلاً من الخطاب النخبوي التقليدي، بدأت الكثير من النساء في إنتاج محتوى أدبي يعبر عن واقعهن بلغة صادقة وقوية، مثل المدونات والروايات والقصص القصيرة التي تكسر الصمت حول قضايا مثل العنف، والتحرش، والتمييز.
-المسرح والسينما البديلة: الأفلام القصيرة والمسرح التفاعلي يمكن أن يكونا وسيلتين قويتين لطرح قضايا النساء بطرق إبداعية غير نمطية، تخرج من دائرة الخطابات التقليدية وتصل إلى فئات أوسع من المجتمع.
ثالثاً؛ المقاومة الإقتصادية:
-المشاريع المستقلة: الاعتماد المالي على الرجل كان دائمًا إحدى أهم وسائل السيطرة على المرأة. لذا، فإن كسر هذه الحلقة من خلال تطوير مشاريع اقتصادية مستقلة يعد خطوة حاسمة في إعادة توزيع موازين القوة.
-الاقتصاد التضامني: تشكيل تعاونيات نسوية لدعم بعضهن اقتصاديًا، مثل مشاريع الطبخ المنزلي، والخياطة، والتصميم، والحرف اليدوية، بحيث توفر للنساء مصادر دخل دون الحاجة إلى الخضوع لبيئات عمل ذكورية قاسية.
-التمويل الجماعي: استخدام منصات التمويل الجماعي لدعم المشاريع النسوية التي تواجه تحديات التمويل التقليدي.
رابعاً؛ التعليم غير التقليدي:
إعادة بناء الوعي النسوي، التغيير لا يأتي فقط من الخارج، بل من الداخل أيضًا. لذلك، تحتاج النساء إلى أدوات معرفية تساعدهن على إعادة فهم حقوقهن وإعادة تقييم دورهن في المجتمع.
خامساً؛ مجموعات القراءة والمناقشة:
إنشاء دوائر نسوية للقراءة والنقاش، حيث تتبادل النساء الكتب والمقالات حول قضاياهن، مما يساعد في خلق وعي نقدي جديد تجاه الواقع الذي يعشنه.
سادساً؛ التعليم المجتمعي:
تعليم المهارات الحياتية للنساء في المناطق المهمشة، مثل كيفية التعامل مع القوانين، وإدارة الأموال، واستخدام التكنولوجيا، وغيرها من المهارات التي تعزز دور النساء.
سابعاً؛ كسر “التابوهات”:
من خلال زيادة وجود النساء في الفضاءات العامة التي كانت تعتبر “للرجال فقط”، مثل المقاهي، والرياضة، والمهن التي يُزعَم أنها ذكورية.
ختامًا؛ التغيير الحقيقي لا يأتي بانتظار الإصلاح من الخارج، بل ببناء قوة ذاتية قادرة على خلق مسارات جديدة للحياة. النساء لسن مجرد ضحايا للنظام، بل هن أيضًا صانعات المستقبل، بشرط أن يمتلكن الأدوات اللازمة لاختراق الواقع وإعادة تشكيله.
التحدي الأكبر ليس فقط مواجهة المجتمع، بل أيضًا في مواجهة الخوف الداخلي الذي تم ترسيخه عبر عقود من القمع والرقابة. فعندما تتجرأ النساء على الحلم خارج الحدود المرسومة لهن، يصبح التغيير مسألة وقت لا أكثر.